نقطة نظام.. المغرب إلى أين ؟


بقلم: أيمن سلام وعادل البوعمري

 

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    “ليس بالحلم تكون الثورة، وإن كان الحلم شرطاً من شروطها. ومن شروط الثورة أن يتوفر لها وعي متّسق، إليه تستند، وبه تستبق الممكن”؛ المهدي عامل.

     

    لقد آن الأوان للحسم في موقفنا اتجاه ما يجري، وفهم تناقضاتنا وتحركاتنا، والإعتراف بالهزائم المتتالية التي نحياها في صمت، ونضع تنظيماتنا في المكان التي هي عليه، وليس في المكان الذي نود لها أن تكون فيه.

     

    ليس على المواطن حرج، والحرج كل الحرج على الدولة المسؤول الأول على الإغتراب الذي يعيشه المغاربة في وطنهم، تحت ظل نظام رأسمالي تبعي جشع، يموت فيه الانسان وهو حي. والحرج كل الحرج أيضا على تنظيماتنا، وهي المسؤولة على خلق التوازنات في إطار الصراع مع عدونا الطبقي، بأجهزته ومؤسساته وداعميه من قوى الخارج.

     

    لم نختر كتابة ” نقطة نظام “هذه في ذكرى الإنتفاضة المجيدة، “الإنتفاضة الينايرية” أو “انتفاضة الخبز والكرامة” التي عاشها الشعب المغربي سنة 1984، وفقد فيها ألف شهيد وشهيدة، بل إنه السياق الذي يفرض نفسه، سياق النضال والتصدي للمخططات الطبقية، الذي فرض علينا من حيث لا ندري التوضيح وإزالة الشوائب.

     

    إن تزامن هذا السياق مع ذكرى هاته الإنتفاضة، لن يكون إلا سببا في الفهم، ومعطى للتحليل لوضع النقط على الحروف. لذلك سننطلق بكل موضوعية من هاته الذكرى المؤلمة التي قدم فيها مناضلات ومناضلي الشعب المغربي تضحيات جسام، في مطلع الثمانينات حينما انتصر الوعي الجماهيري الشعبي، على سلاح النظام، وأبان قولا وفعلا عن رفضه الخضوع لاملاءات وسياسات المؤسسات المالية الدولية.

     

    ما هي الأوضاع التي كانت تعيشها البلاد قبل وخلال انتفاضة يناير 1984؟

     

    لحسن الحظ أو لسوئه لم نكن حاضرين حينها، وحفاظا على موضوعية هذه المقالة، سنجيب على التساؤل من خلال قلم الكاتب المغربي والمحلل السياسي سعيد الوجاني حول هاته الإنتفاضة، في مقالة له منشورة بموقع الحوار المتمدن.

     

    يفيدنا الوجاني في بسط أوضاع البلاد خلال تلك الحقبة الزمنية، التي عرفت انتفاضات متعددة، من أهمها “انتفاضة الكوميرة” بالدار البيضاء سنة1981، ويبين أنه أكثر من نصف سكان المغرب باتوا حينها يعيشون تحت عتبة الفقر، وأن حجم المديونية على الدولة تضخَّم، فخضعت لبرنامج “تثبيت الأوضاع” الذي تضمنته اتفاقية ” ستاند باي ” مع صندوق النقد الدولي، ومن خلاله تم إلغاء دعم المواد التي يستهلكها أغلب الشعب بشكل يومي، من السكر، الزيت، الطحين، الأرز، البنزين، الزبدة، الغاز والمحروقات، كما تم من خلاله التخطيط للإجهاز على صندوق المقاصة، والزيادة في قيمة وعدد الضرائب والرسوم المخزنية، والرفع من لهيب الأسعار، مراجعة مجانية التعليم ومنح الدراسة وإخضاعها للتقليص.

     

    وعرفت البطالة توسعا كبيرا، شملت آلاف الفلاحين الفقراء ضحايا الجفاف، والسياسة شبه الإقطاعية الطبقية التي أسقطت مداخلهم من الزراعة والمواشي إلى الحضيض، كما شملت أعدادا هائلة من العمال المسرحين في سنة 1983.

     

    إن الشعب المغربي وحالته هاته، بإلاضافة إلى تفشي الفقر المدقع في الأحياء الشعبية، حيث عدد كبير من المواطنين صاروا عاجزين عن تسديد أسعار الكراء، وتميُّز الوضع السياسي بالتضييق على الحريات السياسية والنقابية ضد المناضلين، أفرز لنا هاته التجربة وغيرها من التجارب، التي فقدنا فيها شهداء، قدموا الغالي والنفيس من أجل مغربٍ أفضل، مغربٌ يتسع للجميع ويضمن شروط العيش الكريم. وأي محاولة للنسيان بوعي أو بدونه، هي ضرب في هاته التضحيات وفقدانٌ لمعانيها ومضامينها ونكرانٌ للجميل، يضعنا في خانة الخائنين حتى وإن كانت أفواهنا لا تخلوا من شعارات “الإسقاط” و”التصدي”، فإن نسياننا يحيل لا محالة إلى “المساهمة” و”التطبيع”.

     

    المساهمة في ترك النظام يبسط سيطرته على الجماهير الشعبية، والتطبيع مع العدو في إنزال مخططاته الطبقية، التي تشُلُّ حركية الجماهير، تمتص قُوتَها وتعنف كرامتها وتسلب حريتها.

     

    وحينما يستفيد البعض من “استقرار نسبي” للدولة، فإنهم يعملون بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة، عمّا يعيق ويضلِّل، يقوِّض ويعيد.

     

     

    يعيق تفعيل الآلية التنظيمية للجماهير الشعبية، ويضلل حقيقة واقعها المرير، يقوِّض (يُهدِّم هدمًا شديدا) تنظيماتها من الداخل، ويعيد إنتاج نفس النمط، وبالتالي تفريغها من مضامينها، وكبح طموحاتها وتطلعاتها.

     

    “نظام يجند الشعب لقتل نفسه بيده”

     

    لحسن الحظ لا لسوئه أننا حاضران وشاهدان على ما تعيشه بلادنا اليوم، بصدد مقاربة أوضاع الماضي بأوضاع الحاضر. الواقع يعرفه الجميع ولا يخفى على أحد، لكن وعيا منا بصعوبة الإجابة عن سؤال؛ ما الذي تعيشه بلادنا اليوم من الأوضاع التي عاشتها قبيل سخط الجماهير في مطلع الثمانينات؟ سنحاول أن لا نكون جازمين أو فارضين رؤيتنا.

     

    تملصت الدولة من مسؤوليتها، من خلال الضرب في القدرة الشرائية للمواطنين، بزيادة  مهولة في الأسعار، نتيجة رفع يدها على مجمل ومختلف المواد الغذائية واللحوم والخضروات والمحروقات، مما يُصعِّب حياة ملايين المغاربة.

     

    المندوبية السامية للتخطيط ذكرت أن 90,2% من الأسر لم تُصرِّح بقدرتها على الادّخار. طبيعي في دولة أغرقت نفسها _تحت سلطة المؤسسات المالية الدولية_ في المديونية، والتي بلغت 69 مليار دولار، أي نصف دخلها القومي.

     

    هكذا اذن، المديونية لا تأتي إلا بالمديونية “والشعب يْخلّص”، من قوته وصحته وتعليمه ومن كل حقوقه ومكتسباته “الشعب يْخلّص”.  يملي صندوق النقد الدولي (FMI) إملاءاته التي تخدم الإمبرياليات العالمية، وتخول لشركات متعددة الجنسيات، أن تستفيد من ثرواتنا كل شيء ولا نستفيد منها نحن أي شيء، عبر اتفاقيات التبادل الحر وإلغاء الحواجز أمام دخول السلع والرساميل الأجنبية وترحيل الأرباح وتفويت المنشآت العمومية الاستراتيجية، وتكييف القوانين مع متطلبات السوق الاقتصادية العالمية.

     

    حتى الماء وهو أكثر الموارد الطبيعية أهمية، يتم استغلاله أو ترحيله عبر الخضر والفواكه، بكميات كبيرة من المغرب إلى “إسرائيل” واسبانيا وفرنسا..الخ.

     

    وحتى لا ننسى معارك التاريخ البطولية، حراك فجيج ورفض الساكنة اتفاقية تفويت الماء لشركة الشرف للتوزيع، معركة “الأرض والماء” بمنطقة إيمضر، التي خاض سكانها أطول اعتصام في تاريخ المغرب، تسع سنوات من صمود أطفال ونساء ورجال المنطقة في قمة جبل ألبَّان، احتجاجا على استنزاف الفرشة المائية من طرف شركة معادن إميضر.

     

    يشتغل الفلاحون بتسعة دراهم أو أقل في الساعة، منهم مَن يتم تسريحهم مِن مختلف الضيعات والمزارع في صمت، وفي تغييب للحقوق والقوانين، وأدنى شروط السلامة الجسدية والنفسية. ونفس الواقع يعيشه العمال في أحياء صناعية لا تتجاوز الأجرة فيها 12 درهما ونصف. ونذكر بمعركة الصامدات “عاملات سيكوميك” التي استمرت لأزيد من أربع سنوات، بعد هضم حقوقهن بلا رحمة ولا شفقة.

     

    وحسب الإحصاء الرسمي العام الأخير، فقد بلغت نسبة المعطلين من مجموع الساكنة النشيطة 21 في المئة، وهي نسبة لا تُشرِّف ولا تُفرح، مع العلم أن هذا الإحصاء يُعرِّف كل مواطن اشتغل ليوم واحد فقط في الأسبوع الذي يسبق انطلاق الإحصاء؛ مواطن غير معطل.

     

    أحياء شعبية يتم هدمها، وتشريد سكانها، وإن حصل تعويضهم، فإنهم يجدون أنفسهم داخل منازل ضيّقة وتجمعات سكنية تُنسى وتُهمش مع مرور الوقت.

     

    ضحايا الكوارث الطبيعية بين الحوز وطاطا، لا بديل لهم عن الخيام في الشتاء والصيف، دون محاولة جدية عملية تُسَرِّع في بناء منازل تأويهم، وتُراعي شعور فقدانهم للاستقرار والأحباب والأصحاب.

     

    وبخصوص الحريات السياسية والنقابية، فإننا وبأسف شديدٍ نراقب توالي الاعتقالات السياسية، واعتقالات الرأي، تفاقم الهجمة المخزنية على الحقوق والحريات، والتي اعتبرت شبيبة اليسار الديمقراطي في بيان أخير لها، تفاقم الردة الحقوقية والاعتداء على الحريات والحقوق الأساسية الذي تشهده البلاد، مؤشرا خطيرا على تراجع مؤسسات الدولة عن الاضطلاع بمهامها في مجال صون الحقوق والحريات.

     

    تم مؤخرا اعتقال العديد من المواطنين، نجد من بينهم رئيس تنسيقية ضحايا زلزال الحوز، بعد مطالبته بتعويضات مناسبة للمتضررين، بالإضافة إلى مجموعة من النشطاء في تنسيقية ضحايا فيضانات طاطا.

    تضييق ممنهج على مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمختلف المواقع الجامعية، وعلى مناضلي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، وكذلك على الجمعية المغربية لحقوق الانسان، “ملف سوق السبت” على سبيل المثال لا الحصر، نجد كل من الرفاق مروان صمودي  ووراد صالح والمهدي سابق أنهم تعرضوا لمتابعة قضائية بتهم واهية، تم على إثرها إصدار حكم يقضي بالحبس 6 أشهر موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 3000 درهم، مع تعويض مالي ضخم قدره 50,000 درهم لقائد الدرك الملكي.

     

    - إشهار -

    كما يتعرض مناضلو الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إلى أحكام جائرة،   ب 6 أشهر موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 2000 درهم، وبسنة حبسا نافذا على اسماعيل غزاوي و 5000 درهم غرامة مالية.

     

    عقوبات قاسية، رغم أن مطالبهم كانت عادلة وسلمية مشروعة، تجسد وقوف شعبنا بجانب القضية الفلسطينية ورفضه كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

     

    وفي لحظة تحرير هاته المقالة؛ بلغنا الحكم الصادر في حق الرفاق مناضلي الحركة الطلابية بموقع تطوان بثلاثة أشهر نافذة. ومرور جلسة من جلسات محاكمة وزير حقوق الإنسان السابق، النقيب والمحامي البالغ من العمر 84 عاما “محمد زيان”.

     

    كانت هذه محاولة لمقاربة الأوضاع بين الأمس واليوم، ويظهر بشكل جلي وواضح استمرار مآسي الماضي إلى يومنا هذا، استمرار القهر والاضطهاد والظلم، والإجهاز على مكتسبات شعبنا، بل تَعمّق الأمر وأخذ يتجذر ويتوسع بتلاوين مختلفة.

     

    فما العمل الذي تقوم به التنظيمات السياسية والنقابية من أجل التصدي لكل هاته التجاوزات؟

     

    إذا كانت الدولة واضحة في ممارساتها، وتكشر على أنيابها كلما سنحت لها الفرصة، فإن تنظيماتنا لم تعد بذلك الوضوح اللازم في عملها وممارساتها. لم نعد نستوعب هذا الفارق الكبير الحاصل بين النظرية والممارسة، والذي يجعل من الصراع مجرد حلم، لا يكاد يتجاوز مخيلتنا، وبات كل ما نعرفه هو أننا لا نعرف شيئا، وكل ما نفهمه هو أننا لا نفهم شيئا، وكل ما نحاول من أجله هو أننا لا نحاول أبدًا.

     

    إننا حقا لا نحاول الدفاع بشكل ملموس عن حقوقنا، ولا نحاول التغيير بشكل ملموس مع رفاقنا، ولا نحاول الصراع بشكل ملموس ضد عدونا، ولا نحاول الوقوف بشكل ملموس ضد كل أشكال الظلم والاضطهاد بجانب شعبنا. وصارت أهم طموحاتنا أن يُخلِّص كل فرد نفسه، ويغير من واقعه بمعزل عن الجميع.

     

    إن تنظيماتنا اليسارية الديمقراطية والتقدمية ، عليها اليوم أن تعترف بالهزائم، لا من منطلق الفهم الذي يفيد الفشل والإستسلام، وإنما من منطلق الفهم الذي يفيد النقد الذاتي والبحث عن سبل تحسين التنظيم من حيث النظرية والممارسة معا.

     

    إن المعلم لينين قد حذّر البلاشفة في هذا السياق قائلا: “لا تخشو الإعتراف بالهزيمة، وتعلَّموا من تجربتها، وأعيدو عمل ما ساء تنفيذه، بشكل أكثر دقّة وأكثر حذراً وأكثر منطقية. وإذا سلَّمنا بالنظرة التي تفيد بأنّ الإعتراف بالهزيمة يستدعي -كتسليمٍ بالواقع- الكآبة وضعف الطاقة في النضال، لتوجَّب علينا القول إن مثل هؤلاء الثوار لا قيمة لهم.. وإنّ قوّتنا كانت وستبقى متمثلة فى أننا نحسب الحساب بوعي مطلق لأقسى أنواع الهزائم، ونأخذ من تجربتها عبرة، بخصوص ما ينبغي استبداله فى نشاطنا. ولهذا ينبغي أن نتحدث بصراحة، وهذا الأمر هام، ليس فقط من الناحية النظرية، بل أيضاً من الجانب العملي”.

     

    ولأن “مناضلينا الأعزاء” صاروا يبدعون في التخوين والتحريض على الذوات المناضلة بحق أكثر من التنظيم والتحريض على أعدائنا الطبقيين، فإن مقالة كهذه ستجد حتما رفضا من “الثوار جدا” أصحابنا “الحالمين بالتغيير”، وستجد صداها في قلب القابضين على الجمر والغيورين على الفكر الإشتراكي بكل مختبراته الفلسفية والتاريخية.

     

    ولجعل من “يحلم” يستوعب ما يحدث، سنعيد قراءة تفاصيل آخر الأحداث، دون أي نية في تقزيمهم أو تركهم يتخلون عن حلمهم، وعيا منا بما قاله مهدي عامل: على أنه ليس بالحلم تكون الثورة، وإن كان الحلم شرطاً من شروطها.

     

    بداية بآخر حدث وهو المسيرة التي دعت إليها الجبهتان؛ “الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد” و”جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب”، وإن دلّ تأسيس جبهتان للدفاع عن نفس الحق على شيء، فإنه يدل على الانقسام والتشرذم الذي تعيشه الشغيلة تنظيميا، ورغم ذلك فإننا سنتجاوز هذا الأمر، لنصل حد البعد الذي من شأنه توضيح غياب المحاولة في الدفاع والتغيير والصراع والوقوف ضد المخططات الطبقية اللاشعبية واللاديمقراطية.

     

    كتب المعتقل السياسي السابق “حسن أحراث” في صفحته على الفايسبوك (في بداية شهر دجنبر) مقالة بعنوان “حاميها حراميها”، حول تأسيس جبهة التصدي لقانون الإضراب، يقول فيها:”إن النظام القائم “يُحوِّل” بقدرته الدَّمَ إلى ماء، والصديق إلى عدوّ، والعدُو إلى صديق” وصدق في رؤيته هاته، التي أكدها هو قبل أن نؤكدها لكم نحن في هاته المقالة، من خلال التفاصيل التالية:

     

    أولا: سمحت المركزيات النقابية للحكومة بالتوغل فيما يتعلق بتمرير مجموعة من القوانين المتعلقة بالشّغل، ونخص بالذكر اتفاق أبريل 2022 واتفاق أبريل 2024، وقعتهما مع الحكومة وأرباب العمل.

     

    بالإضافة إلى تمرير مجموعة من القوانين تزحف على مكتسبات الشغيلة في العشر سنوات الأخيرة، بدون ردود أفعال تكبح هذا الزحف.

     

    ثانيا: لم تعمل المركزيات النقابية على برنامج عمل نضالي، يتزامن مع المصادقة وتمرير قانون الإضراب. والمسيرة الوطنية الأخيرة تأخرت عن الموعد الذي من المفروض أن تكون فيه.

     

    ثالثا: الدعوة إلى المسيرة الوطنية في يوم الأحد يوم عطلة، دليل على عدم القدرة على الإضراب أصلا، هذا إن لم نقل أن الوضع كان ولا يزال يستلزم برنامجا نضاليا شجاعا، قد يصل إلى أسبوع من الإضراب عن العمل.

     

    رابعا: لم تتجاوز المسيرة البعد الرمزي، سواء من حيث العدد أو من حيث الشعارات أو من حيث اللافتات المرفوعة.

     

    خامسا: حضور نقابة تنتمي لحزب كان بالأمس القريب آلية لتمرير هذه المخططات الطبقية، في تغييب تام للذاكرة، وفي مشهد يدل على المسامحة والتصالح.

     

    أين الخلل؟ وما العمل والبديل؟

     

    إنه لمن الغباء أن نوجه أصابع الإتهام للجماهير الشعبية، التي تتقاتل من أجل القوت اليومي، ولم تعد قادرة على الإضراب ليوم واحد من العمل دفاعا عن حقها في الإضراب. وإنه لمن الصعب توجيه أصابع الإتهام للتنظيمات النقابية والسياسية، والتي تعد مكتسبا تاريخيا لشعبنا وآلياته الوحيدة من أجل توحيد الصفوف. فأين يكمن الخلل اذن؟ وهل نختار الصمت والنسيان والتجاوز؟

     

    بكل حب وأمل في تنظيم أقوى وغد أفضل، سنحصر الخلل في التنظيم، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الجماهير جزء لا يتجزأ منه.

     

    فلينزع كل منّا العصّابة من أعينه، ويصالح نفسه بلا تردد أو خوف (مبدئي) على التنظيم، ويقول “إن قياداتنا هي الخلل، هي التي تساعد النظام على تكييفنا مع ما يخدم مصالح البورجوازية”.

     

    لا يمكننا السير إلى الإمام بثباتنا على ما نحن عليه، فمن الغباء أن يقرر المرء الصراع مع النظام القائم، بينما لا يملك القدرة حتى على مصالحة نفسه، وتقديم نقد بناء للقيادات التي صارت تمتص غضب الجماهير بما يخدم استقرار مصالحها ومواقعها، وما يخدم نهج الدولة المخزنية وبنيتها السرية.

     

    إن العمل المطلوب، هو تقوية هاته الأجساد (التنظيمات) من الداخل، وتحريك أعضائها من مكانها، والحسم مع الجمود العقائدي الذي تركنا نظهر بمظهر الأصوليين الرجعيين، يهتفون بالتقدمية والديمقراطية والحداثة، وربما يكون هذا سببا وجيها إذا صرنا نظهر بمظهر “الحمقى”، مجانينٌ يتحدثون بما لا يفعلون.

     

    وخلال تجربتنا من الداخل، تعرضنا لما تعرضنا له من إقصاء داخل تنظيماتنا، في الوقت الذي ندافع فيه بكل ما أوتينا من جهد وغيرة، عليها وعلى مرجعيتها التاريخية وخلفيتها الفكرية ومشروعها السياسي، لا على أشخاص.

     

    لا بديل ينتظر تنظيماتنا غير طلائعها وقواعدها، من خلال تمكينها من الآلية التنظيمية، ومساهمتها في اتخاذ القرارات، ولا بديل للجماهير الشعبية على النضال من داخل هاته التنظيمات بكل السبل الممكنة، ومراكمة وعي متّسق ل”هدفها”، إليه تستند، وبه تستبق الممكن.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد