المخاطر والفرص في السياسة الخارجية للمغرب.. مقاربة نقدية
1 تقديم:
في مقال نشر سابقا تساءلت من خلاله عن مدى تمثل الدبلوماسية المغربية لرؤية استراتيجية مبنية على الحكامة ومعرفة دقيقة بالتحولات المستقبلية التي تشهدها العلاقات الدولية بالشكل الذي يؤهلها لأن تتموضع بشكل جيد في عالم الغد، نجد أنفسنا مضطرين إلى إعادة طرح نفس الأسئلة وأكثر، ليس من باب التبخيس للمجهودات التي تبذلها الدبلوماسية المغربية، بل فقط من باب التصويب، حتى لا تتحول هذه المجهودات من فرص يمكن استثمارها لتمكين المغرب من مكانة محترمة في الساحة الدولية، إلى مخاطر قد تنسف هذه المكانة ويتحول بموجبها إلى بلد معزول عن محيطه الإقليمي والإفريقي والدولي.
إن الدافع إلى طرح هذه الأسئلة يرجع بالأساس إلى تصرفات بعض الدبلوماسيين الطائشة، على غرار ما حدث في كولومبيا واعتراف هذه الأخيرة بجبهة البوليساريو، ومن قبلها في روما حين تحولت إلى ساحة لشجار زوجات الدبلوماسيين، وأيضا إلى قلة الخبرة لدى بعض السفراء الذين يعجزون على استيقاء المعلومة و التدخل بشكل استباقي لتفادي ما قد ينسف العلاقات الثنائية بين الدول كما حدث مع تونس ورئيسها قيس سعيد الذي استقبل رئيس جبهة البوليساريو، أو حتى في طريقة التعامل الدبلوماسي مع هذا الحدث المؤسف والذي تم تدبيره بطريقة انفعالية بدل اعتماد خيارات أكثر عقلانية من أجل العمل على تطويقه عبر الدبلوماسية الهادئة دون أن تبلغ حد القطيعة كما هو الشأن الآن، وذلك حتى لا يضع المغرب نفسه في موقع العزلة مع باقي دول الجوار الإقليمي ابتداء من تونس شرقا، وموريطانيا الممتعضة من التصريحات الغير المسؤولة لشخصيات حزبية ودينية مغربية جنوبا، وكذا ظهور توجه سياسي جديد في كل من مالي والنيجر و السنغال وتشاد وإفريقيا الوسطى ينحو شرقا في اتجاه روسيا والصين الشريكين الاستراتيجيين للجزائر التي جعلت من المغرب خصما تقليديا باحتضانها لحركة انفصالية في جهة الصحراء الغربية منذ مرحلة الحرب الباردة ولا تدخر جهدا في استغلال الأخطاء الدبلوماسية للمغرب كما حصل مع كينيا مؤخرا وليس أخيرا.
والجديد بالقول هنا أننا عندما نتوقف، من باب التقييم، عند هذه الإخفاقات المتكررة للدبلوماسية المغربية سواء ما تعلق منها بقلة الكفاءة أو ما بغياب رؤية إستراتيجية للعلاقات الخارجية المغربية، فذلك من باب حث المسؤولين المغاربة على إعادة النظر في ما يعتقدونه استراتيجية دبلوماسية ناجحة للدفاع عن المصالح السيادية للدولة المغربية، والتي جعل منها ملك المغرب في خطابين متتاليين خطا أحمرا في العلاقات الخارجية للدولة.
إن هذه الرؤية الحاسمة التي تلقى الدعم والتأييد من كل غيور على وطنه، تتطلب منا كذلك مساءلة الإخفاقات الدبلوماسية والحكومية التي لا يمكن التغاضي عنها عوض السير في طريق التطبيل لانتصارات قد تصدمنا حقيقتها المرة عاجلا أم آجلا.
2 في مسالة الكفاءات الدبلوماسية :
إنه سؤال بديهي، لكنه ملزم في عملية اختيار الدبلوماسيين بالنسبة لأية دولة تثمن العمل الدبلوماسي وتعتبره رافعة أساسية تنسج من خلاله شبكة من العلاقات الخارجية. كما أن التواجد الدبلوماسي النشيط والهادئ في الدولة المضيفة من مهامه المعرفة التامة بقضايا تلك البلدان، ومن خلال التقارير التي ترفعها إلى بلدها الأصلي، إضافة إلى ما تحبل به الساحة الدولية من أحداث سياسية، تكون حافزا للدولة لبلورة استراتيجياتها الدبلوماسية التي تؤطر علاقاتها الخارجية بما يخدم المصالح العليا للوطن. كما أن امتلاك المعلومة السياسية في البلدان المضيفة، قبل الإعلان عنها يمكن الدولة من التدخلات الاستباقية عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية.
