التخوف العربي من الحضور الإيراني: بين التحولات الدولية وفرص الحوار الإقليمي (الحلقة الأخيرة)
تناولنا، في الحلقات السابقة، واقع حال جل أنظمة الدول العربية بالجزيرة العربية ومحيطها وضعفها كنتيجة لعدم تعبيرها الحقيقي عن توجه شعوبها وتعيشها بذلك أزمة شرعية وأزمة ديمقراطية، دولاً ومجتمعات، وتم التأكيد على أن ضعف جامعة الدول العربية انعكاس لضعف المكونات وغياب القيادة، كما انتقدنا تحويل بعض دول المنطقة والأبواق الإعلامية التابعة لها للمعركة من معركة ضد العدو الإسرائيلي إلى معركة ضد الشيعة وإيران.
في هذه الحلقة الأخيرة، سنتناول موضوع “التخوف العربي من الحضور الإيراني الشيعي” والفرص الثمينة التي تفتحها التحولات العالمية الراهنة وتناقضاتها لدول المنطقة ولعموم دول الجنوب.
واقع الحال الراهن في المنطقة أنه لا توجد، للأسف، دولة مستقلة تتوفر على مواصفات ومقومات دولة حقيقية، كما أنه لا أثر في الواقع الملموس المعاش لما نقرأه من أهداف “الوحدة العربية” و”إرادة الديمقراطية” في مقالات كثيرة ونسمعها في كل القمم والمهرجانات والمناظرات، فالمقالات والخطب تدخل في خانة “اغتيال المعنى”، فلا ديمقراطية دون إرادة سياسية وترجمة ذلك في الواقع ليكون للناس حق المشاركة والمسائلة هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا توجد دولة أو نواة قيادية عربية خاصة بعد إضعاف مصر غطفا عن تضارب وتضاد مواقف الدول في عدة قضايا ونزاعات.
في ظل هذا الواقع المأزوم، تأتي ضرورة توفر شرط الإرادة السياسية الديمقراطية بالتصالح مع الشعوب بالتوازي مع إرادة الوحدة كأولى الخطوات، وبعدها، في مرحلة ثانية، مهمة ترميم “الشروخات” التي راكمتها في المجتمعات والدول وتلك مهمة الأنظمة والطبقة السياسية في الدرجة الأولى، وفي مرحلة ثالثة تقوم الدول الرئيسية بدورها، وبعدها ستنتهج الدول الأذرع والأطراف نفس الطريق.
هذه المهام ذات أولوية مستعجلة، لا يمكن أن تؤجل، ذلك لأن العالم في تحول سريع جداً والقطار العالمي يسير بنفس السرعة. الواقع العالمي الراهن غير مستقر، ويعيش اليوم حالة من الصراع المتجدد بين العالم الأطلسي والعالم الأوراسي، وحالة بداية انهيار القوة الغربية وصعود القوة الشرقية يؤكدها جل المنظرين بما فيهم الغربيون، منحى الانزياح في القوة عالمياً ملموسة لكل ذي عقل سياسي مستقيم، هذا الواقع العالمي مهم ويقدم فرصة ثمينة بالنسبة للمناطق الإقليمية، المغاربية والعربية والإسلامية، كمنطقة بينية بين العملاقين الأطلسي والأوراسي.
دول الجزيرة العربية ومحيطها العربي، عليها إدراك مخاطر وآثار وانعكاسات الانزياح الجديد في القوى الدولية وانتقال مراكز القوة من الغرب إلى الشرق، فالصين قوة صاعدة لا محالة وأمريكا قوة سائدة في تراجع، والتناقضات القوية بين الطرفين توفر “فجوة ما” و”فرصاً سياسية ذهبية” لدول الجزيرة العربية وعموم دول الجنوب وهذا يستدعي، أولاً وقبل كل شيء، وباستعجال، استغلال التناقضات الحاصلة والاستفادة منها بتغيير التحالفات الجيوستراتيجية والجيوسياسية لدول المنطقة، وأعتقد أن الرسالة وصلت لبعض الدول الذكية التي بدأت في تغيير تحالفاتها كما هو شأن الدول المنضمة لتجمع البريكس.
التخوف العربي من الحضور الإيراني الشيعي والتحالف مع الاختراق الغربي الصهيوني
لا تمانع جل الدول العربية في التواصل، سراً أو علناً، مع إسرائيل، وبعضها يطبع مع الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً ولا يرى مانعاً من اختراقه للمنطقة، مقابل ذلك يبدو الحضور الإيراني في المنطقة مقلقاً لجل الدول العربية بالشرق، وبعضها تخشى وتتخوف من هذا الحضور والأغرب هو استعداء طائفة الشيعة، وهذا في حد ذاته يطرح علامات استفهام كبرى.
من المفيد الإشارة إلى أن إيران تحتل موقعاً مهماً في الخارطة السياسية والاستراتيجية إقليمياً وعالمياً، فهو بلد تأسس سنة 1501م، متسع مترامي الأطراف وغني بموارده، يقع في قلب القارة الآسيوية.
يتوزع السكان بين عدة جماعات عرقية أهمها (وفقاً لبيان رسمي صادر عن وكالة الأنباء الإيرانية): الفارسي 51%، والأذري 24%، والجيلكي والمازندراني 8%، العربي 3%، والكردي 7%، واللور 2%، والبلوش 2%، والترك 2%، وعناصر أخرى 1%، كما تتنوع الأديان والمذاهب وتتوزع بين: الشيعة 65%، السنة 25%، والطوائف اليهودية والنصرانية والبهائية والزرادشتية 10% والمسلمون السنة، حسب الإحصاءات شبه الرسمية، تتراوح أعدادهم بين 14 إلى 19 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 20 – 28% من الشعب الإيراني.
في حين يشكل الشيعة 10% من سكان الجزيرة العربية، ويتواجدون في إيران وفي الخليج بدرجات متفاوتة، ويشكلون عصب محور المقاومة، في حين تخلف المحور السني عموماً عدا المقاومة الفلسطينية التي يأتيها السلاح والعون الأساسي والتدريب من إيران خاصة.
هناك عوامل داخلية في المنطقة العربية حولت المعركة نحو الشيعة بدعوى ارتباطها بإيران، فبذريعة الخوف من التمدد الإيراني، لقد تورطت بعض الدول التي لها ارتباط، مباشر أو ضمني، بالتحالف الإبراهيمي، في تحويل المعركة ضد الشيعة، هذا التوجه تذكيه الآلة الإعلامية الصهيونية وبعض الأبواق المروجة لتهديد إيران للخليج.
للأسف، لا يتم التمييز بين السياسة الإيرانية والشعب الإيراني والمذهب الشيعي، لم يتم فتح الحوار مع إيران لعقد التفاهمات الضرورية معها، قد تخطئ إيران والاختلاف مع سياستها مقبول، لكن ذلك لا يبرر الدخول في معركة مع الشيعة كما هو حاصل الآن في بلاد الشام، ولا شيء يبرر في نهاية المطاف تسليم مفاتيح البلدان العربية للغرب الإمبريالي وأداته الوظيفية أو حضور آلاف السياح الإسرائيليين في بعض دول الخليج وفضائحها السياسية.
تجدر الإشارة إلى أن إيران ليست بلداً واحداً، بل تتواجد فيها قوى متغيرة كثيرة، للأسف لم يتم التفاعل مع القوى الحقيقية في إيران أو مع أطياف المجتمع الإيراني خلال أكثر من 45 سنة منذ الثورة الخمينية. أمور كثيرة لم تناقش بشكل متوازن أو لم تفتح ملفاتها مع إيران، ذلك لمحاسبة ومساءلة السياسة الإيرانية على أخطائها والترحيب بأدوار حقيقية تدخل في مصلحة الأمن بالمنطقة.
يتوزع الشعب الإيراني الذي يفوق تعداده 85.6 مليون نسمة سنة 2024 بين عدة جماعات عرقية أهمها (وفقاً لبيان رسمي صادر عن وكالة الأنباء الإيرانية): الفارسي 51%، والأذري 24%، والجيلكي والمازندراني 8%، العربي 3%، والكردي 7%، واللور 2%، والبلوش 2%، والترك 2%، وعناصر أخرى 1%، كما تتنوع الأديان والمذاهب وتتوزع بين: الشيعة 65%، السنة حوالي 25%، والطوائف اليهودية والنصرانية والبهائية والزرادشتية 10%. فالمسلمون السنة، حسب الإحصاءات شبه الرسمية، تتراوح أعدادهم بين 14 إلى 19 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 20 – 28% من الشعب الإيراني.
الحضور الإيراني في المنطقة كقوة يُحسب له حساب، فهي قيمة مضافة للجزيرة العربية إن أرادت القوى الفاعلة بالمنطقة التصدي للأطماع والهيمنة الأمريكية والغربية والإسرائيلية، من أجل ذلك يجب فتح حوار مع إيران وتمهيداً للعمل على ضمها للحاضنة الإقليمية العربية خاصة وأنها ضمن الحلف الأوراسي الذي تقوده الصين وروسيا، خلافاً لتركيا العضو بحلف الناتو.
يمكن للسعودية أن تلعب هذا الدور خاصة وأنها، بعد وساطة جمهورية الصين الشعبية، أصبحت ترتبط بعلاقات طبيعية مع إيران، وعبر قناة السعودية ومصر أيضاً، يمكن فتح حوار مع إيران حول عدة قضايا خلافية سياسية واقتصادية وحقوقية، كتطبيق العدالة، ورفع جميع أشكال التمييز المذهبي والقومي، التي تمارس ضد أهل السنة بإيران، واستجابة لـ “النقاط العشر” التي تطالب بها القوى السنية الإيرانية كتطبيق البنود المعطلة من الدستور الإيراني، ورفع جميع الممارسات والسياسات التمييزية، وضرورة مراعاة جميع الحقوق الإنسانية والدينية والقومية لأهل السنة وفق البنود الثالث والخامس عشر وما نص عليه في الفصل 3 من الدستور الإيراني وما نصت عليه المادتين 22 و23 من المنشور الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر عن إعلان القاهرة في عام 1990م والتي تؤكد جميعها على ضرورة أن يتمتع جميع المواطنين بحقوقهم الأساسية.
العلمي الحروني: قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد