محمد القاسمي: الحكم ضد المهداوي إشارة مقلقة حول مسار الدولة


حينما قرأتُ حكم المحكمة الابتدائية بالرباط، شعرتُ بمشاعر مختلطة تجتاحني، مشاعر تأثرت بها بشكل عميق، لأن هذا الحكم ضد الصحفي حميد المهداوي يعيدني إلى جراح الماضي التي كنتُ أظنها قد اندملت، الحكم الصادر، الذي قضى بسجنه سنة ونصف حبسا نافذاً، وغرامة 150 مليون سنتيم لصالح وزير العدل، ليس مجرد حكم قانوني، بل هو فصلٌ جديد في قصة مريرة من الظلم الذي يطال كل من يرفع صوته ضد الظلم، ومن بين هذه المشاعر، خلطٌ من الأسى والغضب والحيرة: أسى على حال وطننا، وغضب من محاولة إسكات الصحفيين، وحيرة تجاه ما يحدث في هذا البلد الذي يخوض صراعًا داخليًا بين اتجاه يريد إصلاح الأوضاع، وآخر يحاول العودة بنا إلى الوراء، إلى زمن القمع وتكميم الأفواه.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    إن حكم اليوم ليس مجرد قضية حميد المهداوي، بل هو صرخة في وجه العدالة في هذا الوطن، كيف لبلدٍ يسعى نحو التحديث والإصلاح، على رأسه ملكٌ يحاول إصلاح الأوضاع، أن يسمح بهكذا أحكام تهدف إلى ترهيب الصحفيين؟ كيف يمكن أن نسير على درب الحقوق والحريات، بينما هناك تيارٌ داخل الدولة يعارض هذا المسار، ويصر على إخراس أي صوت يسعى لإظهار الحقيقة؟

    اليوم، نحن أمام مفترق طرق، فهناك اتجاه داخل الدولة، بقيادة الملك محمد السادس، الذي يسعى جاهداً لإصلاح الأوضاع في البلاد، ويؤمن بأن الإصلاحات التي بدأها ستُعيد للمملكة مكانتها على الساحة الدولية، الملك يسعى جاهداً لتعزيز حقوق الإنسان والعدالة، وهو يؤمن بأن المغرب بحاجة إلى تعزيز الحريات العامة والشفافية، لكن، في المقابل، هناك تيار آخر داخل المؤسسة السياسية، القضائية وحتى الحكومية، يسعى للحد من هذه الإصلاحات، ويشعر أن إحداث إصلاحات حقيقية قد يهدد سلطته أو قد يُفضي إلى تقليص نفوذه.

    إن هذا الحكم ضد حميد المهداوي لا يُعبّر فقط عن الاستهداف الفردي لأحد الصحفيين، بل عن إشارة مقلقة حول مسار الدولة بشكل عام، فكيف يمكن لوزير العدل، وهو الذي من المفترض أن يكون رمزاً للعدالة، أن يصبح جزءًا من هذه اللعبة القذرة التي تروج للظلم وتخنق حرية التعبير؟ كيف يمكن أن نتصور أن المسؤول عن العدالة في بلادنا، بدلاً من تعزيز قيم المساواة والعدالة، يصبح جزءًا من آلة القمع التي تسعى إلى تكميم أفواه الصحفيين والمواطنين على حد سواء؟

    يجب أن نتساءل جميعًا عن مستقبل هذه البلاد: هل سنستمر في التراجع نحو الوراء، حيث تكون الدولة مجرد آلة تقمع كل صوت معارض؟ أم أن المغرب سيظل متمسكًا بتطلعاته نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ إن حرية الصحافة ليست مجرد رفاهية، بل هي أساس من أسس الدولة العادلة، كما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير: “قد أختلف معك في الرأي، لكنني مستعد أن أموت دفاعًا عن حقك في التعبير عن رأيك”، هذه الكلمات يجب أن تبقى محفورة في عقولنا، لأنها تعكس المعنى الحقيقي للعدالة.

    إن محاكمة حميد المهداوي تذكرني بمراحل من حياتي الخاصة، عندما سُجنت في ظروف مشابهة، حينما حاولت أن أرفع صوتي ضد الظلم، لا أستطيع إلا أن أرى في هذه المحاكمة تكرارًا لمآسٍ نعيشها جميعًا في هذا الوطن، حكم اليوم ضد المهداوي ليس مجرد قضية صحفي واحد، بل هو اختبار حقيقي لمستقبل هذا الوطن، هل نحن شعبٌ يعتقد في حرية التعبير، أم أن مصيرنا هو السكوت والخضوع؟

    - إشهار -

    اليوم، بينما تسعى القوى الإصلاحية نحو بناء مغرب أفضل، تواصل بعض القوى داخل الدولة سعيها لخلق مناخ من الفزع والترهيب، وذلك عبر استهداف الصحفيين الذين لا يخشون قول الحقيقة، لكن، كما قال الشاعر العربي نزار قباني: “لن يُسكتوني، رغم كل السجون”، فإن الصحافة الحرة ستظل هي الحارس الأمين للعدالة والحقيقة، ولن تستطيع أي سلطة قمعها أو تكميمها،

    إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط التنديد بهذا الحكم، بل ضرورة أن يُصَحِّحَ القضاء هذا المسار الجائر، لأن هذا الحكم لا يمثل فقط تهديدًا لحريات الصحافة في المغرب، بل يمثل تهديدًا لمستقبلنا جميعًا في بناء وطن ديمقراطي حقيقي يحترم حقوق الإنسان، إن الأمل ما زال موجودًا، ولنا في محكمة الاستئناف الأمل الكبير في تصحيح هذا الظلم، وأن ينتصر القضاء للعدالة والحرية.

    أبعث تضامني العميق مع الصحفي حميد المهداوي، الذي يقف اليوم أمام حُكْمٍ ظالم، يجسّد محاولة لإسكات صوته الحر، إنني، وقد خبرتُ وجع العدالة حين تُختزل إلى سوطٍ مسلط على كل من يرفع صوته بالحقيقة، أستشعر ما يعانيه المهداوي في لحظات كهذه، حين يُثقل الحكم روح الإنسان قبل أن يُثقل جسده، وكما قال محمود درويش، “الظلم لا يحتاج إلى قوة، بل إلى ضعف الضحية”، أقول له، ليكن إيمانك أقوى من الظلم، وأنتَ الذي لم يعرف قلبك الانكسار.

    بقلم : محمد القاسمي (صحافي معتقل سابق)

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد