هل يختفي “حب الملوك” بسبب تغيّر المناخ؟


بينما يحرص المغاربة على استئناف مهرجان الكرز السنوي (حب الملوك) في الفترة من 6 إلى 9 يوليوز، بعد توقف لعدة سنوات بسبب جائحة “كوفيد 19″، يشعر الفلاحون بالقلق من أنهم ربما لا يجدون ما يحتفلون به السنوات المقبلة بسبب التغيرات المناخية.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وتأسس مهرجان الكرز -أو “حَب الملوك” كما يحب المغاربة أن يسموه- في مدينة “صفرو” سنة 1919، وحظي سنة 2012 باعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة “يونسكو”، ويهدف إلى إبراز مختلف المهارات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياحية المحيطة بتلك الفاكهة.

    وينتج المغرب من تلك الفاكهة ما يناهر 13 ألفا و346 طنا سنويا، من مساحة تبلغ نحو 3029 هكتارا، وفق بيانات المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية بالمغرب.

    غير أن الكميات الموجودة حاليا في الأسواق هذا العام لا تتجاوز 20% من المعدل المعتاد، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وهو ما أرجعه رئيس جمعية تجار سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء عبد الرزاق الشابي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام مغربية، إلى تعرضها لظروف مناخية قاسية ألحقت بها أضرارا كبيرة.

    وتنتمي فاكهة الكرز إلى نوعية من الأشجار تُسمى “الأشجار المعتدلة”، والتي تحتاج لظروف دقيقة حتى تزهر وتؤتي ثمارها في النهاية بشكل مناسب.

    فمثلا يتطلب إنماؤها درجات حرارة منخفضة خلال فصل الشتاء، حيث تحتاج الأشجار إلى مقدار معين من “ساعات التبريد” لضمان التطور السليم والإزهار، ويُقاس ذلك عادة بالساعات التي يقضيها النبات في درجات حرارة تتراوح بين 0 و7 درجات مئوية تقريبا. ويتبع ذلك الحاجة إلى فترة طقس دافئ (معروفة بتراكم الحرارة) في الربيع، وهي ضرورية لإنتاج الأزهار.

    لكن التغير المناخي لم يعد يسمح بذلك، حيث تشير دراسة نشرتها دورية “ريجونال إينفيرومينتال تشانغ”، إلى أن مناطق نمو الكرز في إقليم شمال أفريقيا -الذي يضم المغرب- شهدت انخفاضا كبيرا في ساعات التبريد، كما ارتفع متوسط درجة الحرارة خلال الربيع، وتسببت تقلبات كلا الموسمين في تعطل دورة الفصول التي كانت مستقرة في السابق، وهو ما تسبب بالإزهار غير المنتظم للنبات.

    وتوقعت الدراسة فقدان إقليم شمال أفريقيا إلى جانب جنوب أوروبا، ما يصل إلى 30 من ساعات التبريد بحلول عام 2050 في ظل سيناريو الاحترار المعتدل، وهو ما يضع مستقبل تلك الفاكهة على المحك.

    والإزهار غير المنتظم الذي أشارت إليه الدراسة، يعني أن النبات يُزهر في وقت مبكر عن وقته المتوقع بما يصل إلى أسبوعين، وهو ما يعرّض النبات لخطر ما يعرف بـ”الصقيع الربيعي”.

    ويُعرّف مدير مكتب المركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة والقاحلة بمصر علاء حموية، الصقيع الربيعي بأنه انخفاض في الحرارة إلى درجة التجمد أو أقل، خاصة أثناء الليل وساعات الصباح الباكر خلال فصل الربيع. وعندما يحدث ذلك بالتزامن مع إزهار النبات، فقد يلحق الضرر بالفاكهة التي تزدهر في وقت مبكر من الموسم.

    ويقول حموية في تصريح اعلامي: إن الأضرار التي يُحدثها الصقيع الربيعي كبيرة، حيث تقوم النباتات التي أزهرت مبكرا بتطوير البراعم والأزهار في وقت مبكر من موسم النمو، وهذه الهياكل الحساسة معرضة بشدة للتلف الناتج عن درجات الحرارة المتجمدة، ويمكن أن يتسبب الصقيع بتجميد الخلايا الموجودة داخل البراعم والزهور ويمزقها، مما يؤدي إلى موت الخلايا وبالتالي إتلاف الزهور أو قتلها.

    ووفق دراسة نشرت في 21 ديسمبر 2021 بدورية “إينفيرومينتال إيفيدينس”، فإن ليلة واحدة من الصقيع الربيعي في شهر أبريل 2017 تسببت بانخفاض إنتاج التفاح الأوروبي بنسبة 24%، وانخفاض إنتاج الكمثرى بنسبة 12%، وهما أيضا من محاصيل الأشجار المعتدلة مثل الكرز.

    وبالإضافة لتأثير “الصقيع الربيعي” السلبي الذي ذكره حموية، يشير الباحث المتخصص في الملقحات وتغير المناخ بجامعة ريدينغ البريطانية “كريس ويفر”، إلى تأثير سلبي آخر على الحشرات الملقِّحة والتي تلعب دورا حاسما في زيادة إنتاج الكرز.

