الزعيم المتحور
محمد بوبكري- آيات المنافقين ثلاث. ولعلها أقبحها خيانة العهود، التي صارت علامة زعيم الاتحاد الاشتراكي بل وميزته التي لا يذكر بغيرها، حتى إن صحافيين نعتوه “بالكاذب الأول” عوض الكاتب الأول.
في الماضي القريب قطع”زعيم” حزب الاتحاد الاشتراكي” وعدا بأنه غير معني بالترشح للكتابة الأولى، أمام الكاميرات وعشرات الصحافيين، مقدما نفسه في لبوس المتعفف عن الاستمرار في المنصب الذي ظل فيه لمدة عشر سنوات، لكنه فاجأ الجميع وكأنه فيروس متحور ليطل من نافذة تغيير النظام الأساسي معلنا عن خيانة عهده.
ولتكتمل هذه المسرحية المتهافتة، ساق برلمانيي الحزب ممن وفد قسرا على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لمطالبته بالبقاء، وهي مسرحية تشبه لحد كبير ما كان يمارسه بعض الطغاة في الشرق الأوسط، الذين يعلنون عن رغبة كاذبة في الاستقالة، ودفع أزلامهم للخروج إلى الشارع للمطالبة بالتشبث باستمرارهم، والظهور بمظهر ” القائد الضرورة”، الذي لا يمكن للتاريخ الاستغناء عنه، لكن دروس التاريخ مفيدة أيضا لتذكير زعيم الاتحاد أن تسخير النصوص والأتباع تعطشا للمناصب، قد ينقلب ضد صاحبه، ويصبح النص الخادم، والتابع الوفي قيدا في المستقبل وسبيلا للاندحار وطريقا للدمار.
لقد عاش الاتحاديون “عشرية سوداء” طردت فيها الأغلبية الساحقة من المناضلين، وسهل المحتلون الجدد كل السبل للاستيلاء على الحزب، وصار الاتحاد الاشتراكي رهينة بين يدي “الزعيم” الذي يسيير الكبيرة والصغيرة داخل التنظيم، من القرار السياسي الحزبي إلى مرحاض في فرع منسي، ولا يملك أحد سلطة أي قرار ما لم يكن رضا الزعيم معه، وصار الكل يتغنى بأغنية واحدة تمجد الزعامة وتطيل في عمرها وتغير لذلك المقررات التنظيمية وتضرب عرض الحائط كل القوانين والأعراف.
المشهد اليوم في الاتحاد الاشتراكي غير مسبوق بالمرة وجسد الاتحاد عليل منهك متعب، لأن الحزب تم تدجينه وإخراس أصواته النبيلة خدمة لأرصدة الزعيم وأقصد أرصدته البنكية لا أرصدته النضالية والفكرية، فلم يخف زعيم الاتحاديين يوما ما تعطشه الكبير للسلطة، واستغل هذه المناسبة لتذكيره بما حدثني به يوما من الأيام من أنه قادر على تولي مهمة وزير وعمدة ورئيس فريق عندما نبهته لتعدد المسؤوليات التي يتولاها.
ولا حاجة لي بتذكير زعيم الاتحاديين أنه كان يسترخص كل شيء في سبيل المصالح والمناصب، فحين غابت المناصب وضاق سبيل الحصول عليها، لم يجد الزعيم سوى شبيبته التي وجهها نحو التصويت لصالح فوز جهبة البوليساريو بنيابة رئاسة شبيبة الأممية الاشتراكية، حتى وهو الآن يخطب في مواليه وبطول نفس عن القضية الوطنية وأنها القضية الأولى للاتحاد الاشتراكي، والحال أن ترافعه عن هذه القضية يقارب العدم في علاقاته بالأحزاب الاشتراكية العالمية.
السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الفترة التي تسبق المؤتمر الوطني للحزب، مطروح على زعيم الاتحاد “السوبرمان” أي أمر يهابه ويخشاه في حال الاكتفاء بولايتين عوض الرغبة في التمديد؟ ودعني أجيب بدلا عنك يا زعيم وبكلمة واحدة لا ثاني لها إنك تخشى “الضياع”.
الضياع الذي كنت سببا فيه لمناضلين نبلاء، والضياع الذي سببته لتاريخ حزب وطني كبير، والضياع الذي سببته لمرجعية متنورة، خدمة لأنانية متدنية، إنك تخشى التاريخ يا زعيم، والتاريخ غير رحيم بأمثالك فلا فضل يذكر لك وتذكر أن من يمجدون صنيعك اليوم هم مشروع عدوك غدا وإن غدا لناظره لقريب.
التاريخ لا يرحم يا زعيم وخير لك أن ترحل، وأن لا تضاعف السواد من حولنا، وأن لاتضاعف التيه والضياع الذي يعيشه أبناء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فيكفيهم عشرية سوداء واحدة قضيتها حابسا أنفاسهم، وكاتما صوتهم، ومختصر القول إنك لست قدرا مسلطا فوق الرؤوس.
الاتحاد الاشتراكي موروث المغاربة قاطبة، وإرث نضال شعب كامل، ومخزي أن يلوح أتباع زعيم الاتحاديين أن شأن الحزب يعني الاتحاديين وحدهم وأي اتحاديين هؤلاء؟ الأتباع والموالون، وعلى من يريد أن يجعل من المؤتمر الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حفلة “باربيوكيو” يستدعى المقربون فهو مخطئ، ومذنب في حق الاتحاد وفي حق الوطن، فبأي حق يريد زعيم الاتحاد وأتباعه تهريب مؤتمر بعيدا عن رقابة المغاربة وعن أعينهم وعن بصائرهم؟
الاتحاد شأن المغاربة، وشأن الاتحاد من شؤون المغاربة ومن همومهم ولا حاجة لتذكير الزعيم بما كان للاتحاد من مكانة في قلب كل مغربي رأى فيه المعتنق والسبيل نحو الحرية ونحو الكرامة، حينها يا زعيم لم يكن القادة يفكرون في تمديد ولايتهم وسلطهم وأرصدتهم، وتسلطهم، فقابلهم الناس بالحب وقابلهم التاريخ بالجميل وقابلهم بلدهم بالعرفان بالتضحيات.
الرحيل خير لك وخير لنا وخير للاتحاد وخير لتاريخ هذا الوطن الأبي، نحن نسألك هذا الرحيل ونسألك أن تكتفي وأن تقول لنفسك قبل غيرك “يكفني ما فعلت بهذا الحزب ويكفيني ما راكمت على ظهر هذا الحزب، ويكفيني ما أضعت من تاريخ هذا الحزب”.
مرشح الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي