اليماني يكتب.. الحد الأدنى القانوني للأجر، بين القانون والواقع
للحد من مظاهر الاستغلال المكثف للقوى العاملة، مع تطور الأنشطة الصناعية في نهاية النصف الثاني من القرن 19، جاء القانون الاجتماعي بالعديد من القواعد القانونية الأمرة، التي لا يمكن الاتفاق على مخالفتها، إلا إن كانت أكثر فائدة للعمال، ومنها تحديد الحد الأدنى للأجور، وغيرها من القواعد ذات الصلة بظروف العمل ومدة العمل والتأمين على حوادث الشغل والامراض المهنية…
ولذلك تضمنت مدونة الشغل في المغرب، في المادة 356 : “لا يمكن أن يقل الحد الأدنى القانوني للأجر، في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية، عن المبالغ التي تحدد بنص تنظيمي، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا”، وجاء في المادة 358 : “يقصد بالحد الأدنى القانوني للأجر القيمة الدنيا المستحقة للأجير، والذي يضمن للأجراء ذوي الدخل الضعيف قدرة شرائية مناسبة لمسايرة تطور مستوى الأسعار والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير المقاولة”.
وبعد المطالبات والمفاوضات الثلاثية، بين النقابات وأرباب العمل والحكومة، صدر المرسوم الحكومي، بتاريخ 3 يناير 2025، وهو المرسم القاضي بتحديد قيمة ساعة العمل في النشاطات غير الفلاحية، في 17.10 درهم وبأثر فاتح يناير 2025 و 93 درهم كأجر يوم عمل في النشاطات الفلاحية وبأثر فاتح أبريل 2025.
وحيث أن عدد ساعات العمل في النشاطات غير الفلاحية، محددة في 191 ساعة، ويعني بأن الأجر الشهري، يعادل 3260 درهم أو 109 درهم في اليوم (30 يوم في الشهر)، وفي النشاطات الفلاحية، يبلغ الأجر الشهري 2418 درهم أو بمتوسط 81 درهم في اليوم.
وإن كانت القوانين في عمقها، تهدف وتحرص على حماية حقوق العمال وتوفير الحد الأدنى في العيش الكريم، فإن الواقع المعاش، لا يمت بصلة إلى المراد من التشريعات، من حيث:
1 – أن السواد الأعظم من العاملات والعمال، في النشاطات الفلاحية والصناعية والتجارية والخدماتية وغيرها، يعملون خارج القانون ولا يشملهم تطبيق القانون، وذلك بعلم ويقين علم السلطات الموكول لها مراقبة تطبيق القانون والحد من الانتشار الرهيب لظاهرة العمل خارج القانون.
2 – أن الحد الأدنى القانوني للأجر والمراد به حسب المشرع، الضمان للأجير الدخل الضعيف والقدرة الشرائية المناسبة لمسايرة تطور مستوى الأسعار، لم يعد له معنى في ظل الأسعار الملتهبة للمواد الأساسية، من بعد حذف الدعم وتحرير الأسعار (الكراء لا أقل من 1500 درهم، الخضر لا تنزل عن متوسط 10 درهم للكيلو، اللحم الأحمر لا يقل عن 100 درهم والابيض عن 20 درهم…).
إن الحديث عن شعار الدولة الاجتماعية وضرورة الحد من أسباب الاحتقان الاجتماعي وتهديد السلم الاجتماعي، في ظل غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية لعموم المواطنين، يتطلب من السلطات المعنية:
• محاربة كل مظاهر العمل خارج القانون، وحمل المخالفين وبقوة القانون للامتثال للنصوص القانونية والوفاء بالالتزامات الاجتماعية وتجريم كل أشكال التهرب من الواجبات الاجتماعية واحترام الحد الأدنى للأجور.
• الرفع من الحد الأدنى للأجور بشكل جدي وحقيقي (دون الحديث عن السكن، فكيف يمكن للعامل لوحده وبدون زوجة ولا أطفال، أن يعيش بـ109 درهم في اليوم ؟)، حتى يتماشى مع تطور الأسعار ومع تراجع الدولة عن مسؤولياتها في توفير المرافق العمومية في الصحة والتعليم وغيرها.
• إعادة النظر في سياسة تحرير الأسعار والأسواق، والعودة لتسقيف الأسعار والتدخل لدعم الأسعار، حتى لا تكبر الفجوة بين مستوى الدخولات والمصاريف اللازمة لضمان الحد الأدنى من النفقات في الأكل والملبس والسكن وغيرها.
والغريب في الأمر، ونحن بصدد المناقشة حول القانون التنظيمي للإضراب، فإن الدعوة لإضراب وطني، من أجل المطالبة بالرفع من الحد الأدنى للأجور، من بعد اعتماد قانون الإضراب، سيكون مخالفا للقانون، لكونه إضراب يناهض سياسة الدولة وليس ذو طبيعة اقتصادية أو مهنية، كما تزعم الحكومة في مزاعمها!.
المحمدية، في 27 يناير 2025
الناشط النقابي / الحسين اليماني