    يقول ويفر في مقال نشره بموقع “ذا كونفرسيشن”: إن التزامن بين أوقات ازدهار النبات وظهور الحشرات الملقحة أمر بالغ الأهمية للتلقيح الفعال، ويمكن لهذا التزامن أن يتعطل، فتغير المناخ يؤثر أيضا في دورات حياة النحل البري بحيث تظهر في الوقت الخطأ لتلقيح أزهار الفاكهة، ويؤدي ذلك إلى انخفاض في عمليات التلقيح الناجحة، وانخفاض إنتاج الفاكهة والبذور.

    وعدم وجود ما يكفي من الحشرات الملقحة يمكن أن يكون مكلفا، وسلطت دراسة أجرتها جامعة ريدينغ البريطانية الضوء على ما يقدر بنحو 5.7 ملايين جنيه إسترليني (7.3 ملايين دولار أميركي) سنويا من الإنتاج المفقود لفاكهة مثل “تفاح غالا” بسبب قلة عدد الملقحات الحشرية، وفاكهة الكرز مرشحة لحجم كبير من الخسائر للسبب نفسه، كما كشفت الدراسة البحث.

    - إشهار -

    ذبابة الفاكهة.. تأثير آخر

    ومن تأثير إيجابي للحشرات الملقحة يُفقد بسبب تغير المناخ، إلى تأثير سلبي تُحدثه حشرة أخرى، لكنّ تغير المناخ يسمح بازدهارها، وهي “ذبابة الفاكهة” أو ما يعرف بـ”دروسوفيلا سوزوكي”.

    ويوضح حموية أن هذا التأثير السلبي يرتبط بالإزهار المبكر لفاكهة الكرز، حيث يتماشى الإزهار المبكر مع دورة حياة الذباب، مما يوفر لها فرصة الحياة عبر نظام غذائي جاهز من تلك الفاكهة.

    وتضع ذبابة الفاكهة بيضها في الفاكهة الناضجة، ومع نمو اليرقات فإنها تتغذى على الفاكهة من الداخل، مما يؤدي إلى خسارة كبيرة في المحصول.

    والحلول التي يلجأ لها المزارعون “مصائد الإغراء” التي تجذب الحشرات بالفرمونات الجنسية، لكنها غير كافية للسيطرة على رقعة هذه الآفة سريعة الانتشار.

    وتخشى بعض الدول المصدرة للكرز من تأثير تلك الآفة على فرص تصديرها، لذلك تُفحص الفاكهة جيدا خشية أن تكون متأثرة بوجود يرقات الحشرة داخل الثمار.

    وتستخدم العديد من مراكز التعبئة البستانية المسح البصري كعنصر أساسي في عملية الاكتشاف، ولكنّ باحثين أستراليين ابتكروا طريقة جديدة للكشف عن ذباب الفاكهة في الكرز والفواكه الأخرى باستخدام المسح البصري المبرمج بالذكاء الاصطناعي.

    وتلتقط تقنية المسح الضوئي صورا عالية الدقة للفاكهة كجزء من عملية التصنيف ومن خلال الصور، ويمكن لبرنامج الذكاء الاصطناعي اكتشاف الإصابة بما في ذلك البيض الذي وُضع مؤخرا داخل الفاكهة، والذي يمكن بعد ذلك إزالته عبر تقنيات الفرز الموجودة داخل غرفة التعبئة.

    تدابير للتكيف المناخي

    ويوصف هذا الإختراع الإسترالي، بأنه أحد أدوات “التكيف المناخي”، وهو مصطلح يشير إلى تدابير تُتخذ استجابة للتغيرات المناخية بهدف تقليل التعرض لتأثيراتها الضارة.

    وتشير دراسة مشتركة بين باحثين من مصر والمجر نشرت في أبريل 2021، إلى بعض التدابير التي يمكن اتخاذها مثل اكتشاف مركبات عضوية جديدة وأكثر فعالية لتحفيز فاكهرة الكرز على الإزهار حتى عندما لا تحصل على ما يكفي من ساعات التبريد في الشتاء، وهذه المركبات قد تكون هرمونات نباتية مثل “الجبرلينات” و”السيتوكينينات”، أو مستخلصات طبيعية من بعض النباتات، أو مواد عضوية.

    وبالإضافة لهذه الحلول، هناك تدخلات تقليدية يعرفها بعض المزارعين للتكيف مع تأثير التغيرات المناخية على الكرز. يقول حموية: إن “من بين هذه التدخلات استخدام بطانيات الصقيع أو الأقمشة لتغطية النباتات طوال الليل لحمايتها من الصقيع الربيعي، كما يساعد الري في هذا الاتجاه، حيث تحتفظ التربة الرطبة بالحرارة بشكل أفضل من التربة الجافة، لذلك فإن سقي النباتات في فترة ما بعد الظهر قبل الصقيع المتوقع يمكن أن يساعد في حمايتها، وأخيرا يمكن أن تساعد أدوات مثل السخانات أو الرشاشات في رفع درجات الحرارة حول النباتات ومنع تكوين الصقيع”.

    المصدر : الجزيرة

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد