نقد أكاديمي في معالجة مشكل الصحراء

يعتبر مشكل الصحراء من أعقد و أطول القضايا و الازمات في شمال إفريقيا حيث يتداخل فيها البعد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي مما يجعله مسألة مستعصية على الحل في ظل السياسات الحالية المتبعة من قبل المملكة المغربية وجبهة البوليساريو. و رغم الفرص التاريخية التي وجدت لوضع حد للازمة التي تركها الاستعمار الاسباني الذي عاش و لا زال يعيش على مشكل الصحراء من إبتزاز للمغرب و تهميش الاسبان للصحراويين أنفسهم الذين لم يحترمو لهم هويتهم و للاشارة فان الفرقاء في النزاع لا بد أن يرتقو لمستوى الحدث و يعتبرو أن الصحراويين أنفسهم و الذين يعدون اغلبية صامتة يعيشون تحولات جمة في وقت يعرف فيه العالم تقلبات عدت و لعل الحلول السياسية المطروحة كحل للازمة يجب تفعيلها, فإسبانيا نفسها عندما أنهت مشكل الباسك سنة 2011 أجلست الملك الاسباني و منظمة إيتا معا لانهاء النزاع و إحلال السلام و تحديد الشروط و المتطلبات و الموافقة على إقليم يتمتع بالحكم الذاتي الموسع.
السؤال هنا لماذا لا يجلس الفرقاء كما فعلت إسبانيا فيجلس الفاعليين الرئيسيين و الملك و نجد حلا لانهاء المشكل فلا يعقل ان يكون لبريطانيا ملك واحد و هي مكونة من 15 منطقة كل واحدة تمارس إدارتها و إختصاصتها دون أي مشكل و لا يعقل أن يكون لاسبانيا 17 منطقة حكم ذاتي و الجميع يعيش في سلام و جل ما نراه هو منافسة سياسية ديمقراطية حول سبل تسيير مؤسسات الدولة و الجميع منظم في أحزاب وطنية تحترم القانون و الدستور و هو ما نريد مأسسته و تجسيده في نزاع الصحراء ووضع حل للنزع القائم بحلول فعلية تنهي أزمة الهوية و الانتماء للصحراوين في وطن أو مملكة تحترم لهم خصوصياتهم و تنهي الازمة القائمة .
الواضح أن هناك إشكالا أو غمامة او بعض المتنفذين يستغلون الوضع السياسي و الاقليمي لمنطقة الصحراء الغربية لتنفيذ أجنداتهم و لا يمكن إستبعاد أي طرف في هذا فيمكن القول أن سياسيين في المغرب و جبهة البوليساريو أو في إسبانيا و الجزائر يفضلون إستمرار الوضع للتغطية على وضع معين أو للاستفادة من وضع معين و لذلك سنحاول توفير قراءة أكاديمية نقدية لمعالجة مشكل الصحراء.
يمكن تلخيص الإشكالية في ثلاث مظاهر أساسية:
1. البعد الاجتماعي: خلل في إدارة التركيبة السكانية
إن فشل إدارة التركيبة المجتمعية لسكان الصحراء أدى إلى خلق تركيبة سكانية غير متجانسة، حيث تم إقحام عناصر إثنية دخيلة، سواء من قبل المغرب أو البوليساريو. كان من الأفضل الاعتماد على البنية الاجتماعية التي تركها الاستعمار الإسباني، إذ ان محاولات التغيير هذه فتحت الباب لتدخل أطراف جديدة في النزاع. ونتيجة لذلك، أصبحت التركيبة السكانية اليوم غير متوازنة، مما يساهم في استمرار التوترات.
2. البعد الاقتصادي: تهميش السكان الأصليين
تعاني ساكنة الصحراء الأصلية من تهميش اقتصادي كبير، حيث تعد من أفقر الفئات في المجتمع المغربي. يعتمد أغلب هؤلاء على برامج الدعم الاجتماعي مثل الإنعاش الوطني والتنمية البشرية المقدم من طرف الحكومة ، دون منحهم فرصًا حقيقية للاستثمار في أراضيهم. والأدهى أن الامتيازات الاقتصادية غالبًا ما تذهب إلى أفراد لا ينتمون إلى المنطقة أو لا يتحدثون الحسانية، مما يعمق الإحساس بالظلم ويؤجج مشاعر الغضب لدى السكان الأصليين.
- إشهار -
3. البعد السياسي: إقصاء الأصوات المستقلة
يعد البعد السياسي هو الأكثر تعقيدًا، حيث تتبنى جبهة البوليساريو خطابًا يتهم كل من يعارضها أو لا يشتغل تحت رايتها بالخيانة. في المقابل، يعتمد المغرب سياسة تضييق على حرية النقاش السياسي حول القضية، حيث يُفتح المجال فقط لفئة معينة من الصحراويين بحكم ولائهم أو بسبب تمثيلهم التاريخي من طرف المستعمر الإسباني. هذا الإقصاء يحول دون تجدد النخب السياسية ويفرض قيودًا على تشكيل تجمعات سياسية جديدة تمثل مختلف مكونات المجتمع الصحراوي الحساني كما يعترف بها الدستور المغربي لسنة 2011 .
ويبرز الخلل بوضوح في نسبة المشاركة السياسية، حيث لا يتجاوز عدد الصحراويين المسجلين في القوائم الانتخابية 40 ألفًا، في حين أن الكتلة الناخبة المحتملة تتجاوز 200 ألف مصوت مثال مدينة العيون في الاقاليم الجنوبية . هذا الواقع يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى تمثيلية المؤسسات القائمة لساكنة الصحراء ومدى توفرهم على آليات سياسية تعبر عن تطلعاتهم
و يمكن الاشارة الى أن الصحراويين و ساكنة الاقاليم الصحراوية لم يكن لديها ذلك الشغف في المشاركة في الانتخابات الا إبان بداية الالفية الثالثة حيث أصبح ينضج بعض الوعي السياسي لدى الصحراويين بضرورة المشاركة في العملية السياسية في منطقة الصحراء ما أصبح ولد مشكل من نوع أخر هو تقزيم النخب السياسية في مخلفات الاستعمار و الاحتكار من طرف البعض دون فسح المجال لنخب أكاديمية جديدة لشغل مناصب التمثيل و السبب راجع في الاساس الى مجاملة بعض الاشخاص دون البعض .
نحو معالجة حقيقية للمشكل
لحل مشكل الصحراء، لا بد من تبني مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد المذكورة:
• ضرورة إعادة النظر في السياسة السكانية لضمان التوازن الاجتماعي دون فرض تركيبات دخيلة و هو ما سيمكن من ضمان إنهاء فعلي للصراع و فتح الباب ليتمكن الجميع من الانخراط في الوطن الواحد دون الاحساس بالنقص او التمييز .
• تمكين السكان الأصليين اقتصاديًا من خلال دعم الاستثمارات المحلية ووقف الممارسات التمييزية و التي كرست نوعا من التمييز بين السكان ووضعت شرخا كبيرا في القدرات المعيشية للصحراويين الذين كان أغلبهم يعيش او يمارس الرعي و تربية المواشي كمصدر اساسي للعيش و الرفاهية و لكن سنوات الحرب بين البوليساريو و المغرب دمرت العديد من مصادر الدخل .
• فتح المجال لنقاش سياسي واسع يتيح لجميع الصحراويين المشاركة بحرية في صنع القرار دون إقصاء أو تهميش حيث أن الثقة في النخبة السياسية تقتصر فقط على أشخاص أو عائلات تركها الاستعمار الاسباني كممثلين للصحراوين و لكن الواقع و الانفتاح الديمقراطي و الطفرة التشريعية في المملكة المغربية أصبحت تفرض نوعا من الانفتاح على نخب جديدة و التي بالضرورة لا تملك في خلفية معينة فلا يمكن بمكان أن يحكم على المجتمع الحديث الصحراوي الحساني بالفكر الانفصالي و هو الذي ولد في كنف الادارة المغربية او الذي ولد في كنف الادارة الجزائرية أو في مخيمات اللاجئين دون تدخل منه أطوار و مراحل الصراع .
• و للاشارة و بشكل مهم جدا لجميع الفرقاء السياسيين أو المتدخلين في نزاع الصحراء فالحرب أول من دخلها هو البوليساريو ضد إسبانيا عند رفضها مقترح الحكم الذاتي أثناء إجتماع الحاكم الاسباني بكل من ممثل الحزب الوطني الصحراوي و ممثلي مجلس الشيوخ الصحراوي و ممثلي البوليساريو فقرارهم الى اليوم يتحمل تبعاته جميع الصحراويين بكل مشاربهم و توجهاتهم
إن استمرار الوضع الراهن دون إصلاح جذري لن يؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة أكثر، مما يستوجب رؤية جديدة تقوم على الإنصاف والشمولية والتنمية الحقيقية و القطيعة مع مخلفات الماضي .
الاستاذ الداود ابا باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط أكدال .