حقوق المرأة ؟.. توعية الإنسان أولاً
لا أحد سيكون ضد حق المرأة في التعبير و الملكية و المشاركة في التسيير، بدءا بشؤون مؤسسة الأسرة و الشؤون العامة المدنية و السياسية، سوى من لا يواكب تطورات المجتمع و العالم، هذا الأخير المحكوم عليه بالتغير حيث كل شيء يتغير فيه إلا مبدأ التغيير.
و بما أن التغيير لا مناص منه، فالعهدة تبقى على أن يكون إيجابيا و منصفا من أجل الإرتقاء بالفرد و المجتمع على حد السواء.
حقق المغرب خطوات مهمة من أجل إنصاف المرأة منذ إرساء مدونة الأسرة، و لكن هذا لم يمر آنذاك دون ضجة و عدم تقبل من الوعي الجمعي “الذكوري” إن صح التعبير، و الملاحظ أن هذا الإعتراض لم يأت عبثا، بل هو صدى التفاوتات الإقتصادية و التعليمية العمودية التي ما زال المجتمع المغربي ( رجلا و امرأة) يرزح تحت نقمتها، و يبدو واضحا أنه لو تبعت المدونة أوراشا فعلية من أجل تجاوز هذه التفاوتات الإقتصادية و خصوصا التعليمية و التثقيفية لكان للمدونة أثرا إيجابيا على المجتمع، لكن و الحال لم يكن كذلك، أصبح المجتمع مقسم إلى “عالم الرجل ” و “عالم المرأة ” في تنافر و تناقض وهمي لا صلة له بأصل الإشكال، مما أدى كحتمية واضحة لظاهرة الطلاق و التي ينجم عنها كوارث مجتمعية عديدة تعيد إنتاج نفس الظواهر الإجتماعية الطالحة.
نعود الآن و نتحدث عن تجليات هذه التناقضات العمودية على المستوى الميكرو اجتماعي الأفقي” بين الرجل و المرأة “، فالمرأة و بحكم أنها مقموعة و بشكل أكثر حدة في مجتمعات العالم الثالث، تلجأ إلى حيل و تمويهات من أجل إثبات ذاتها في مجتمع ذكوري متسلط، و يتجلى هذا في إعطاءها ” للجسد ” أهمية كبيرة عبر توفير مدة طويلة لهذا ” الجسد “، و الذي تستعمله كسمعة تجارية ” Fonds de commerce ” من أجل تحقيق طموحاتها الشخصية.
هنا، و رغم ادعاء الرجل الذكوري أنه ضدها يقع فريسة لهذا ” الجسد ” فيصبح معها و مفرطا في المعية، و ينوضح هذا بشكل جلي في التوظيفات و التشغيل و المناصب و “قضاء الأغراض ” كإكمال التعليم في “الدراسات المعمقة ” و ذلك في خرق سافر لمبدأ الكفاءة و المساواة و الإنصاف، فينقلب المجتمع الذكوري في “اسكيزوفرينية” فائقة التناقض ” ضد المرأة و معها في نفس الوقت” و في الحالتين معا يناقض مبدأ المساواة و الإنصاف، فيصبح الرجل الذكوري مرة مع المرأة ضد الرجل تبعا لمبدأ اللذة الفرويدي؛ و تارة مع الرجل و ضد المرأة فيما يخص التشارك في التسيير و الرأي تبعا للتفوق التسلطي بمنطق آدلر.
و بالتالي فالمجتمع ليس ذكوريا بمنطق أنه دائما ضد المرأة كما تقول بعض النسويات، بل تستفيد الكثير من النساء من هذا الوضع الذكوري في الكثير من الأحيان ضدا في حق الرجل، و خصوصا في مجتمعات لم تصل بعد إلى دمقرطة فعلية و تنوير مجتمعي سائد.
الجسد لا يتطلب ” قوة عمل ” أو ما يصطلح عليه ب”تاممارا” في الدارج المغربي، و رغم ذلك له تأثير عميق في العلاقات الإجتماعية المفروض على النساء دخولها من أجل “البقاء” أو من أجل ” إثبات الذات “، و هذا ينجلي بشكل كبير في المجتمعات التي ركنت العقل جانبا و جمدته لسنين طويلة كما يوضح المفكر ” الجابري “.
و على قول سيمون دوبوفوار ” لا تولد المرأة امرأة بل تصبحها”، فأيضا ” لا يولد الرجل رجلا، بل يصبحه”، يصبحه تبعا للإقتصاد و الثقافة السائدة و القوالب المجتمعية التي تحد من إمكانياته العقلية و العملية، فيصبح مرة ضد المرأة و مرة معها، و في كلتا الحالتين يكون مجحفا.
و من خلال ما تقدم، فالدفاع عن المرأة هو دفاع عن الرجل و الدفاع عن الرجل هو دفاع عن المرأة، هو دفاع عن الإنسان الذي لن يكتمل و لا معنى له إلا بالإثنين معا، هو تربية الإنسان أولا على أسس عقلانية و تنويرية و معرفة أن لا صراع حقيقي بينهما، كما تحاول بعض النسويات “المغاليات” إظهاره أو بعض الإسلاميين المتشددين تثبيته، و التنافر بين الإثنين غير موجود إلا في عقل ساكن لا يواكب تحولات العصر و تغيرات الوضعيات المجتمعية البالغة التعقيد و الغموض أحيانا.