من المستهدف الأول بتعديل المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية ؟؟؟


إن القسم الذي أداه السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي أمام لجنة العدل و التشريع بمجلس النواب حول عزمه عدم إدخال أي تعديل على المادة 3 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية لا يستهدف به جمعيات حماية المال العام كما يتوهم البعض ، بل يستهدف القضاء ممثلا في النيابة العامة و قضاة التحقيق. فجمعيات حماية المال لم تكن لها أصلا الصلاحية لمتابعة مرتكبي الجرائم التي تطال المال العام بل كل ما كانت تتوفر عليه هو حق تقديم الشكايات بشأنها إلى النيابة العامة المختصة التي لها أن تفتح بشأنها بحثا تمهيديا أو تقوم بحفظها دون إجراء أي بحث. أي أن المادة 3 من المشروع لم تتنزع من هاته الجمعيات شيئا ذا بال. لكن من تم انتزاع صلاحياته الأصيلة في إجراء الأبحاث التمهيدية و التحقيق و تسطير المتابعات هما النيابة العامة و قضاة التحقيق. فهؤلاء بعدما كانوا يمارسون سلطاتهم القانونية في البحث و التحقيق و المتابعة في جميع الجرائم دون قيود ، لن يكون بمقدورهم في حالة المصادقة على المادة المذكورة على حالتها الواردة في المشروع ممارسة اختصاصاتهم العادية تجاه مرتكبي الجرائم التي تمس المال العام إلا بعد التوصل بتقارير من المجلس الأعلى للحسابات أو من بعض الجهات الإدارية بعينها . إذن من المتضرر الأكبر من التعديل الذي سيلحق المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية؟ هل هو جمعيات حماية المال العام أم القضاء ممثلا في النيابة العامة و قضاة التحقيق؟

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    الجواب واضح و لا يحتاج كثيرا من التفكير. فالنيابة العامة و قضاة التحقيق ستتقلص سلطاتهم و لن تشمل – في حالة المصادقة على هاته المادة كما هي في المشروع -الجرائم التي تمس المال العام و التي ستصبح خاضعة لامتياز إجرائي استثنائي يتمثل في خلق قيد غريب على سلطاتهم سيغل أياديهم في التحرك حتى و لو توافرت لهم كل وسائل الإثبات ضد مختلسي و ناهبي المال العام. و لهذا نرى أن تحريف النقاش من طرف وزير العدل في كل مناسبة حول ابتزاز الجمعيات للمشتبه فيهم باختلاس المال العام ليس سوى وسيلة لذر الرماد في العيون من أجل التغطية على الاعتداء الفظيع الذي سيلحق باختصاصات السلطة القضائية بكل مكوناتها في تطبيق القانون الجنائي على جميع المواطنين تطبيقا لمبدإ المساواة أمام القانون الذي ينص عليه الفصل السادس من الدستور و خاصة بعد استقلال السلطة القضائية و خروج النيابة العامة من وصاية وزارة العدل الأمر الذي ساهم في تصاعد عدد ملفات مرتكبي جرائم المال الذين تمت إحالتهم على القضاء و هو الأمر الذي لم يكن محسوبا لدى بعض السياسيين الطامعين في المال العام .
    إن الاتجاه الذي يسير فيه وزير العدل و من يحركه في الكواليس سيجعل مختلسي المال العام في منآى تام عن أعين قضاة النيابة العامة و قضاة التحقيق إلا إذا طلب منهم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض القيام بالأبحاث بعدما يتوصل بإحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو بطلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها. أي أن أمر القيام بإجراء الأبحاث و التحقيقات و المتابعات لمرتكبي الجرائم ضد المال العام يبقى في المقام الأول بيد جهات إدارية و سياسية و ليس بيد القضاء كسلطة مستقلة عن الإدارة و الأحزاب كما هو معمول به في باقي الجرائم و في كل دول العالم. و هو منحى خطير جدا و يبدو أنه قريب من التحقق في ظل الصمت المطبق للأحزاب أغلبية و معارضة و النقابات و جمعيات المجتمع المدني.

    - إشهار -

    أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد