المهدي سابق: يونس مجاهد.. يكتشف دوركايم وبورديو في مقهى السلطة! عبقرية نادرة في التبرير!

كالعادة، خرج علينا يونس مجاهد، حارس معبد الصحافة الرسمية، ليمنحنا دروسًا في الأخلاق المهنية، وكأننا أمام سقراط الصحافة المغربية! الرجل، الذي لم يسمع له أحد صوتًا عندما كانت الصحافة المستقلة تُذبح على طاولات المحاكم، قرر اليوم أن يستعين بدوركايم وبورديو ليُقنعنا بأن مجالس “التنظيم الذاتي” التي يتغنى بها هي منتهى العدل والإنصاف، متناسيًا أنها لا تتحرك إلا عندما يأتيها “الأمر اليومي”. أما حين يتعلق الأمر بصحافة التشهير والتطبيل، فهي تصاب بـ”الجلطة الثلاثية”: العمى، الصمم، والبكم!
لنكن واقعيين، متى كانت الأخلاق هاجس مجاهد؟ هل كان نائمًا حين تحولت الصحافة إلى سوق مفتوحة للابتزاز، حيث تُباع المقالات حسب “الكيلوغرام”، وتُوزع صكوك الوطنية حسب حجم الولاء؟ أين كان عندما صارت بعض المنابر تدافع عن التطبيع أكثر مما يدافع عنه الصهاينة أنفسهم؟ أم أن الأخلاقيات، حسب قاموس مجاهد، لا تُطبَّق إلا على الصحفيين الذين يرفضون تقبيل الأيادي؟
لكن الطامة الكبرى حين يتحدث عن حميد المهداوي! يا للعجب! حميد، الصحفي الذي نزل إلى الشارع، تحدث مع الناس، كشف الفساد، فوجد نفسه خلف القضبان بتهمة من نوع “ما قبل التاريخ”! ثلاث سنوات من السجن لأن المخزن لم يتحمل جرأته، بينما مجاهد كان يجلس على أريكته المخملية، يعدل ربطة عنقه، ويكتب مقالات عن “شرف المهنة”!
وهنا يحضرنا اسم خالد الجامعي، الذي لم يبع قلمه ولم يتنازل عن مواقفه رغم كل شيء. لم يكن يحتاج إلى بورديو أو دوركايم ليشرح له كيف تكون الصحافة الحقيقية، لأنه كان يمارسها يوميًا بشجاعة نادرة. ومع ذلك، لم يكن أبدًا جزءًا من “أوركسترا” المجاهدين الجدد، الذين يجاهدون فقط في تبرير القمع وتجميل الرداءة.
- إشهار -
أما إقحام بورديو ودوركايم في هذا “التحليل الفلسفي العميق”، فهو نكتة الموسم! لأن بورديو نفسه شرح كيف يتحول الإعلام إلى أداة لخدمة النخب، أي تحديدًا الصحافة التي يمارسها ويدافع عنها مجاهد. أما دوركايم، فكان يتحدث عن الأخلاق في مجتمعات لديها الحد الأدنى من الاستقلالية، وليس في أنظمة تعتبر الصحفيين المعارضين مجرد أهداف لتصفية الحسابات. لو قرأ مجاهد تشومسكي، لفهم كيف يتم التلاعب بالرأي العام، لكنه مشغول جدًا بتدبيج خطب الولاء والطاعة.
عندما نبحث عن الصحفيين الشرفاء في المغرب، نجد أبو بكر الجامعي، علي أنوزلا، سليمان الريسوني، عمر الراضي، توفيق بوعشرين… هؤلاء كتبوا بمداد الحرية ودفعوا الثمن غاليًا. أما مجاهد، فيُصر على أن يكون “المجاهد الأكبر” في معركة تبرير الرداءة والانتقائية.
ختامًا، السيد يونس مجاهد، قبل أن تحاضرنا عن الأخلاق، راجع أرشيفك الحافل بالصمت أمام كل الجرائم التي ارتُكبت في حق الصحافة الحقيقية. أما تحويل القمع إلى “درس في الأخلاقيات”، فهي خدعة قديمة لم تعد تنطلي حتى على السذج.