عبد ربه هاشمي.. حين تتحدى الدراجة الهوائية الحدود والمسافات
عبد ربه هاشمي إطار رياضي سابق، متقاعد بعد سنوات قضاها بقطاع الشباب والرياضية، رياضي لا يعترف بحكم السن على الجسد، هوايته تنظيم رحلات داخل الوطن وخارجه مستخدما رفيقة رحلاته “دراجته الهوائية” التي رافقته لسنين طوال دون كلل أو ملل.
هاشمي الذي ولد بمدينة فجيج سنة 1955، وقضى أغلب سنين حياته المهنية بمدينة الرشيدية، قطع آلاف الكيلومترات داخل المغرب وخارجه متحديا صعاب الطريق ونكران الجهات الوصية التي تركته وحيدا في مواجهة متطلبات رحلات كهاته، متحملا لوحده مصاريف تنقلاته بل وحتى دون أي تسهيلات في الإجراءات المسطرية المتعلقة باستخراج وثائق السفر اللازمة لمغادرة البلاد رغم مراسلاته العديدة للمسؤولين والتي اطلع “بديل” على بعضها.
التقى الموقع هاشمي الذي فرضت عليه جائحة كورونا الكمون بمدينة الرشيدية والشوق يحمله لإخراج رفيقة رحلاته من مخبئها لمواصلة هوايته في مداعبة الإسفلت، وكان لنا معه هذا الحوار:
كيف كانت بدايتك في التعامل مع الدراجة الهوائية؟ وكيف جاءتك فكرة تنظيم رحلات وطنية ودولية بالدراجة؟
بداية أريد أن أشكر موقع “بديل” على الاستضافة، وهذا ليس غريبا على موقع ملتزم كبديل، يحترم قراءه ويولي اهتماما خاصا بالطاقات المغربية خصوصا المهمشة منها.
وردا على سؤالك ففي سنة 2008 وأنا أشاهد برنامجا على الشاشة يعنى بالسياحة، تم من خلاله إجراء مقابلة تلفزيونية مع سائح أجنبي يقوم بزيارة للمغرب على متن دراجة هوائية وخلفه عربة صغيرة مقطورة بالدراجة الهوائية عليها طفله الصغير، وزوجته على متن دراجة ثانية ومعها ابنتها في قرية جميلة تسمى “مير اللفت” التي لم أكن أعرف حتى موقعها من الخريطة وقتها.
هذا المنظر أثر في كثيرا خصوصا مع ما لاحظته من استمتاع الأجانب بما تزخر به بلادنا من مناظر خلابة، بينما نحن لا نعير أي اهتمام لها، وولدت في ذهني فكرة بسيطة تدحرجت ككرة ثلج مع مرور الزمان حتى أصبحت فيما أنا عليه الآن. وكان أول عمل قمت به البحث في الخريطة عن موقع قرية “مير اللفت” ووضعها على مشروع برنامج المغرب الأزرق وقمت بالدراسة والتخطيط للرحلة، وكان الأمر في البداية حلما، مجرد حبر على ورق، قبل أن يتحول إلى واقع عشته واستمتعت به أي استمتاع.
هل لك أن تقرب القراء من تجربتك الأولى مع الدراجة الهوائية، ومن مسار رحلاتك الداخلية عبر مدن وأقاليم المملكة؟
كانت البداية شهر ماي من سنة 2008 بطواف أطلقت عليه اسم “المغرب الأزرق”، انطلقت فيه من مدينة وجدة، في اتجاه مدينة الرشيدية عبر كل المدن الساحلية انطلاقا من مدينة الناضور على البحر الابيض المتوسط الى سيدي إفني على المحيط الاطلسي عبر مدينة طنجة واضعا نصب عيني جماعة مير اللفت على بعد بضع كيلومترات شمال مدينة سيدي إفني المطلة على ساحل المحيط الاطلسي، القرية التي أذكت حماسي وجعلتني أفضل ركوب الدراجة على أي وسيلة نقل أخرى، رغم ان الرحلة تكون بطيئة شيئا ما لكن ممتعة، ثم العودة الى مدينة الرشيدية عبر الصحراء الشرقية من كليميم، فم الحصن، طاطا، زاكورة، ورزازات والرشيدية، استغرقت الرحلة مدة 26 يوما شملت عدة ايام راحة ببعض المدن السياحية لأغتنم الفرصة للتعرف عليها عن قرب وكذا زيارة المعالم الاثرية التي تزخر بها. قطعت خلال هذا الطواف مسافة 2993 كلم.
بعدها وخلال سنة 2009 نظمت رحلة بين شهري مارس وماي أطلقت عليها اسم “المغرب الأخضر”، قطعت خلالها مسافة 3490 كلمترا على مدى ثلاثين يوما انطلاقا من مدينة بوعنان، ومرورا بمجموعة من المدن الداخلية للمملكة بعد أن اخترت في طوافي الأول المرور على مدن المغرب الساحلية، وهذا هو سر تسمية الطوافين نسبة للطابع الغالب على تضاريس المدن التي يمر عبرها الطواف.
ويأتي طواف “رحلة الجلاء” والذي يعتبر محاوري اليوم أكبر شاهد عليه (يضحك) نظمته بداية سنة 2016 ربط مدينة طنجة والداخلة عبر جميع المدن الساحلية الواقعة على المحيط الأطلسي، بين شهري فبراير ومارس بمناسبة الذكرى الأربعين لمغادرة آخر جندي إسباني لأراضي الأقاليم الجنوبية، استغرقت 20 يوما قطعت خلالها 2157 كلم.
وكيف بدأت رحلاتك خارج المغرب؟
كان من المفروض أن أنظم سنة 2010 طوافا عربيا عبر تراب 14 دولة عربية على مسافة تتجاوز 19000 كلم، لكن مشاكل إدارية حالت دون تنظيمه بصيغته الأولى التي أعددتها والتي كانت ستمتد على مدار 6 أشهر فاضطررت في النهاية إلى تنظيمه على ثلاثة مراحل:
الأولى خاصة بدول شمال افريقيا، تونس وليبيا ومصر زرت خلالها العديد من مدن الدول الثلاث، قطعت خلالها 5291 كلمترا على امتداد شهرين، ثم بعدها مرحلة الخليج التي اضطررت إلى إلغائها بسبب بيروقراطية سفارات هذه الدول وصعوبة الحصول على تأشيراتها خصوصا في غياب أي دعم من الوزارة الوصية والإدارة المغربية، فقمت بتعويضها برحلة إلى كل من تركيا وباكستان والهند، ثم مرحلة الشام التي جبت خلالها مدن لبنان والأردن.
هل اعترضتك بعض الطرائف خلال رحلاتك؟
خلال الرحلة التي نظمتها بلبنان كلما اردت التقاط صورة لمكان ما أو حتى لطائر في السماء أجد نفسي محاطا بأناس لا يجردونني من الهاتف أو آلة التصوير لتتم مراجعة الصورة الملتقطة وغيرها حتي التي مت بالتقاطها خارج لبنان لكن أطرف ما حدث لي هو سرقة حذائي من قلب مسجد وضريح كبير في مدينة لاهور.
ماهي طموحاتك وبرامجك المستقبلية على المدى القريب؟
كنت أخطط كما سبق لي أن ذكرت للتوجه نحو دول الخليج الستة على مدى 78 يوما وإن فشلت في الحصول على التأشيرات سأعوضها بجولة إلى ستة دول بأدغال وسط شرق آسيا عبر كل من التايلاند، كومبوديا، الفييتنام، لاوس، ماليزيا وسنغفورة مدة الرحلة تستغرق حوالي 90 يوما، لكن الظروف والحالة الاستثنائية التي يعيشها العالم جراء وباء كورونا جعلتني أدخل في كمون في انتظار الآتي.
نصيحتك للشباب
من خلال رحلاتي المتواصلة أحمل رسالة للشباب أن “لكل منا طاقة داخلية لا توصف وجب استغلالها فيما ينفع وما يرضي الله، فنعمتا الوقت والصحة ينبغي استغلالهما في الخير وليس في تدمير الذات بالمخدرات وغيرها”، فمعانقة الطبيعة يخفض الضغط النفسي ويقوي القدرة على حل المشاكل ويرفع نسبة الذكاء ويزيد الرقي الفكري والثقافي، لما يتيحه من فرصة لتأمل الطبيعة والمخلوقات”. وأن “الفشل سبب النجاح والبدء من لا شيء يوصل إلى القمة، وكل من قال لا أقدر أقول له جرب، وكل من قال مستحيل أقول له حاول”.