درس في الدرس لفائدة مسؤول عن التعاقد
للسيد الوزير كامل الصلاحية في إعطاء الدروس في مسألة التعاقد، مهما كان الدرس قصيرا باقتصاره على عبارتي “لم يجبركم أحد”، “أنتم من تقدمتم لاجتياز المباراة”، جاعلا منهما نصا مكتملا يحمل بداهته وعناصر إقناعه في ذاته. لكن من واجبنا نحن كذلك أن نرفع كل لبس عن مسألة التعاقد كقيمة إنسانية درءا لكل اختزال لها في إجراءات تقنية يمكن أن يؤول القرار النهائي بشأنها لمن يجهل أساساتها الإنسانية، وهو الأمر الذي يغيب، بشكل مؤكد، عن السيد الوزير، وإلا لكان سخيا أكثر في نصه عن التعاقد…
لكل ذلك أسمح لنفسي بهذا النص المقتضب عساه درسا يرفع قدرا من اللبس والغموض الذي يشوب النازلة
أما بعد، السيد الوزير
لقد تأسست فلسفة التعاقد على قاعدة محاولة تجاوز منطق الغلبة الذي تؤول في ظله الأمور لصالح الطرف الأكثر قوة. وبحكم عدم ثبات هذه الأخيرة فإن ذلك من شأنه أن يضع المجتمع في حالة تقلب مستمرة تهدد في كل لحظة بالعودة إلى نقطة “الصفر المطلق” في الحالة الاجتماعية، أي حالة الصراع المفتوح الذي تتكافؤ في ظله القوى، مما يهدد بزوال أحد الأطراف المتصارعة أو كلها، كتعبير عن أدنى وأحط مستويات الوجود الإنساني. لذلك كانت فلسفة التعاقد تراهن بشكل أساسي على تحقيق نوع من الثبات والاستقرار الاجتماعيين كشرطين لأي تطور للمجتمع وللإنسان على وجه العموم. وهو الأمر الذي لن يتحقق حسب هذه الفلسفة إلا بتنازل الأفراد عن حقهم الطبيعي القائم على منطق القوة واستبداله بحقوق مدنية تعكس إرادة جماعية هي حصيلة تفاعل نوعي لإرادات فردية واعية بأهمية تثبيت الواقع الاجتماعي كشرط لتطويره. ولكي لا يتحول هذا التثبيت إلى عنصر لجم لتطور الفرد والمجتمع، كان من اللازم أن يرتبط بعنصر حيوي يجعل منه مرتكَزا لحركية المجتمع وليس سقفا لها. ذلك ما سيدفع بعض رواد فلسفة التعاقد إلى التركيز على بعض الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها في ظله لكونها محرك هذا التطور بالذات، من قبيل حرية التفكير والتعبير كما نجدها عند “سبينوزا“.
ما ينبغي الانتباه له اليوم هو أن منطق التعاقد في ظل واقع موار متحول باستمرار، لم يعد منهجسا بتثبيت الواقع بقدر ما أنه يندرج في إطار مسايرة هذا التحول السريع المحكوم بعودة منطق الغلبة غير المباشرة؛ أي من خلال تشريعات وقوانين كانت في حاجة ل”حجاب الجهل” بلغة “جون راولز” كي تكتسي طابعها العادل، إن لم نقل أنه –أي منطق التعاقد المعاصر- شرط لإضفاء سرعة أكبر ومرونة أكثر على حركة وتحول هذا الواقع الذي أصبح تقدمه لا يرتبط بالضرورة بتطور الفرد؛ بمعنى أن تطور الفرد لم يعد شرطا لتطور الواقع–حتى لا نقول المجتمع-.
في هذا السياق الأكبر تندرج معركة المتعاقدين، أساتذة كانوا أو أطباء وممرضين أو غيرهم، متجاوزة القول بكونها معركة فئة أو حتى شعب بعينه. فهي معركة من أجل أفق إنساني أرحب يؤمن بأن كل تعاقد من شأنه أن يمأسس علاقات الأفراد ضمن إطار الدولة لا ينبغي له أن يقوم على أنقاض المجتمع ومصلحة أفراده.
السيد الوزير،
إن كل حديث عن التعاقد ينبغي أن يحدد ما إذا كان يروم التثبيت المؤقت لعلاقات الأفراد من داخل المجتمع كشرط لتطويرها أم أنه يندرج ضمن سياق ترسيخ منطق الغلبة تحت مسمى “المرونة”. ففي ظل السياق الأخير يصبح مشروعا، بل بندا من بنود التعاقد الضمنية، خروج طرف معين عن تعاقده مهما كانت حداثته بعد أن يستنفذ هذا الأخير مقومات استمراره بنفس سرعة الواقع الذي يؤسس له؛ بمعنى، من حق الفرد والجماعة الخروج ضد ما تعاقدوا عليه بالأمس !!
بدون الدخول في فلسفة baruch spinoza ،كمواطن بسيط أرى أن هناك معركة طاحنة بين وزارة لم يعد في مقدورها إتخاذ أي قرار بداية من المشاكل التي وقعت بين المدارس الخصوصية وبعض المواطنين حيث صرح الوزير بأن الأمر لايعني قطاعه وترك الناس تتخبط في المحاكم بدل الضغط على لوبي التعليم الخاص(عفوا هذا غير ممكن لأنه لأحد يعلو على اللوبي) لإجباره على التفاهم مع أولياء التلاميذ،واليوم لم يستطع تطبيق القانون لإرغام كل من وقع عقدا الإلتزام ببنوده أو التسريح(الإنتخابات على الأبواب والوقت ليس مناسبا لإتخاذ قرار شجاع).
هاته المهزلة أو بالأصح الكارثة قتلت حق أطفال هذا الوطن في التعليم،خصوصا أبناء الطبقة الشعبية وبالأخص أطفال الجبال والبوادي،حتى أولياء أمرهم لايدرون مالعمل وأملهم أن تتدخل أعلى سلطة في البلاد لإنقاذ ما يمكن أنقاذه رغم أن قطاع التعليم العمومي إنهار ويكاد يستحيل إنقاذه.