ثورة الياسمين بين البوعزيزي والشرطية التي صفعته !


انطلقت شرارة “الربيع العربي” في 17 دجنبر 2010، حين أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، في لحظة يأس بعد أن أهين وحرم من مصدر رزقه.

الموقف الذي أخرج البوعزيزي عن طوره ولم يتجاوز في ذلك الوقت من العمر 26 عاما، أن شرطية تدعى فايدة حمدي دخلت في مشادة معه واتخذت إجراءات ضده، واتهمت بأنها صفعت البوعزيزي وصادرت عربة الخضراوات التي يقتات منها لعدم وجود تصريح لديه!

ذُكر في ذلك الوقت أن المارة بالمكان لم يستوعبوا بسرعة ما جرى، وظن البعض أن في الأمر خدعة ما، ولم يتعود التونسيون على رؤية مثل هذا المشهد الفظيع، جسد رجل يشتعل تحيط به ألسنة اللهب مثل مشعل، فمد البعض هواتفهم لتصوير المشهد، وحين هرعوا إلى البوعزيزي لإخماد النار في جسده، تبين أن بدن الشاب احترق بنسبة 90 بالمائة.

نقل البوعزيزي إلى المستشفى وبقي هناك أسبوعين وتوفى متأثرا بحروقه الشديدة مطلع عام 2011. انطفت نار البوعزيزي واشتعلت تونس بأكملها انطلاقا من ولاية سيدي بوزيد في وسط البلاد، ثم انتقلت “الثورة” المفاجئة إلى الدول المجاورة ليبيا ومصر وامتدت لاحقا إلى سوريا.

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حاول حينها ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها. أمر باعتقال الشرطية المتهمة بصفع البوعزيزي، وقام بنفسه بزيارة الشاب وهو يحتضر، ووجه في نفس الوقت الشرطة إلى قمع التظاهرات التي انتشرت في أرجاء البلاد، وحين أدرك بسرعة صعوبة الموقف، وتأخر كلمته الشهيرة التي خاطب بها شعبه بقوله: “فهمتكم”، غادر تونس إلى المنفى وجنب عن قصد أو بدونه، بلاده المزيد من العنف والخراب.

أما بالنسبة للشرطية فايدة حمدي، فقد قضت محكمة تونسية في عام 2011 ببراءتها من التهم الموجهة إليها، بعد أن تنازلت عائلة البوعزيزي عن الدعوى، إضافة إلى تزايد المطالب من أهالي سيدي بوزيد بإطلاق سراحها.

- إشهار -

فايدة حمدي ظهرت في عام 2015 على صفحات جريدة التلغراف البريطانية قائلة إنها “تشعر بالمسؤولية عن كل شيء.. ألوم نفسي من حين إلى آخر، وأقول إن كل ما يحدث كان بسببي. لقد ساهم تصرفي في صنع التاريخ، لكن انظروا أين نحن الآن، التونسيون يعانون كما كانوا دائما”.

على الرغم من أن شرارة “الربيع العربي” الدموي وخاصة في نسخه الليبية واليمنية والسورية قد انطلقت من تونس، إلا أن الدرس التونسي كان مختلفا تماما، فلم يشعل التونسيون نار الحرب الأهلية ولم يهرعوا إلى السلاح ليقتتلوا. جرى كل شيء في هدوء نسبي ومن دون إطلاق نار وتفجيرات، ولم يكن ذلك صدفة وهذا ما يزيد من قيمته واستثنائيته.

هذا الأمر يعطي معنى لتسمية الأحداث التي جرت في تونس في ذلك الوقت بـ”ثورة الياسمين”، ويمنحها مكانة خاصة في تلك الحقبة التاريخية المضطربة في المنطقة، فقد تحركت بطريقة مختلفة واجتازت المحنة بأقل الأضرار، في حين احترقت دول “الربيع العربي الدموي” الأخرى، ودمرت مقدراتها وسقطت في فوضى عميقة، ودخلت في خانة الدول الفاشلة.

لم يرد البوعزيزي أن يفجر ثورة أو أن يحدث تغييرا، لقد مات قهرا بطريقة مجلجلة ومأساوية، أما ذلك “الربيع العربي” فهو لم يحدث تغييرا جذريا في النخب في أي مكان حل به، ولم يتحقق أي نصر على الفساد، ولم يرصد تحسن ملموس في الحالة الاجتماعية الاقتصادية، وبقيت الحريات أيضا على حالها في تلك الدول التي انقلبت فيها الأوضاع رأسا على عقب.

المصدر: روسيا اليوم

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد