جون أفريك: هل يكون الساحل منطقة مواجهة جديدة بين الجزائر والمغرب؟
نشرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية تحليلا بعنوان بصيغة سؤال: الساحل منطقة مواجهة جديدة للمغرب والجزائر؟ تناولت فيه التنافس بين الجزائر والمغرب على الاستثمار في دول الساحل.
وقد زعمت المجلة، التي تتعرض دائما لاتهامات من الجزائر بالانحياز للمغرب، “أن الجزائر تكافح لتلميع صورتها مما حال دون توسيع نفوذها، بينما نجحت الرباط في حصد نصيب من التعاطف. ومع ذلك، فإن التوقعات عالية بالنسبة للبلدين”.
وذكرت المجلة بأنه في السادس من نونبر 2023 وبمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، أطلق الملك محمد السادس الشعار الجيوستراتيجي الجديد للمغرب، وهو تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. وبعد شهر ونصف، استقبل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة نظراءه من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد بمراكش، في إطار اجتماع وزاري تنسيقي حول ما يسمى الآن بـ”مبادرة الأطلسي”.
التنافس بين الجزائر والمغرب امتد إلى ما هو أبعد من الصحراء، وعلى مدى عقد من الزمن، تمحورت المواجهة بين الجارتين المغاربيتين حول منطقة الساحل، لكنها احتدت في السنوات الأخيرة.
وفي مواجهة محاولة التغلغل المغربي المناكف للجزائر في منطقة تعتبرها الأخيرة “ساحتها الخلفية” للارتباط الجيواستراتيجي الكبير معها عبر حدودها الجنوبية، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 13 فبراير 2024، خلال خطاب عبر الفيديو بمناسبة الاجتماع الحادي والأربعين للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد)، عن إنشاء مناطق حرة مع الدول الشقيقة، بداية من موريتانيا ثم دول الساحل مثل مالي والنيجر، إضافة إلى تونس وليبيا.
وقد أشار تبون إلى مشاريع أخرى ذات بعد قاري، منها الطريق العابر للصحراء، الذي من المفترض أن يربط بين ستة بلدان أفريقية أو طريق تندوف الزويرات.
أبعد من الصحراء
واعتبرت المجلة أن التنافس بين الجزائر والمغرب امتد إلى ما هو أبعد من الصحراء، وعلى مدى عقد من الزمن، تمحورت المواجهة بين الجارتين المغاربيتين حول منطقة الساحل، لكنها احتدت في السنوات الأخيرة.
وفي سنة 2014، عندما قرر الملك محمد السادس توجيه دبلوماسية مملكته بشكل أكثر وضوحا نحو القارة، كان النفوذ الجزائري في منطقة الساحل يتضاءل بالفعل بسبب عوامل داخلية. ومنذ انتخاب عبد المجيد تبون في سنة 2019، حاولت الجزائر استعادة مكانتها التاريخية في شؤون شمال أفريقيا والساحل.
وحسب دجانابو سيسي، الباحثة في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس والمتخصصة في الديناميكيات الاستراتيجية والأمنية في أفريقيا، فإن “التنافس الجزائري المغربي شكّل مواقف والتزامات البلدين في منطقة الساحل، وعلى مدى أربعة عقود، كانت الجزائر لاعبا جيوسياسيا رئيسيا في منطقة الساحل، التي تعدها ساحتها الخلفية”.
تحركت الجزائر لمواجهة ما تعتبره محاولة التغلغل المغربي المناكف لها في منطقة تعتبرها الجزائر “ساحتها الخلفية” للارتباط الجيواستراتيجي الكبير معها عبر حدودها الجنوبية.
وتلفت المجلة إلى أن الجزائر تتبنى نهجا أمنيا تجاه منطقة الساحل، باعتبارها مصدرا محتملا لعدم الاستقرار أكثر من كونها أرضا للفرص.
ونقلت عن با تراوري، الباحث في شؤون الساحل في مركز أبحاث غرب أفريقيا “واثي” قوله إن الترابط بين هذه القوة المغاربية ودول الساحل وثيق للغاية، ذلك أنه “إلى جانب الدعم المالي لجبهة التحرير الوطني والنضال الجزائري من أجل الاستقلال، يعتمد اقتصاد شمال مالي على الجزائر التي تزود هذه المنطقة بالسكر والوقود والمواد الخام. وكان شمال مالي دائما موضع اهتمام الجزائر التي أقامت قنصليتها في غاو، إلا أن هذه المنطقة هي الأكثر اضطرابا، وهي مجاورة للولايات (المحافظات) الجنوبية الجزائرية، حيث تستغل الجزائر معظم مواردها المعدنية والطاقة”.
ونقلت المجلة عن الخبير المغربي في العلاقات الدولية محمد زكريا أبو دهب، زعمه أن “الماليين والبوركينابيين والنيجيريين يعدون الجزائر أرضا خصبة للإرهاب، بعد أن طردت من أراضيها الجماعات المتطرفة التي لجأت نتيجة لذلك إلى منطقة الساحل”.
من جهته قال تراوري إنه “عند تفحص تاريخ الإرهاب الجهادي المالي، ندرك أنه مرتبط بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، ثم بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
ووفق المجلة يضاف إلى ذلك تمرد الطوارق في شمال مالي ورغبتهم في الاستقلال، وهو ما تعده الجزائر بمنزلة قنبلة موقوتة، خاصة أن سكان الطوارق يستقرون في مناطقها الجنوبية، وهكذا أثبتت الجزائر نفسها كوسيط لاحتواء التهديدات على حدودها، مما ولّد اتفاق تمنراست سنة 1991 وإنشاء لجنة أركان للعمليات المشتركة سنة 2010، وهي هيكل يجمع دول الساحل، هدفه مكافحة الإرهاب والتهريب.
وأكدت المجلة على أنه منذ ظهور حكومات عسكرية جديدة في منطقة الساحل، ما بين 2020 و2023، شهد النفوذ الجزائري تراجعا. ويفسّر تراوري ذلك بحقيقة دعم الجزائر لحركات الطوارق المتمردة، الذين تعدهم باماكو إرهابيين. وخلافا للتوقعات، زعم تراوري “أن الجزائر تواجه اليوم الرفض نفسه الذي تواجهه فرنسا”.
وأشارت المجلة إلى أن الحكومة المالية الحالية تتهم الجزائر بإيواء الانفصاليين الطوارق، وكذلك دعم الإمام محمود ديكو وهو من رموز التيار الإصلاحي في البلاد، الذي عُرف بمعارضته للرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استقبل ديكو في قصر الرئاسة الجزائرية مما أثار غضب السلطة العسكرية الحاكمة في مالي.
الرهان المغربي على “القوة الناعمة”
في المقابل تنقل المجلة عن محمد زكريا أبو دهب، أن المغرب – على عكس الجزائر – “يعتمد على القوة الناعمة والقضايا الإنسانية ومشاريع التنمية الاقتصادية المشتركة والأعمال التجارية، ويطمح المغرب إلى أن يصبح قوة وساطة ودبلوماسية جديدة في المنطقة، باستخدام نهج عملي وتقدمي يركز على المدى الطويل”.
تحقيقا لهذه المساعي، تشير المجلة إلى أن الملك محمد السادس يعمل على تعزيز الروابط التاريخية والروحية، من خلال تدريب الأئمة والمرشدات الدينيات من منطقة الساحل في الرباط.
من الصعب إنجاز مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء ومشروع خط أنابيب الغاز المغرب-نيجيريا، والذي ينافس مشروعا جزائريا مماثلا (وسابقا للمغرب) مع نيجيريا عبر النيجر
وتلفت المجلة إلى أن مالي، الشريك التجاري الأول للمغرب، تحتضن عيادة تحمل اسم ملك المغرب، مُوّلت وبُنيت من طرف المملكة. كما أن شبكة البنوك التي تعد الأفضل في منطقة الساحل، “بنك أفريكا”، مملوكة للمغربي عثمان بنجلون. وبالإضافة إلى ذلك، يتم تدريب جزء من العسكريين الماليين والنيجيريين والبوركينابيين منذ عقود في الأكاديميات والكليات التابعة للمملكة.
وبحسب المجلة فإن هذه العوامل تفسّر تمتع المغرب بنفوذ خاص في منطقة الساحل وغرب أفريقيا. وبعد التشكيك في قدرتها على الوصول إلى المحيط الأطلسي، عقب خروج مالي وبوركينا فاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لعب المغرب بورقة “المبادرة الأطلسية”.
ولفتت المجلة إلى أنه في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين المغرب وموريتانيا تحسنا ملحوظا؛ ففي يناير 2024، رفضت نواكشوط المشاركة في قمة مغاربية تضم الجزائر وتونس وليبيا تستثني المملكة. وفي الأشهر الأخيرة، قامت الحكومتان المغربية والموريتانية بزيادة عدد الاجتماعات في إطار التعاون الاقتصادي.
وشددت المجلة على أنه من الصعب إنجاز مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء ومشروع خط أنابيب الغاز المغرب-نيجيريا، والذي ينافس مشروعا جزائريا مماثلا (وسابقا للمغرب) مع نيجيريا عبر النيجر. ومع ذلك، لا يزال الطرفان يكافحان من أجل تنفيذ المشروعين على أرض الواقع.
وزعمت “جون أفريك” أنه في الوقت الحالي، يبدو أن المغرب يتقدم بخطوات كبيرة في تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الأطلسي من نيجيريا إلى المغرب، بعد الحصول على الموافقة الرسمية للدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بحسب تقرير المجلة.
وبحسبها يخطط المغرب لتنظيم حفل توقيع رسمي قبل يونيو 2025، مما قد يمثل خطوة حاسمة في تحقيق هذا المشروع الاستراتيجي.
وفي مقابل هذا التنافس بين الجزائر والرباط، تدعو الباحثة دجانابو سيسي إلى ضرورة توقف المغرب والجزائر عن صياغة قراراتهما من منظور التنافس بينهما، الأمر الذي ترفضه الحكومات والرأي العام في منطقة الساحل.
وترى سيسي أن المنطقة تشهد تحولات داخلية تشمل تغيير العقلية وعودة إلى نوع من السيادة الجديدة، مع رغبة في اتخاذ القرارات بشكل مستقل.
وأكدت على أن العديد من البلدان الأفريقية أصبحت ترفض الاعتماد على قوة دون غيرها، مما يشير إلى رغبتها في تنويع الشراكات.
المصدر: جون أفريك + القدس العربي.