خطر تغليب الصراع في تعديلات مدونة الأسرة
“لكن عددا من هذه التعديلات المرتقبة من شأنها تذكية الصراع بين الزوجين، وجعل العلاقة بينهما مرتبطة بالماديات فقط، مما سيسهم في تغييب المعاني السامية التي من أجلها أنشئ بيت الزوجية. فهل نحن بصدد بناء بيوت تسودها السكينة والمودة والرحمة والذوق السليم، أو إعداد حلبات للصراع والكراهية وتمزيق الأسر والعائلات والمجتمع؟”
هذا مقتطف من بيان جماعة العدل والإحسان حول تعديلات مدونة الأسرة، وهو يُبرز واحدة من أخطر الإشكاليات المتعلقة بالتعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة، ويُسلط الضوء على منزلق تغليب البعد المادي على القيم السامية التي يجب أن تسود في العلاقات الزوجية.
هذا التوجه أصبح أكثر من نتيجة عرضية، بل إنه من خلال قرائن الواقع يتأكد أنه توجه مقصود، ويتضح ذلك من خلال عاملين أساسيين. الأول، الخطاب الموجه الذي يركز على الصراع بين الرجل والمرأة ويتسم بالعراك والتصعيد بدل الحوار البناء، مما يعكس منهجية تكرس الصراع داخل الأسرة المغربية ويصور العلاقة الزوجية وكأنها معركة مفتوحة.
أما الثاني، فهو اختيار الإجمال والتغميض في ما أعلن من التعديلات، حيث تم تقديم خطوط عريضة مبهمة وملغومة بدل طرح رؤية شاملة ومتماسكة، وهذا ترك مساحة زمنية كبيرة لاشتعال التفسيرات المتتاقضة، ويظهر أنه خيار متعمد لجس نبض المجتمع.
هذا الغموض دفع معظم النقاشات إلى التركيز على القضايا السطحية والمادية، مما تسبب في حالة استقطاب حاد داخل المجتمع، حيث أصبحت مواقع التواصل والمجالس الشعبية تعج بكل ألوان التفسيرات، وزادها سلبية واشتعالا اتساع مساحة السخرية التي غلبت عليها الصور السلبية التي تصور الزواج كمعركة دائمة بين الرجل والمرأة.
هذا التوجه يعكس إرادة واضحة لتحويل نقاش الأسرة إلى ساحة صراع حول الماديات بدل إصلاح ما يعيشه الواقع الأسري من تحديات حقيقية. فالتركيز على القضايا المادية يغيب النقاش حول القيم الإنسانية والأخلاقية التي تشكل أساس الأسرة السعيدة والمستقرة. كما أن هذا الوضع ينعكس سلبا على الشباب، الذين أصبحوا يرون في الزواج عبئا إضافيا بدل أن يكون مؤسسة للاستقرار والمودة، مما يزيد من عزوفهم عن الإقدام عليه.
في المجمل، فإن بيان العدل والإحسان، من خلال هذه الفقرة، يكشف خطورة المنهجية المتبعة في طرح هذه التعديلات، والخطاب الرسمي الذي يكرس النزاع بدل الحوار، وأنهما لا يسهمان في تحقيق استقرار الأسرة المغربية، بل يدفعان نحو المزيد من التفكك الأسري والاجتماعي، وهو ما يتطلب إعادة النظر في هذا التوجه. وينبغي أن يكون النقاش مبنيا على قيم السكينة والمودة والرحمة، مع تحمل الدولة لمسؤولياتها في ضمان عدالة اجتماعية حقيقية تشمل جميع أفراد الأسرة، بدل إثارة الفتن وتعميق الأزمات.