البحث العلمي من ثقافة الشيخ والمريد إلى مأزق الابن البار
قرأت بما يشبه الصدفة مقالة لموظف جامعي، عبّر فيها عن أفول البحث العلمي، وهو بذلك قد عبّر عن بؤس مختبره -في غفلة منه- الذي لا يملك رؤية محددة لما ينبغي القيام به في اختيار الطلبة بمعايير غير معايير العنصرية البحثية، ولا يملك خطة عمل لتطوير مجالات البحث غير دفتر تحملات لا يمت بصلة للبحث العلمي في أدنى مستوياته.
الأمر لا يتحمل فيه الطلبة كامل المسؤولية، فالمشكل مرتبط بالرؤية، وجل المختبرات ينبغي أن تحدد رؤيتها للأشياء بدقة، فيتم اختيار الطلبة وفق معيار “القابلية للبحث العلمي” وعدم صد الأبواب أمام الأفكار الجديدة، وحتى القديمة، فيمكننا أن ننجز أطروحة حول “مفهوم الإنسان” فهل هو مستهلك؟ أي تعريف للإنسان في عصرنا هذا!
أحيانا يكون لاستعادة المواضيع القديمة أهمية في حل معضلات شتى خاصة مع تقدم الإنسان معرفيا وتقنيا.
مختبرات البحث العلمي في جل جامعاتنا تفتقر للجدّة، وقد يكون التجديد أحيانا محل نفور. وتفتقر للمغامرة، فلا يمكن التقدم بالحكم على الأمور من زاوية أحادية، فكم من فكرة اعتقدنا أنها مبتذلة، فإذا بها قد غيرت مسار الإنسانية.
لقد سعت العديد من المختبرات إلى تبني مقاربات مستوردة لتناول قضايا وإشكالات محلية خاصة في مجالي العلوم الإنسانية واللسانيات، فأنتجت بذلك طلبة لا يستطيعون التفكير خارج القيود التي وضعها الأب -المشرف- خشية أن يتهموا بالعقوق، وهذا أمر لا يخدم مستقبل الطالب المغلوب على أمره على المستوى المهني، خاصة مع وجود شروط عائلية وتزكيات غارقة في الذاتية لقبول الوافدين الجدد للجامعات، فقد يتم رفض توظيف أستاذ في مباراة التوظيف لأنّه طالب علان، ويرفض طالب علان آخر في جامعة أخرى، لذلك يتمسك بالأب، فيضيع بذلك مشروع باحث رصين بإنتاج عدد لا متناه من الببغاوات التي تنقل أفكار شيوخها دون تمحيص ولا تدقيق.
إنّه البؤس المعرفي، فالجامعة التي انتظرنا منها أن تحدث التغيير لم تغيّر عقليات أطرها! لذلك لا يسعنا إلا أن نستشهد بمثل شعبي قديم يستعمل للتعبير عن الاتكالية والمؤازرة وهو ”اللي مو طباخة فالعرس ما كيهمش مع شحال إِجي للعراضة”.