إن هذا النوع من الدبلوماسية النشيطة والهادئة تتطلب موارد بشرية تتوفر فيها شروط الكفاءة السياسية والأخلاقية.
إن الخارجية المغربية ملزمة إذن بإعادة النظر في تمثيلياتها الدبلوماسية مع استحضار الكفاءة السياسية والإدارية والأخلاقية بدل المحسوبية في اعتماد الأشخاص الموكلة لهم إنجاز هذه المهام.
3 في مسألة الرؤية الاستراتيجية :
إذا كان اختيار التمثيليات يستلزم المعايير السالفة الذكر، فعلى الخارجية المغربية واجب صياغة رؤية استراتيجية تسترشد بها التمثيليات الدبلوماسية حتى لا تتحول إلى جزر معزولة خاصة مع ما يتهدد المغرب من مخاطر سواء ما تعلق منها بالقضايا الترابية وهي كثيرة، أو ما تعلق منها بالقضايا الاقتصادية والسياسية التي فرضت على العالم أن يعايش مرحلة انتقالية دقيقة ومخاضا جيو سياسيا واقتصاديا عسيرا، يؤسس لحقبة جديدة قوامها الانتقال من الأحادية القطبية إلى مرحلة التعددية القطبية التي تستدعي تموضعات جديدة في العلاقات الدولية، ولنا العبرة في الشرخ الذي يشهده المنتظم الدولي بعد الصراع الروسي الأوكراني بأبعاده الكونية الذي أدى ولأول مرة، بعد الحرب الأفغانية والعراقية والليبية، إلى انفراط عقد التحالف الدولي بقيادة أمريكا، بل إلى انفسام العالم بين معارض ومؤيد ومتحفظ من التدخل الروسي، وهو ما يتضح أكثر في العدد الكبير للدول الرافضة للانضمام إلى مسلسل العقوبات التي فرضها الغرب الأطلسي على روسيا بما فيها دول كانت لعهد قريب تأتمر بأوامر أمريكا، في مقابل ازدياد نشاط منظمات اقتصادية شرقية قوية كمنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، التي تضم بالإضافة إلى كل من روسيا والصين دول من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والتي تشكل ما يناهز 41 % من ساكنة العالم و25 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي حاليا دون إغفال رغبة كل من إيران والسعودية ومصر وتركيا وغيرها في الانضمام لهذه المجموعات، إضافة إلى القرارات التي اتخذتها في شأن اعتماد العملات الوطنية في المعاملات التجارية البينية بدل الدولار الذي شكل منذ اتفاقية بريتون رأس الرمح في استراتيجية الهيمنة الأمريكية على العالم، بعد أن حولته إلى سلاح تستولي عبره على أرصدة الدول الرافضة لهيمنتها، وهو ما أفقد الدولار مصداقيته في التجارة الدولية. هذا بالإضافة إلى عدم استجابة كل من السعودية والإمارات المنضويتين في أوبك بلوس لرغبات الغرب الأطلسي في تعويض النفط والغاز الروسيين.
إن التوجه الجديد للأقطاب الشرقية الصاعدة يؤشر على الانتقال من مرحلة المنازعة التي تميز بها العقد الأخير من الألفية الثالثة الذي تجلى في الاستعمال المكثف لحق الفيتو من طرف الصين وروسيا في الأمم المتحدة ضد مشاريع القرارات الغربية والأمريكية وكذا التواجد العسكري المتوازي في كل من سوريا وليبيا الخ… إلى مرحلة تصادم القوة التي تشهدها أوكرانيا وتتراكم مؤشراتها حاليا في بحر الصين الجنوبي، هذا بالإضافة إلى انتقال العقيدة العسكرية الروسية من عقيدة دفاعية إلى عقيدة هجومية، وهو أمر يحصل لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حين اعتبرت الحلف الأطلسي وأمريكا مصدر تهديد للأمن الاستراتيجي الروسي كرد عملي على ميثاق الأمن القومي الأمريكي، وهو ما ذهبت إليه كذلك كوريا الشمالية الحليف الرئيسي للصين في قرارات اجتماع مجلس الشعب الأخير.
كل هذا يدفعنا إلى فهم طبيعة هذا التصادم الذي يأخذ بالإضافة إلى البعد العسكري أبعادا اقتصادية ومالية وثقافية، تجلت في اتخاذ الأقطاب الشرقية الصاعدة قرار اعتماد العملات الوطنية في التبادلات التجارية كقرار استراتيجي يسعى إلى استهداف مكامن القوة في الاقتصاد الأمريكي ويحضر في المقابل لتعددية قطبية سياسية وثقافية واقتصادية ومالية.
إن هذا التوجه العالمي الذي تقوده الأقطاب الشرقية الصاعدة هو ما دفع بالكثير من دول العالم إلى نزع قناع الخوف من الغرب الاستعماري، سواء في آسيا والشرق الأوسط أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، والبحث عن تموضعات جديدة في عالم الغد الذي بدأت ملامحه في التشكل، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية وسيادة قراراتها السياسية والاقتصادية، وإننا إذ نستحضر هذه التحولات الدولية الكبرى، نتساءل عن موقع المغرب من هذا المخاض، خاصة بعد أن بدأت الكثير من دول العالم النامي مسيرة البحث عن تموضعات جديدة، كما نتساءل أيضا عن مدى استيعاب النخب السياسية والاقتصادية المغربية لهذه التحولات؟.
وفي محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، نجد أنفسنا مضطرين إلى تبيان الفرص والمخاطر التي ميزت العقدين الأخيرين في السياسة الخارجية للمغرب.
✓ الفرص :
يمكن اعتبار المغرب من الدول القليلة في العالم النامي التي كان لها السبق في قراءة هذه التحولات وذلك مع بداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة حين اعتمد استراتيجية تعدد الشراكات الاقتصادية والتجارية حتى لا يبقى سجينا للاتحاد الأوروبي وفرنسا بالخصوص، ترجمته الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى بين المغرب والصين وروسيا وما استتبع ذلك من استعداد متبادل لعقد شراكات استراتيجية واتفاقات استثمارية وتجارية واعدة شجع على ذلك إدراك كلا الدولتين للموقع الجيو استراتيجي للمغرب كبلد مطل شمالا على ممر التجارة العالمية جبل طارق وفي جنوبه على بلدان جنوب الصحراء إفريقيا.
إن هذا التوجه الذي انتهجه المغرب إلى حدود نهاية العشرية الثانية من الألفية الثالثة كان سيتيح للمغرب الكثير من الفرص سواء في الجانب الاقتصادي من خلال تنويع شراكاته وجلب استثمارات مهمة في مجالي الطاقة والبنية التحتية والموانئ الخ… حيث كان المغرب يشكل جنب الجزائر نقط ارتكاز في مشروع الحزام والطريق، وهو ما كان ليوحد المصالح التجارية والاقتصادية للبلدين الجارين إلى درجة تنتفي فيها مصلحة الدولة الجزائرية ونخبها الاقتصادية الجديدة في تمويل واحتضان حركة انفصالية معيقة للاستثمارات الروسية الصينية في كلا البلدين من جهة، ولتطور مصالحهما الاستراتيجية المشتركة التي تقتضي استقرارا سياسيا واجتماعيا من جهة أخرى. إن علاقات الشراكة التي كانت ستجمع البلدين مع كل من روسيا والصين كدولتين تتمتعان بحق النقض في الأمم المتحدة وبحضور اقتصادي قوي في البلدين الجارين كانت لتساهم في حل النزاع القائم في الصحراء بما يؤمن سيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية مع المراعاة التامة للمصالح المشتركة للبلدين الجارين ورفاه وتقدم شعبيهما.
أقول هذا لأني ما كنت يوما مؤمنا بالحل العسكري لهذا النزاع، بل بالحل السياسي والاقتصادي خاصة بعد أن انتقل إلى أروقة الأمم المتحدة، وأعتبر أن الاستراتيجية التي كان المغرب قد انتهجها في بداية عهد الملك محمد السادس إلى حدود أواخر العشرية الأخيرة، قبل أن يتم الانقلاب عليها كليا، كانت تشكل فرصة للنماء وتعدد الشراكات والاستقلالية عن الغرب الاستعماري وفرصة لا تعوض لحل النزاع في الأقاليم الصحراوية بشكل عملي ونهائي، ولنا في اعتراض روسيا على مشروع القرار الأمريكي سنة 2013 القاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان رسالة دالة عن حسن نية روسيا في علاقاتها بالمغرب في تلك المرحلة.
✓ المخاطر :
يمكن القول إن المخاطر التي تهدد المغرب هي كثيرة ومتعددة منها ما هو مرتبط بالأوضاع الداخلية التي لا تختلف كثيرا عن أوضاع دول الجوار والمنطقة المغاربية والشرق الأوسط التي من سماتها انتفاء مؤسسات الوساطة وغياب الديمقراطية وشكلية المؤسسات المنتخبة وانتشار الفساد المالي والاقتصادي والهشاشة الاجتماعية وتدني مؤشرات التنمية والبحث العلمي وضعف الأحزاب التي تم احتواؤها مما أفقدها المصداقية والقدرة على التأثير الإيجابي والفعال في السياسات العمومية، وهو ما يمكن اختصاره بضعف الجبهة الداخلية التي تشكل الخاصرة الرخوة في أي سياسة تروم الحزم في القرارات الخارجية للدولة، لأن قوة الدول مقرونة بما توفره من تنمية مستدامة وحريات وممارسات سياسية ديمقراطية لشعوبها.
في نفس السياق يمكن القول أن الانقلاب المفاجئ في المنهجية التي كان المغرب قد اعتمدها في علاقاته الخارجية القائمة على مبدأ تعدد الشراكات، وذلك قبل أن تتدخل الإدارة الأمريكية عند نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من أجل وقف هذا التوجه معتمدة على بعض اللوبيات المالية والاقتصادية المغربية الموالية لأمريكا، ومستغلة قضية الصحراء التي شكلت نقطة ضعف في السياسة الخارجية للمغرب، رغم ممارسة هذا الأخير السيادة الفعلية على أكثر من 80 % من صحرائه، وبدل اعتماد سياسات عمومية تطمئن أهالينا في الصحراء وتوفر لهم الوسائل الديمقراطية الدستورية والقانونية التي تخول المشاركة في تدبير شؤونهم بما يخدم مصالحهم في التنمية والديمقراطية كصمام أمان ضد محاولات الإغراء من طرف خصوم الوحدة الترابية، اعتبرت الدبلوماسية المغربية الاعتراف التكتيكي لترامب المشروط بتطبيع المغرب لعلاقاته بالكيان الإسرائيلي الغاصب لحقوق الشعب الفلسطيني وكأنه انتصار تاريخي للقضية الوطنية، رغم أن هذا الاعتراف بقي حبيس الرفوف في الإدارة الأمريكية ولم تعمل به الإدارة الحالية التي أكدت في أكثر من مناسبة على ضرورة احترام الإرادة الدولية في الصحراء الغربية وضرورة جلوس أطراف النزاع بمن فيهم جبهة البوليساريو لإيجاد تسوية سلمية تؤدي إلى حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، بل إن الكونغرس الأمريكي اعترض على بيع المغرب بعض الأسلحة بدعوى خطورة استعمالها ضد الشعب الصحراوي. هذا في مقابل دفع المغرب إلى تسريع خطوات التطبيع مع الكيان الغاصب الذي رغم تطبيع المغرب لعلاقاته به لم يعترف رسميا بسيادة المغرب على صحرائه لحد الساعة، بل عمل على صب الزيت على النار في العلاقة المتوترة بين المغرب والجزائر حين أعلن سفير الكيان تهجمه على هذه الأخيرة من داخل الرباط، وهو ما يعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمغرب وعلاقاته بجيرانه مما يؤكد دوره التخريبي في المنطقة.
إن الانقلاب الذي شهدته الدبلوماسية المغربية خلال السنين الأخيرة في اتجاه أمريكا وإسرائيل الذي تعتبره الأوساط الرسمية المغربية عنصر قوة إضافي لتأكيد سيادة المغرب على صحرائه، بل واعتماده كنقطة ارتكاز في تشدد المغرب في علاقاته بدول الجوار الأوروبي التي لا تنظر بعين الرضى لهذا التوجه، خاصة من قبل فرنسا الدولة القوية في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ألمانيا، والحامية التقليدية للنظام السياسي المغربي، والتي أقدمت على الكثير من الأعمال العدائية اتجاه المغرب كردة فعل على هذا التوجه ابتداء من منع الفيزا على المواطنين المغاربة، مرورا باستقبال ممثل جبهة البوليساريو في البرلمان الفرنسي، إلى إعلان نيتها بسحب مشاريعها من المغرب، هذا بالإضافة إلى العراقيل التي تقوم بها كل من فرنسا وألمانيا بالنسبة للطلبة خاصة هذه السنة بضرورة تقديم مجموعة من الوثائق لإثبات مصادر التحويلات المالية التي يقوم بها آباؤهم بدعوى أنها تأتي من دولة مصنفة ضمن لائحة الدول التي تشهد تبييضا واسعا للأموال. هذا في مقابل تقربهما من الدولة الجزائرية من أجل ضمان تدفق الغاز بعد الحظر الروسي لهذه المادة ذات الحيوية الفائقة في الظرفية الراهنة. كل هذا دون أن يقوم المغرب بأي ردة فعل تجاه الدولة الفرنسية، تخوفا من تعريض علاقاته التجارية التي تقدر بأكثر من 50 مليار دولار لمخاطر كبيرة، خاصة وأن اقتصاد المغرب مرتبط بشكل عضوي بدول الاتحاد، ولم يكن مستعدا لمثل هذه الخطوة بتحرير اقتصاده من التبعية للسوق الأوروبية وإعادة هيكلة اقتصاده ليستجيب لأسواق بديلة لا تبدو شروطها متوفرة مع الأسف بعد أن رمى بجميع أوراقه في السلة الأمريكية الإسرائيلية.
إن حصر المغرب لعلاقاته الخارجية مع أمريكا حاملة الشعار الشهير “أمريكا أولا “، وإسرائيل التي تأسست على مبدأ الهيمنة والتفوق الذي لا يستقيم إلا بزرع التفرقة والفتنة الطائفية والحروب بين شعوب ودول المنطقة المغاربية والشرق الأوسط، يعد عنصر ضعف في السياسة الخارجية للمغرب وليس عنصر قوة بعد أن وضع نفسه بين المطرقة الأمريكية والسندان الأوروبي. هذا في الوقت الذي تتجه فيه معظم دول العالم النامي إلى تبني استراتيجيات بديلة تقطع من خلالها مع الموروث الاستعماري للغرب الأطلسي وتعمل على عقد شراكات استراتيجية مع القوى الصاعدة في شرق الكرة الأرضية، بل إن البعض منها عبر عن رغبته في الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الشرقية الصاعدة.
إن هذا التوجه الذي تورطت من خلاله الخارجية المغربية وضع المغرب في مواقف تبدو عدائية بالنسبة لروسيا وتجاه التكتل الشرقي كحضورها في مؤتمر الدول المانحة لأوكرانيا، ومشاركته في المناورات الأطلسية على الحدود الروسية السنة الماضية، في الوقت الذي يتصاعد فيه حضور كل من الصين وروسيا على حساب الغرب الأطلسي في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، يمكن أن يكون له أثر سلبي على القضايا السيادية السياسية والاقتصادية للمغرب الذي فقد بالنسبة إليهم صفة الشريك الموثوق، خاصة وأن بعض ملامح هذه التحولات تبدو جلية في دول الجوار المغربي خاصة دول جنوب الصحراء وشمال إفريقيا التي اختارت التوجه شرقا أو حافظت على مسافات متوازنة في شراكاتها الاقتصادية بين الشرق والغرب. هذا في الوقت الذي ينحاز فيه المغرب كليا إلى الحلف الأمريكي الإسرائيلي الغير الموثوق فيه، وهو ما يشكل في اعتقادي مصدر تهديد حقيقي للمغرب وقضاياه المصيرية.
4 خلاصة :
لا أظن أن النخب الحاكمة في المغرب قد استوعبت التحولات الاستراتيجية في العلاقات الدولية التي دفعت بالكثير من دول العالم النامي إلى البحث منذ الٱن عن تموضعات جديدة تقطع من خلالها مع الموروث الاستعماري للغرب الأطلسي الذي دخل مرحلة الأفول لصالح قوى شرقية صاعدة تعمل جاهدة على بناء عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يدفعني للقول كخلاصة أن هذه النخب قد اختارت الزمن الخطأ في رسم علاقاتها الدولية.
عبد الوهاب تدموري
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.