رسالة مفتوحة إلى مؤتمر في مفترق طرق


في زمن تتقاذف فيه الأمواج العاتية سفن الأحزاب السياسية، ويُخشى فيه على الحلم المغربي من التلاشي وسط الضباب، أبعث إليكم هذه الرسالة… رسالة عبارة مساهمة رمزية من مواطن في حفل افتتاح مؤتمركم التاسع، لعلها تجد صدى في العقول قبل القلوب

أولاً، أشكركم على دعوتكم الكريمة لشخصي المتواضع لحضور جلسة افتتاح مؤتمركم التاسع في بوزنيقة هذا الصباح.
أعتذر عن عدم الحضور جسدياً، لكن عقلي وقلبي معكم. وهذه مساهمتي الرمزية في حفل افتتاح مؤتمركم؛ فنحن المغاربة لا نحضر حفلاً أو مناسبة بيد فارغة، بل نحمل دائماً شيئاً معنا.

ثانياً، أتمنى أن يكلل عملكم ونضالكم بالتوفيق، وأن يستعيد حزبكم عافيته وحيويته بعد هذه المحطة السياسية والتنظيمية الهامة والخطيرة. فالمغرب يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى كل حزب سياسي مستقل وجدي وقريب من المجتمع وهمومه، وما أكثرها من هموم في هذا الظرف الحساس.

ثالثاً، أتمنى ألا يطغى على مؤتمركم الهاجس التنظيمي، وألا تنحصر أشغال المؤتمر في مجرد انتخاب قيادة وأجهزة تسيير جديدة، بل أن تتسع قاعة المؤتمر، ومعها عقولكم وذكاؤكم الجماعي، لاجتراح رؤية سياسية جديدة لمرحلة صعبة ومعقدة يجتازها المغرب، والإقليم، والعالم.

يحتاج الحزب فيما أظن إلى برنامج نضالي جديد يرتكز على مراجعة نقدية صريحة وموضوعية لتجربة المشاركة في حكومتين متتاليتين لم تحققا النتائج المرجوة. بل إن الحزب خرج منها منهكاً، والأخطر أن المغرب نفسه خرج منها معطوباً، والدليل ظاهر وجلي في المناخ العام الذي يعرفه البلد اليوم: تراجع في الحريات العامة، اختلالات في الاقتصاد والاجتماع والقضاء، ومسار تطبيع لم تستطع حتى دماء غزة الغزيرة أن توقفه، ولو احتراماً لمشاعر المغاربة وقيمهم الدينية والإنسانية.

رابعاً، إن إعادة بناء الحزب السياسي بعد النكسة الكبيرة التي أصابته نتيجة عوامل ذاتية وموضوعية، لا تتم بالشعارات والنوايا الطيبة وحدها ولا بإعادة تجريب المجرب أو الحنين لأمجاد الماضي.

إعادة بناء المشروع الحزب بعد النكسة عملية معقدة ودقيقة، تتطلب رؤية، والرؤية تتطلب برنامجاً، والبرنامج يتطلب إرادة، والإرادة تحتاج إلى جرأة وتضحية وإصرار على بعث المشروع الإصلاحي العام مهما كلف الأمر فالواقع عنيد ولابد من اداة إصلاح صلبة .
أقترح عليكم التفكير في النقاط التالية وأنتم على مفترق الطرق، لعل الله يوفقكم للمساهمة في نهضة البلاد وإصلاح أحوال العباد:

1. لابد من تصور واضح لجيل جديد من الإصلاحات الدستورية والسياسية والمؤسساتية، لتقريب الحياة السياسية والأداء العام للدولة من المنهجية الديمقراطية، روحاً وشكلاً، للعبور الآمن إلى نادي الديمقراطيات الصاعدة. (مشروع جديد للانتقال الديمقراطي بعد فشل ثلاث محاولات سابقة).

2.لابد من تصور واضح لإصلاح أربع مؤسسات حيوية بطريقة استعجالية: المدرسة، المستشفى، المحكمة، والمالية العمومية.
هذه المؤسسات المعطوبة تحتاج إلى إصلاح فوري للنهوض بها،حماية للاستقرار، وصونا للحقوق الأساسية للمواطنين.

- إشهار -

3. لابد من تصور دقيق لمعالجة الاختلالات الجسيمة للنموذج الاقتصادي المبني على نموذج سياسي غير منتج، والذي لا يفرز اليوم سوى البطالة والهشاشة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية.

4.لابد من تصور واضح وجريء لمحاربة الفساد وتضارب المصالح والريع وخلط الثروة بالسلطة. الفساد اليوم لم يعد مجرد سلوك فردي، بل صار منظومة كاملة لها أسنان وأسلحة ولوبيات تدافع عن الفساد وبقائه وتمدده .

5.لابد من تصور شجاع للخروج من فخ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، الذي لم يعد مجرد دولة احتلال بل صار مشروعاً إجرامياً متورطاً في إبادة جماعية ضد شعب اعزل يواجه واحده آلة قتل فتاك.
لابد من اعتذار صريح من قادة الحزب الذين شاركوا أو ساندوا أو دافعوا عن توقيع الاتفاق الثلاثي، وخطة عملية لمواجهة لوبي التطبيع الذي زرع مصالحه ومؤسساته وشراكاته الإعلامية والاقتصادية والبحثية في البلاد.

6 . لابد من تصور ملموس لتوسيع عمل الحزب في المجال العام كما في المعارضة، بحيث لا يقتصر على الواجهة البرلمانية، بل يمتد إلى العمل المدني والنقابي والحقوقي والثقافي والتواصلي، بخط نضالي صلب ولغة صريحة مع الدولة والمجتمع، لغة تبتعد عن التردد والتلعثم والتفكير دائما في ماذا ستقول السلطة ؟ على حساب ماذا سيقول المجتمع وماذا سيقول التاريخ … حان الوقت لإعادة تعريف الخط المحافظ الذي مشى عليه الحزب منذ تاسيسه هذا الخط الذي منع القيادة السابقة مثلا من مجرد ان تعلن صراحة عن الاختلالات الجسيمة التي شابت العملية الانتخابية واكتفت بالقول الكاريكاتوري ( نتائج غير مفهومة ).

إن أهل مكة أدرى بشعابها، لكن لا يضر أهل مكة النظر بعيون الآخرين، خاصة عندما تهب العواصف الرملية، وتنعدم الرؤية، ويحتاج المسافر إلى أكثر من دليل لعبور الصحراء.

والله من وراء القصد…

26/4/2025

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد