وزارة زم فمك! مأساة حرية التعبير في المشهد السياسي المغربي


“قل كلمتك قبل أن تموت، فإنها حتمًا ستعرف طريقها” محمد شكري.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    إن جرَّدنا كتاب الإنجيل من حمولته الدينية وتغاضينا عن النقاشات حول مصدره الإلهي أم البشري، او حول اصالته وتحريفه، فإن الإنجيل منجز وإرث حضاري وثقافي تتملكه الانسانية وتعبر عن وجودها من خلاله، ويستهل هذا الانجيل خطوطه بعبارة تتعدد تأويلاتها، لكننا نفضل في هذا السياق ان نحتفظ بظاهر النص كما يقول السلف: لا اجتهاد مع النص.

    العبارة هي : “في البدء كانت الكلمة”، الكلمة؛ هي القول او اللفظ الذي ينطقه اللسان أو تُحَبِّرُهُ الأنامل، هي المنطلق والملاذ، رأس وذيل أفعى الزمن الكوني العائد أبديا(أوروبوروس)، كما أن التاريخ الاسلامي يثوي حكاية جميلة تصلح كبيان ضد من يستهين بالكلمة أو يستصغرها، بطلها الامام الحسين بن علي بن ابي طالب حين طالبه حاكم المدينة المنورة بمبايعة يزيد ابن معاوية قائلا له: “نحن لا نطلب إلا كلمة، فلتقل بايعت … ما اصغرها إن هي إلا كلمة” فيجيبه الامام الحسين بعبارات نثر شعري بليغ ومُعبر يقيم الاعتبار للكلمة ولقيمتها ولِما يتكثف داخلها من معاني وقيم تصل إلى قمتها بقوله: “ما شرف الله سوى كلمة”، وأنصح القارئ بالعودة الى النص كاملا لأنه يستحق لحظات من التأمل والفحص.

    إن عدنا الى واقعنا الانساني المعاصر، نجد أن الديمقراطيات الحديثة بنيت على أسس ترتكز أساسا حول حرية التعبير والاعتراف بالاختلاف والمغايرة، فزمن الوصاية على الألسن والرقاب لم يعد له من متسع في العالم السياسي المعاصر، الا في حالات الديكتاتوريات والانظمة المستبدة، والدول التي ارتأت لنفسها عبور مسلك التحديث السياسي والاجتماعي عبر ما سمي بالعدالة الانتقالية والثورة البطيئة، تعيش مد وجزر في قضية حرية التعبير والصحافة، في كل مرة تلوح الحرية، ما تفتأ تعود القهقرى إلى انتكاسات يضيق معها صدر الأنظمة السياسية لإمكانات القول الصحفي في ممارساته الاعتيادية كسلطة رابعة تساءل وتنتقد وتقود وتخلق النقاش العمومي.

    - إشهار -

    المغرب، ضمن هذه الكوكبة من دول العالم الثالث التي تعيش وضعا متذبذبا في قضية الصحافة وحرية التعبير، الشاهد على هذا؛ موجات الاعتقال التي تطال صحافيين ومدوني الرأي من حين لأخر، وتقطعه جزر من لحظات انفراج كتلك التي عيشت مع العفو الملكي على صحافيين ومعتقلي الرأي على رأسهم توفيق بوعشرين وعمر الراضي وأخرون، غير أن مبادرات كهاته لا تستأصل سرطان القمع ومُصادرة الحق في الكلمة، وسرعان ما يتم تناسيها وتجاوزها الى لجم حرية الصحافيين في التعبير.

    ولعل هذا ما تجلى في الحدث الأخير الذي تصدره الوزير عبد اللطيف وهبي، حين لجأ للقضاء ضد الصحافي حميد المهداوي، من الواضح ان الدرس الملكي في الانفراج الحقوقي ورمزية الافراج عن صحافيين لم يستوعبه الوزير بشكل جيد، واستقراء الحدث ينبئنا بظلام حالك ينتظر حرية الصحافة والرأي، لربما؛ الهدف منه تقزيم دور الصحافة واختزالها في رزنامة اخبار باردة يغيب عنها نفَس المساءلة والنقد، ومقالات تصاغ في نفس القالب والنموذج حتى تكاد تجدها بالحرف في منابر متباينة، إن استمرار السيد الوزير في مقاضاة كل من يخالفه ينم عن عدم نضج سياسي، وابتعاد كلي عن روح الديمقراطية المؤمن بالاختلاف وترى أن خير رد على الكلمة؛ كلمة مضادة، فيغنى النقاش العمومي ويتصالح الشعب مع السياسة مجددا، أما طرق باب المحكمة ومقاضاة صحافي وأنت ترتدي جبة وزير العدل لهو استقواء واستعراض للعضلات، ويثوي رسالة مبطنة لكل من تغلي الكلمة في دمه وينوي تصريفها قولا أو كتابة مفادها: زم فمك! وقل العام زين.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد