بوعشرين يكتب.. كن شجاعا ولا تصفق
“لن يكون هناك سلام في العالم ما دام هناك شعب محتل من قبل شعب آخر.”
لم يكن صاحب هذه الجملة الثورية إسماعيل هنية، أو يحيى السنوار، أو صالح العاروري، أو ياسر عرفات، أو خليل الوزير (أبو جهاد)، أو ناجي العلي… بل هو السياسي والمفكر الفرنسي جان جوريس (Jean Jaurès)، الذي صرّح بها عام 1913 متحديًا سياسة بلاده، في وقت كان فيه الرأي العام الفرنسي والأوروبي يدعم الاستعمار، ويرى أن الشعوب ليست متساوية، وأن القوي “المتحضر” يحق له، بل يجب عليه، استعمار الضعيف “المتخلف”.
لكن جوريس لم يرضخ لهذا التيار الجارف، فدافع بقوة عن حقوق الشعوب المستعمَرة، وعارض الاستعمار الفرنسي بشدة، بما في ذلك استعمار المغرب ودول أفريقيا ، كما كان من أبرز معارضي الحرب العالمية الأولى، مؤمنًا بأن الحروب لم تكن يومًا حلًّا لأي مشكلة أو نزاع.
لم يمض وقت طويل حتى دفع حياته ثمنًا لمواقفه، إذ اُغتيل في 31 يوليو 1914 على يد قومي متطرف يُدعى راؤول فيلان، الذي رآه عقبة أمام السياسة التوسعية لفرنسا والأوروبية .
اليوم، تحمل ساحات وشوارع عديدة في فرنسا ودول أخرى، ومنها المغرب، اسم جان جوريس تخليدًا لذكراه، باعتباره الأب الروحي للاشتراكية الديمقراطية الفرنسية. ومع ذلك، لا يعرف الكثيرون تفاصيل سيرته، رغم أن خطاباته ومقالاته ما زالت تُدرَّس في الجامعات العالمية كنموذج للشجاعة الفكرية، والبلاغة السياسية، والعمق الإنساني.
وفي واحدة من آخر خطاباته في جريدة L’Humanité، التي أسسها، قال جوريس:
“الشجاعة هي البحث عن الحقيقة والتعبير عنها، وعدم الرضوخ للخوف أو المصالح. الشجاعة هي عدم الاستسلام لقانون الكذب السائد. لا يجب أن نمرّ على الكذب والبهتان دون أن نُحدث جلبة أمامه، ونعترض في وجهه، بأرواحنا وبألسنتنا، وليس بالتصفيق الأحمق لصراخ المتعصبين والمتطرفين والدجالين ومروّجي بضاعة الكراهية من كل لون وفصيل.”
لقد عاش جان جوريس يقاوم التيار، ومات وهو يناهض الاستعمار، ليبقى اسمه شاهدًا على نضال المفكرين الأحرار ضد الظلم والاحتلال.
* مقتطف من حلقة الثلاثاء 28 يناير الجاري لتوفيق بوعشرين “كلام في السياسة”