حوار.. مؤرخ إسرائيلي يكشف حقيقة “دولة الاحتلال” ويثني على حماس


مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الثالث، يصر المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية آفي شلايم أن جذور ذلك الصراع تعود بجذورها لبداية الاحتلال بخلاف ما تروج له الرواية الرسمية لإسرائيل، مشيرا إلى أن ادعاء اليهود بمشروعية امتلاك الأرض على أساس ديني ادعاء باطل تماما في العصر الحديث، وينتقد ما يسميه إرهاب دولة إسرائيل وعقيدة “إذا لم تنجح القوة، فاستخدم المزيد من القوة”.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وشلايم هو مؤرخ إسرائيلي بريطاني من أصول عراقية، يصنف بفعل أعماله العلمية البارزة أحد أبرز المؤرخين في العالم، كما أنه من رواد التيار النقدي الذي اشتهر باسم “المؤرخين الجدد”، بسبب تقديمهم لطرح ناقد لسردية الصهيونية السائدة في إسرائيل.

    والبروفيسور شلايم، هو زميل كلية سانت أنتوني وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، كان مديرا للدراسات العليا في العلاقات الدولية في عامي (1993-1995) و (1998-2001)، ونال مرتبة أستاذية الأبحاث في (2003-2006) وفي عام 2006 تم انتخابه زميلا للأكاديمية البريطانية، وله مؤلفات أكاديمية عديدة من أبرزها كتاب “الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي”، فإلى الحوار:

    س. ما هي الأسس التي استند إليها الصهاينة لتأسيس دولة لهم في فلسطين؟ ولماذا تراها متهافتة؟

    استندت المطالبة الصهيونية بفلسطين إلى أسس ضعيفة للغاية وتشويه للواقع الفلسطيني، إذ تم توظيف شعار صهيوني ذكي للغاية في نهاية القرن الـ19 متمثلا في “وطن بلا شعب لشعب بلا وطن” هذا الشعار يعني ضمنا أن اليهود شعب بلا وطن، وهذه حقيقة، ولكنه كذلك سوق لفكرة أن فلسطين أرض بلا شعب، وهذا غير صحيح، في فلسطين كان هناك مجتمع عربي حيوي لعدة قرون، وإن المطالبة الصهيونية بفلسطين غير مقنعة، لأن الصهيونية حركة علمانية، استحضرت “الوعد الإلهي لليهود بأرض الموعد”، رغم عدم إيمانهم بالله، حيث إن استحضارهم لهذه الفكرة الدينية كانت فقط لأجل إيجاد مسوغ لأخذ الأرض من أصحابها الفلسطينيين.

    وهنا أشير إلى أن صاحب رؤية الدولة اليهودية ثيودور هرتزل، كان يهوديا من فيينا، بعدما كتب كتيبا يوضح فكرته عن الدولة اليهودية في فلسطين، اجتمع حاخامات فيينا، وجمعوا بعض المال، وأرسلوا اثنين منهم إلى فلسطين للتحقق من مزاعم هرتزل. ليرسل الحاخامان برقية مشهورة يقولان فيها “العروس جميلة، لكنها متزوجة برجل آخر”؛ بمعنى آخر، فلسطين جميلة لكنها تضم شعبا حيويا بالفعل يعيش فيها.

    س. هل يصح وجود ادعاء ملكية أرض على أساس يتجاوز الألفي عام لتأسيس دولة حديثة وفق مقومات العصر الحديث؟

    ادعاء اليهود بمشروعية امتلاك الأرض على أساس ديني ادعاء باطل تماما في العصر الحديث، في ظل وجود القانون الدولي، والمنظمات الدولية، والحدود الدولية، الادعاء الذي يعود إلى ألفي عام مضت لا يمكن الدفاع عنه على الإطلاق بمقومات العصر الحديث، لأن أي شعب آخر قادر على إحياء مطالبات تعود إلى آلاف السنين، كمطالبة المسلمين للأندلس على أساس تاريخي، وهذا سيحيي صراعا لا نهاية له في جميع أنحاء العالم.

    وقولي هذا لا أنكر فيه وجود ارتباط عاطفي وتاريخي وطيد بين الشعب اليهودي و”صهيون” (صهيون أحد الأسماء العديدة للقدس) إذ تتمتع برمزية دينية كبيرة للشعب اليهودي، ولم يمنع أحد اليهود من مزاولة صلاتهم في القدس منذ قرون، وهو التجسيد الحقيقي للعودة النهائية للقدس، أما حيازة الأرض فلا أساس قانوني يدعمه.

    س. هل يمكن اعتبار عام 1948 التي شهدت زراعة دولة إسرائيل هي النقطة المحورية في تاريخ الشرق الأوسط وبداية الصراع؟

    صحيح أن عام 1948، الذي شهد فيه العالم تأسيس “دولة إسرائيل” وحدوث الحرب العربية الإسرائيلية الأولى تعد نقطة تحول في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، لكنني لن أختار ذلك العام ليكون علامة على بداية الصراع، فلو اضطررت إلى اختيار تاريخ يجسد بداية الصراع، فسأختار بالتأكيد عام 1917، وهو العام الذي أصدرت فيه بريطانيا “وعد بلفور” الداعم لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، هذا الوعد وثيقة مهمة حقا خصصت فيها بريطانيا الحق السياسي لتقرير المصير الوطني لليهود وحرمته من الفلسطينيين، هذا مع العلم أن اليهود شكلوا حينها 10% فقط من السكان، في حين شكل العرب 90%، وكان اليهود يمتلكون 2% فقط من الأرض، ومع ذلك مكن التدخل البريطاني الحركة الصهيونية من الشروع في الاستيلاء المنهجي على فلسطين وهو ما زال مستمرا إلى اليوم، لذلك أود أن أقول إن الانتداب البريطاني على فلسطين الممتد من عام 1922 إلى عام 1948 هو الذي مكن الحركة الصهيونية من ترسيخ نفسها، وإعلان “الاستقلال” وتأسيس دولة عام 1948.

    وهنا أشير أني لا أشكك قط في شرعية دولة إسرائيل داخل حدودها التي تم الاتفاق عليها بين إسرائيل وجيرانها عام 1949 بعد انتهاء الحرب، وهي الحدود الوحيدة المعترف بها دوليا وهي الحدود الوحيدة التي أعتبرها شرعية، ولكن لا يمكن إنكار أن إنشاء دولة إسرائيل كان ينطوي على ظلم فادح للفلسطينيين، وهو ما تجسد أساسا في “النكبة”، التي شهدت تشريد وتهجير ثلاثة أرباع مليون فلسطيني، وهو ما جسد نصف العرب الذين كانوا في فلسطين، ووجدوا أنفسهم دون مقدمات لاجئين حول العالم، لذا لا يمكن إنكار أن النكبة جسدت كارثة حقيقية في حق الإنسانية، وفي حق الفلسطينيين.

    لا يمكن إنكار أن حرب يونيو 1967 كانت نقطة تحول تاريخية أخرى في الشرق الأوسط، إذ لأول مرة كان لدى إسرائيل شيء ملموس يمكنها أن تقايض به العرب مقابل السلام، فهذه الحرب مددت حدود إسرائيل على حساب الأراضي العربية، باستيلائها على هضبة الجولان السورية، والضفة الغربية من الأردن، وشبه جزيرة سيناء من مصر. هذا الوضع دفع الملك الأردني الملك حسين، باقتراح إنهاء الأعمال العدائية، على إسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي التي تم ضمها عام 1967، لكن إسرائيل لم تقبل بذلك، وباشرت ببناء مستوطناتها في الضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان.

    س. لماذا لم توافق إسرائيل على المقترحات العربية الرامية للسلام حسب طرحك، هل هذا يفيد أن إسرائيل كانت تعارض السلام منذ البداية؟

    في أعقاب هزيمة العرب في تلك الحرب وانتصار إسرائيل كان هناك تقارب بين القومية العلمانية والقومية الدينية، وشعر كل من الإسرائيليين العلمانيين والإسرائيليين المتدينين أن هذه كانت فرصة لامتلاك أرض إسرائيل، وتحويل “أرض إسرائيل” من مجرد مفهوم، إلى واقع يؤهل لتأسيس دولة حقيقية، من خلال دمج الضفة الغربية في إسرائيل الكبرى.

    أما الضفة الغربية، أو كما يفضل الإسرائيليون اليمينيون تسميتها، يهودا والسامرة، فتفضل الحقوق الواردة في الكتاب المقدس. وعلى هذا فإن صعود النزعة القومية القوية في إسرائيل هو الذي عمل ضد التوصل إلى تسوية، والمستوطنات تشكل أحد العوامل التي لم تكن غير قانونية فحسب، بل ظلت أيضا تشكل العقبة الرئيسية أمام السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

    كانت فرصة ضائعة من جانب إسرائيل، لإقامة سلام حقيقي، وهنا أذكر أن الأمم المتحدة عرضت صيغة للتسوية عبر قرار الأمم المتحدة رقم 242 مقابل تخلي إسرائيل عن الأراضي التي احتلتها خلال الحرب، حينما طبقت إسرائيل الصيغة قرار 242 عام 1979، في أحداث على اتفاقية سلام مع مصر بعد هزيمتها أمامها، حينما أعادت لمصر شبه جزيرة سيناء بأكملها، مقابل إقامة السلام، كان من الممكن أن تحقق إسرائيل السلام كذلك مع سوريا لو أنها وافقت على إعادة هضبة الجولان كاملة السيادة السورية. ومجددا كان عام 1967 فرصة قدمت فيها إسرائيل الأرض مقابل السلام مع جيرانها، لكنها فضلت الأرض على السلام في الحالة الفلسطينية.

    س. كيف تقيم اتفاقية أوسلو للسلام؟ وما سبب إخفاق هذا الاتفاق؟ هل الجانب الإسرائيلي هو المسؤول عن فشل إقامة السلام؟

    اتفاق أوسلو أعتبره خطوة متواضعة جدا في الاتجاه الصحيح، وهنا أقر أنه عندما تم توقيع اتفاق أوسلو الذي أتم مرور 30 عاما عليه، كنت مبتهجا، إذ اعتقدت أن هذا الاتفاق بداية لحل حقيقي، لأنني اعتقدت أنها مناسبة لمباشرة عملية الانسحاب الإسرائيلي التدريجي والمنضبط من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أجل إقامة دولة فلسطينية، لكنني كنت مخطئا والآن بعد انهيار عملية أوسلو للسلام. يمكن إيعاز سبب انهيار الاتفاقية لتفسيرين مختلفين، التفسير الأول (التفسير الرسمي) يقول إن أوسلو انهارت، لأن الفلسطينيين عادوا إلى العنف، وأن عمليات “الإرهاب” هي التي دمرت الاتفاقية، وذلك رغم أن بنيامين نتنياهو لم يقبل أبدا باتفاق أوسلو، ولذلك رفضه منذ البداية.

    وتفسيري لسبب انهيار الاتفاق هو أن إسرائيل تراجعت عن موقفها من الاتفاقية، بسبب مقتل إسحاق رابين، وعودة حزب الليكود اليميني بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في عام 1996، أما سبب انهيار اتفاقية أوسلو الآخر للسلام في كلمة واحدة فهي “المستوطنات”، هذه الأخيرة تمثل تجسيدا للاستيلاء على الأرض المملوكة للفلسطينيين وسرقتها، وهنا أذكر أن الاستيلاء على الأراضي ومسار السلام لا يلتقيان أبدا، لذا يمكن القول إن إسرائيل أظهرت تفضيلها لـ”المستوطنات” على حساب السلام.

    كما أن نتنياهو يتحمل نصيبا كبيرا جدا من المسؤولية بخصوص انهيار اتفاقات أوسلو، لأنه عندما كان زعيما للمعارضة قاد حملة تحريض ضد حكومة إسحاق رابين التي كانت حكومة ديمقراطية ومنتخبة بسبب رفضه الشديد للاتفاقية، وتحريضه انتهى باغتيال اسحق رابين، وبمجرد انتخابه عام 1996، بفارق أقل من 1%، شرع على الفور في تقويض اتفاقات أوسلو وتخريبها وإعادة السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية بأكملها، قام حزب العمل ببناء المستوطنات فقط في المناطق التي اعتقد أنها إستراتيجية، في حين قام حزب الليكود بقيادة نتنياهو ببناء المستوطنات في كل ربوع الضفة الغربية من أجل جعل التسوية الإقليمية مستحيلة.

    س. منذ انهيار اتفاقيات أوسلو، انتشرت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى درجة أنه يوجد نحو 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية حسب بعض التقديرات، كيف دفعت سياسة المستوطنات لهدم أي مسعى نحو السلام؟

    إسرائيل أدارت ظهرها تماما لاتفاقيات أوسلو للسلام، كدليل بأن هدفها لم يكن المضي قدما في مسار السلام مع الفلسطينيين، لأنها إذا كانت تهدف لذلك لدعمت قيادة فلسطينية قوية وموحدة، ولكن سياسة إسرائيل، وخاصة خلال الفترات الخمس التي قضاها نتنياهو كرئيس للوزراء، كانت دائما قائمة على سياسة “فرق تسد”، حتى وإن كان ذلك على حساب السلام، فكلما تمكن الفلسطينيون من تسوية خلافاتهم الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حماس وفتح، شنت إسرائيل عملية عطلت الوحدة الفلسطينية، ومنه أظهرت إسرائيل من خلال أفعالها أنها غير راغبة بوجود شريك فلسطيني حقيقي للسلام، لأنها تريد الحفاظ على سيطرتها على المنطقة. وحتى انسحابها من غزة عام 2005، لم يكن جزءا من تسوية شاملة لأجل السلام.

    س. هناك حملة تشويه يقودها الإعلام الإسرائيلي والغربي لحركة حماس واعتبارها حركة إرهابية، ما رأيك بذلك، وكيف ترى حماس؟

    بالنسبة لي حماس حركة مقاومة إسلامية، ظهرت عام 1987 أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومن المفارقات الغريبة أن إسرائيل دعمت حماس في البداية لكسر هيمنة القومية العلمانية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وهو تجسيد لقدم ممارسات إسرائيل لمنهج “فرق تسد”، وهذا لا يغير نظرتي لحماس باعتبارها حركة مقاومة إسلامية للاحتلال الإسرائيلي، ونجحت هذه الحركة ديمقراطيا عام 2006، إذ فازت في انتخابات حرة ونزيهة بالأغلبية المطلقة في انتخابات شارك فيها عموم الفلسطينيين.

    ولكنني أميز كذلك بين القيادة العسكرية لحماس، التي ارتكبت أفعالا يدينها القانون الدولي الإنساني، وبين القيادة السياسية التي سلكت الطريق البرلماني للوصول إلى السلطة، وفازت في الانتخابات في يناير 2006. وما حدث مؤخرا في 7 أكتوبر الماضي، جريمة في حق المدنيين الإسرائيليين، وهو فعل مجرم دوليا وهو موضوع لا يقبل النقاش، بيد أن هذا الأمر عليه أن ينطبق كذلك على قتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين، كما يحدث الآن في غزة، وهو حسب منظوري يجسد إرهاب دولة. لكن رغم إدانتي لأخطاء الجناح العسكري لحماس لا يمكنني تصنيفها منظمة إرهابية، وأجنح لفحص كل حالة على حدة، ومجددا إذا هاجمت مدنيين، فنحن أمام انتهاك للقانون الدولي الإنساني، ولكن إذا هاجمت أهدافا عسكرية إسرائيلية أو جنودا إسرائيليين، فلن أسمي ذلك عملا إرهابيا بل مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

    وهنا أؤكد أن الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال لهم الحق في مقاومة المحتل بموجب القانون الدولي، وحماس تمارس حق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي العنصر الوحيد داخل المجتمع الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، لأن السلطة الفلسطينية تتعاون مع إسرائيل في إدامة الاحتلال. لذا فإن السلطة الفلسطينية هي مقاول من الباطن للأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولهذا السبب فقدت شرعيتها في نظر الشعب الفلسطيني.

    - إشهار -

    س. هل ترى أن حركة حماس حركة جامدة لم تغير شيئا من أدبياتها الأولى؟ وما سر رفض إسرائيل والغرب لحماس؟

    تتطور الحركات السياسية وحركات التحرر الوطني تماما كما تطورت منظمة التحرير الفلسطينية من الرفض المطلق لإسرائيل إلى التطبيع معها، وهو ما تجسد بتوقيع اتفاق أوسلو، وحماس هي حركة سياسية عدلت موقفها منذ ميثاق 1988، الذي جسد رؤية عقائدية قد تصل إلى حد معادية السامية، ولكن بمجرد خوضها للعبة الانتخابات، عدلت حماس موقفها بشكل جدي، وشكلت حكومة ائتلافية مع فتح، ودعت الحكومة إلى إجراء مفاوضات مع إسرائيل من أجل وقف إطلاق نار طويل الأمد.

    ورفضت إسرائيل الاعتراف بالحكومة التي شكلتها حماس، وانخرطت في حرب اقتصادية لكسرها. ومن المؤسف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعما إسرائيل في هذه الجهود.

    وتدعي القوى الغربية الآن أنها موجودة لتعزيز الديمقراطية، وما حدث مع حماس يوضح مدى نفاقهم، لأنهم يقولون إنهم يريدون تعزيز الديمقراطية، ولكن عندما اختار الفلسطينيون حماس انقلبوا ضدهم، ما حدث مؤامرة شاركت فيها إسرائيل والولايات المتحدة وحركة فتح والمخابرات المصرية لعزل حماس وإضعافها، من أجل الإطاحة بها في النهاية، حيث جهز لخطة انقلاب ضد حماس، وهو ما دفعها إلى الاستيلاء على السلطة في غزة في عام 2007.

    إسرائيل ترفض قبول حماس كشريك في المفاوضات، لأنها تشعر بتهديد من طرفها دائما ولن تتفاوض معها أبدا، كانت سياسة بنيامين نتنياهو تتمثل في السماح لحماس بحكم قطاع غزة، ولكن مع احتواء القطاع، وقد انهارت هذه السياسة، لأنه لم يكن من الممكن احتواء غزة.

    ترفض إسرائيل قبول حماس كممثل لكتلة كبيرة من الفلسطينيين، رغم إدراكها أن أي توصل لأي اتفاق سلام مع الفلسطينيين لن يكون بدون حماس. لذا فإن ما يجب القيام به سواء من إسرائيل أو القوى الغربية هو الاعتراف بحماس والتفاوض معها من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع.

    س. لماذا لا يوجد أي تحرك نحو وجود تسوية سلمية للصراع الحالي؟ ولماذا تصر إسرائيل على استخدام القوة الغاشمة ضد المدنيين في غزة؟
    منذ عام 2007 لم يشهد أي تحرك أو أي خطوة نحو التسوية السلمية للصراع، رغم أن الصراع سياسي بين الجانبين، إلا أن إسرائيل تستخدم فقط القوة العسكرية الغاشمة لقمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، هناك مقولة إسرائيلية مفادها أنه “إذا لم تنجح القوة، فاستخدم المزيد من القوة”، لكن القوة العسكرية لا تستطيع أن تحل النزاع السياسي أبدا، والجنرالات الإسرائيليون يستخدمون عبارة “جز العشب” في غزة؛ بمعنى أن إسرائيل تدخل غزة كل بضع سنوات بأسلحة متقدمة جدا وتكنولوجيا كبيرة، وتسبب في الواقع قدرا هائلا من الضرر، ليس فقط لحماس وقدراتها العسكرية، ولكن أيضا للمدنيين والسكان والبنية التحتية المدنية. “جز العشب” عمل ميكانيكي تقوم به إسرائيل بين الحين والآخر من أجل خلق انتكاسة داخل غزة، ولكن ما يجب الاعتراف به أن هذا النهج أعرب عن فشله الذريع.

    س. هل تقر بتحريف إسرائيل لسرديات الواقع في غزة وفلسطين مستعينة بذلك بأدواتها الإعلامية المحلية وكذا الأدوات الإعلامية الغربية؟

    الدعاية الإسرائيلية تجسيد لجهاز تجهيل الناس، الذي يتجاهل تماما أن حماس تم اختيارها ديمقراطيا من قبل الفلسطينيين، الواقع أكد أن حماس جربت طريق السياسة، لكن إسرائيل أحكمت إغلاقه، ما تتجاهله إسرائيل ولا يريد إعلامها إظهاره، هو أن الفلسطينيين شعب كباقي الشعوب يحب أن يعيش بحرية وكرامة على أرضه، وإسرائيل هي التي تحول دون ذلك، عبر شنها هجمات متتالية على غزة، وكان أولها عملية “الرصاص المصبوب” (“معركة الفرقان” كما تطلق عليها مقاومة حركة حماس) في عام 2008، وما يحدث في غزة اليوم من هجوم إسرائيلي يعد العدوان السادس على أهالي غزة، وهو ما يؤكد بأن كل ما تمتلكه إسرائيل هو “العنف” فقط، لذا تلجأ لشيطنة الفلسطينيين بشكل منهجي عبر تشويه سمعة الفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين.

    ومكمن خطر تجريد شعب بأكمله من إنسانيته كما تفعل إسرائيل للفلسطينيين هو أنه يمهد الطريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وما نشهده اليوم في غزة تجسيد لعمليات تطهير عرقي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة.

    س. ما هي مسؤولية الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية تجاه ما يحدث للمدنيين في غزة؟ وهل يساعد تسويقها لحماس كمنظمة إرهابية لإيجاد حل للأزمة؟

    التصور الغربي للصراع بعيد كل البعد عن الواقع، فجلي للجميع أن ضحايا هذا الصراع ليسوا إسرائيليين بل هم الفلسطينيون، وهنا أريد تأكيد أن الغرب يتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عن المأزق القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك لأن الغرب منحاز تماما للأطروحة الإسرائيلية، أميركا على وجه الخصوص تمنح إسرائيل الدعم المالي والسلاح والحماية الدبلوماسية، وهو دعم غير مشروط، بأي شيء حتى امتثال إسرائيل للقانون الدولي، أو احترام حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، هذا الدعم يشجع إسرائيل لارتكاب مزيد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين.

    وما قام به مؤخرا كل من جو بايدن وريشي سوناك وبقية الزعماء الأوروبيين اتجاه إسرائيل من دعم دون دعوة إسرائيل لوقف إطلاق النار، تأزم الوضع حاليا من مسؤولية إسرائيل والدول الغربية، أما حماس فقد بادرت بمقايضة إطلاق سراح الأسرى المدنيين في مقابل وقف إطلاق النار، وهو ما رفضته إسرائيل.

    وعودة لأحداث 7 أكتوبر، فإن إسرائيل كثفت حصارها، وارتكبت جرائم حرب من خلال قطع المياه والغذاء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية عن سكان غزة. لذا، فإن الصراع لم يبدأ في 7 أكتوبر الماضي، وينبغي النظر إلى تصرفات حماس على أنها عمل من أعمال المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، والتاريخ الذي استعرضنا لا يبرر هجوم حماس الأخير على المدنيين، لكنه بالتأكيد يبرر اعتبارها حركة مقاومة بدل تصنيفها حركة إرهابية.

    س. بماذا تفسر بقاء نتنياهو رئيسا للوزراء في إسرائيل لمدة تتجاوز 15 عاما رغم أن هذه السنوات شهدت ارتفاع منسوب دموية الجرائم المطبقة في حق المدنيين الفلسطينيين أساسا؟

    هناك أسباب عديدة لنجاح نتنياهو السياسي طيلة ولايته كرئيس للوزراء طيلة 15 عاما الأخيرة، أبرزها تلاعبه بالشعور بالتهديد الذي يحسن خلقه للإسرائيليين، نتنياهو يتغذى من رصيد شيطنة الفلسطينيين أمام الإسرائيليين واعتبارهم وإيران تهديدا وجوديا لإسرائيل، رغم أن الواقع يؤكد أن إسرائيل هي التي تحتكر الأسلحة النووية، وهي من يهدد إيران، وهو ما خلف شعورا لدى الإيرانيين بضرورة امتلاك أسلحة نووية لمواجهة التهديد الإسرائيلي.

    وهو ما يقوم به كذلك أمام حماس التي يسوق لها نتنياهو مرارا وتكرارا على أنها تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل، والواقع يؤكد أن حماس منظمة صغيرة جدا وضعيفة التجهيز، ولا تشكل أي تهديد وجودي لأمن إسرائيل، وما تقوم به هو مقاومة من أجل الدفاع عن بعض الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وهجوم 7 أكتوبر في الواقع يجسد انهيار سياسة نتنياهو في التعامل مع القضية الفلسطينية.

    رصدت تحولا في عقيدة الجيش الإسرائيلي وتحولها لجهاز قمعي ممنهج لارتكاب جرائم الحرب، كيف ذلك؟
    ما يمكن قوله إن جيش الدفاع الإسرائيلي تحول إلى شرطة وحشية تابعة لقوة استعمارية غاشمة، وهنا أؤكد مرة أخرى أنني لا أشكك في شرعية إسرائيل ضمن حدود هدنة عام 1949. ما أرفضه جملة وتفصيلا، المشروع الاستعماري الصهيوني وراء الخط الأخضر. والمحكمة الجنائية الدولية أعربت عن فشلها في القضية الفلسطينية، بل أكدت وجود ازدواجية الغربية للمعايير، والمدعي العام الحالي كريم خان، وهو محام بريطاني، فشل تماما في إحراز تقدم في التحقيق الذي يدين إسرائيل، ولكن في المقابل عندما غزت روسيا أوكرانيا، أعلنت المحكمة نفسها في غضون يومين بدأ تحقيق في جرائم الحرب، وفي غضون أسبوع، أرسل فريق متقدم إلى كييف لبدء جمع الأدلة للتحقيق في جرائم الحرب ومحاكمة، وهو ما يظهر بجلاء مدى نفاق المجتمع الدولي الغربي الذي يتغاضى عن كل جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.

    هل كل اليهود يوافقون إسرائيل في طرحهم العنيف في فلسطين؟ وكيف حولت إسرائيل “معاداة السامية” إلى سلاح يوجه ضد كل من يعارضها؟
    رغم أن اللوبي الإسرائيلي بأميركا “أيباك” (AIPAC)، أقوى لوبي سياسي في الولايات المتحدة، داعم لسياسة إسرائيل، فإن هناك ارتفاعا كبيرا لمنسوب اليهود الأميركيين المنتقدين لإسرائيل، ولديهم منظماتهم الخاصة، مثل منظمة “جي ستريت” التي تجسد يهود أميركا الليبراليين الداعمين لحقوق الإنسان للفلسطينيين، إذ ينتقدون الاحتلال الإسرائيلي بشدة تحت شعار “ليس باسمي”، أنا لست يهوديا متدينا، لكنني أعلم أن الركائز الثلاث اليهودية هي الحقيقة والعدالة والسلام، وأنا أنظر إلى إسرائيل اليوم، ولا أرى في الحكومة أيا من هذه القيم، نتنياهو كذاب كبير، إذ لم يقدم أي عدالة للفلسطينيين ولم يقدم أي مقترح حقيقي للسلام، بل كل ما يملكه هو قمع والعنف والقوة ضد الفلسطينيين.

    تخلط إسرائيل وحلفاؤها عن عمد بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، أنا أعرف معاداة السامية بأنها كراهية اليهود باعتبارهم يهودا، أما معاداة الصهيونية يتجسد بانتقاد أو الاعتراض على الأيديولوجية الصهيونية الرسمية لدولة إسرائيل، التي تجسد الاحتلال والفصل العنصري والاستخدام الغاشم للقوة كما نشهد اليوم في غزة.

    س. تصف نفسك بأنك عربي يهودي بحكم جذورك العراقية، ألا يزال بإمكاننا اليوم الحديث عن يهودي عربي؟ وكيف يساعدك مفهوم “اليهودي العربي” لاستشراف المستقبل؟

    ولدت وعشت في بغداد حتى سن الخامسة، وأرى نفسي على أني يهودي عربي بسبب عيشي في دولة عربية، ولا يمكنني فصل العنصريين معا، اليهود في العراق والبلدان العربية، رغم أنهم كانوا أقلية على غرار أقليات أخرى، فإننا لم نكن يوما “نموذج الآخر” الذي عاشه اليهود في أوروبا، لم يكن لدى العراق مشكلة يهودية، حيث غلب التعايش على الوضع رغم الاختلاف الديني، وأنا مثال حي لليهودي العربي، ولا أنكر فخري بكلا العنصريين من هويتي.

    وإجابة عن سؤالك “هل ما زال مفهوم اليهودي العربي الآن؟ الجواب مع الأسف لا، لأنه عندما غادرنا العراق عام 1950، كان هناك 135 ألف يهودي في العراق، واليوم بقي 3 يهود فيها فقط.

    ولكن يجب أن نقر أن حالة التعايش بين الإسلام واليهودية لم تكن مفهوما مجردا ومثاليا، بل التاريخ يؤكد أن التعايش كان بينهما لقرون.

    ومن خلال تجربة عائلتي وتجربة الجالية اليهودية في العراق يمكنني أن أفكر في أفق لمستقبل أفضل لمنطقتنا، لمواجهة الادعاء الصهيوني بأن العداء اليهودي العربي الإسرائيلي أمر مقدر، وأن الجانبين محكوم عليهما بالعيش في صراع دائم، وبالنسبة لي مفهوم “اليهودي العربي” ويساعدني في التفكير في إمكانية إنشاء دولة ديمقراطية واحدة يتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية لجميع بغض النظر عن الدين والعرق.

    المصدر : الجزيرة

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد