قصص مؤلمة لنساء مع “الإجهاض السري”


أحيت مأساة وفاة مراهقة بسبب عملية إجهاض سرية في المغرب مطلب ضمان حق النساء في الإيقاف الإرادي للحمل، لكنه ما زال بعيد المنال بسبب البيئة الاجتماعية المحافظة وغياب الإرادة السياسية، وفق نشطاء حقوقيين.

محاولات بشتى الأساليب

وفي التقرير المكون من 76 صفحة، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع عدد من النساء اللواتي سعين للإجهاض، لتسليط الضوء على معاناتهن ولجوئهن لطرق إجهاض سرية غير آمنة.

كما التقت “أمنستي” مع منظمات غير حكومية مغربية تعني بحقوق النساء، وعدد آخر من الأطباء ورجال القانون لاستعراض هذه المشكلة التي تعاني منها النساء.

ويعاقب القانون على الإنهاء الطوعي للحمل بالسجن من 6 أشهر إلى 5 سنوات، ولا يسمح بالإجهاض إلا في حالة وجود خطر على صحة الأم.

وينص القانون على عقوبات لكل من المرأة التي أجهضت (السجن بين 6 أشهر وسنتين) وكذلك الذين يمارسون العملية (من سنة إلى 5 سنوات في السجن).

ولذلك، لا تجد نساء أمامهن خيارا سوء اللجوء إلى طرق سرية للإجهاض، غير خاضعة لأي تنظيم، وغالبا ما تكون باهظة التكاليف، بحسب المنظمة.

ووصفت سيدات كيف اضطررن للجوء إلى شتى الأساليب الخطيرة للإجهاض، بما في ذلك الاستخدام العشوائي للأدوية، وتجرع المخاليط الكيميائية الخطيرة، وحتى أشكال العنف البدني الذاتي أو الممارس من شخص آخر؛ بل إن بعض النساء حاولن حتى الانتحار.

وبلغ الأمر بأربع من النساء اللواتي قابلتهن منظمة العفو الدولية أن استدعت حالتهن نقلهن إلى المستشفى للعلاج الطارئ لما أصبن به من مضاعفات صحية خطيرة ناجمة عن محاولات الإجهاض الذاتي غير الآمن.

ومن بين هؤلاء فرح (اسم مستعار) – حُجب اسمها الحقيقي لحمايتها – التي اغتصبها أحد زملائها في العمل، وهي غائبة عن الوعي إثر غيبوبة ناجمة عن داء السكري.

وبعد ذلك بشهرين، اكتشفت أنها حامل من جراء تلك العلاقة؛ فلجأت لأحد أطباء أمراض النساء لإجهاضها، ولكنه رفض.

وفصلها رئيسها من العمل تجنبا لأي ضرر قد يلحق بسمعة شركته، حسبما تصور، إذا ما تعرضت فرح للملاحقة القضائية بسبب إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج.

وحاولت فرح إنهاء حملها بنفسها، ولكنها اضطُرت في نهاية المطاف لمواصلة الحمل حتى نهايته رغم ما لحق بها من إصابات والتهابات.

وقالت في حديثها لمنظمة العفو الدولية: “تناولت جميع أنواع الأعشاب وكل ما يمكن أن يشرب لأجهض دون جدوى”.

وتابعت: “وذات مرة، دخلت لغرفتي ونزعت ملابسي وأخذت عودا طويلا أدخلته في مهبلي وأخدت أديره في جميع الاتجاهات حتى أتمكن من ملامسة الجنين وإسقاطه، ولكن كل ما حصلت عليها هو جرح كبير لا يحتمل”.

ومضت في هذا الاتجاه لمدة 5 أشهر لدرجة أنها فكرت في الانتحار وإنهاء هذه المأساة.

“إيذاء لفظي وجسدي”

بالإضافة إلى الإجهاض السري غير الآمن، وصفت بعض النساء اللواتي أجريت معهن مقابلات ما قاسينه من الإيذاء اللفظي أو البدني أو الجنسي أثناء تجربة إنهاء الحمل التي خضنها.

وقالت امرأة تدعى صفاء (اسم مستعار) إنه “عندما كنت أصرخ من الألم، غطت السيدة التي كانت تقوم بالإجهاض فمي بيدها، وقالت لي (الناس سوف يسمعونك. عندما كنت تفعلين ما فعلتيه – إقامة علاقة جنسية – بماذا كنت تفكرين؟)”.

وتشير تقديرات بعض المنظمات الحقوقية المحلية إلى أن عمليات الإجهاض السرية تقارب 600 إلى 800 يوميا، بينما لا تتوفر معطيات رسمية بهذا الخصوص.

كذلك، أفادت جميع النسوة اللائي أجريت معهن مقابلات ما عانينه من نقص المعلومات عن حملهن والخيارات المتاحة أمامهن.

ولم تسعَ سوى قلة منهن للحصول على معلومات من المهنيين الطبيين حتى يتخذن قرارتهن على ضوئها.

وقالت أمينة (اسم مستعار)، التي كان عمرها 20 عاما عندما حملت، لمنظمة العفو الدولية: “لم تكن لدي أي معلومات عما يمكنني أن أفعله؛ لم يجب أحد عن أسئلتي؛ كنت وحيدة وصغيرة في السن، ونتيجة لذلك كنت مضطرة للمضي قدما في الحمل حتى النهاية”.

امرأة أخرى، تدعى سامية (اسم مستعار)، قررت المضي قدما في الحمل أيضا لأنها خائفة وكانت تخشى من السجن. وقالت: “خشيت ألا أجد رعاية طبية بعد الإجهاض”.

ويواجه المهنيون الطبيون الذين يجرون عمليات الإجهاض خارج إطار القانون عقوبات بحرمانهم من مزاولة المهنة؛ وهم ملزمون كذلك بالإدلاء بشهاداتهم، وإفشاء ما لديهم من معلومات عن عمليات الإجهاض التي علموا بها، إذا استدعتهم السلطات القضائية لذلك، مما ينتهك سرية المعلومات المتعلقة بمرضاهم، بحسب تقرير المنظمة.

وهذه القيود، الذي يزيد وطأتها غياب مبادئ توجيهية أو بروتوكولات طبية بشأن إجراء عمليات الإجهاض المشروعة، تحرم الكثير من النساء من أي سبيل قانوني آمن للإجهاض.

- إشهار -

وقال أحد الأطباء الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم: “ماذا عسانا أن نفعل كأطباء؟ لا شيء. لا نستطيع مساعدة النساء. أيدينا مكتوفة”.

وأضاف: “نشعر بالإحباط لأننا لا نستطيع أن نقدم للنساء المساعدة التي يردنها”.

“المال” هو الفارق

كذلك، يعاقب القانون الجنائي على أي علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية بالحبس من شهر واحد إلى سنة، في حين يعاقب على جريمة “الخيانة الزوجية” بالحبس من سنة إلى سنتين.

ولا يؤدي هذا التجريم إلى الإقصاء الاجتماعي فحسب، وفقا لمنظمة العفو الدولية، وإنما يفاقم أيضا الإقصاء الاقتصادي للنساء اللواتي يُجبرن على مواصلة الحمل حتى نهايته.

وتشير المنظمة إلى أن هناك “تفاوتات واسعة في الظروف التي تجري فيها عمليات الإجهاض بحسب الإمكانات المالية للمرأة”، مما جعل التمييز الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على جودة الرعاية الطبية التي تتلقاها النساء.

وقالت ماجدة (اسم مستعار)، وهي امرأة أجرت عدة عمليات إجهاض في المغرب، إن الاختلافات في تجاربها تعود إلى شيء واحد وهو المال.

فذات مرة، أجرت ماجدة عملية إجهاض جيدة بسعر 6000 درهم في عيادة خاصة بمدينة مغربية.

وروت تجربتها قائلة: “كان هناك طبيب للنساء والتوليد ومولدة وأعطوني مضادات حيوية. لم أشعر بألم، ومغص، وعدت مرتين للعيادة للمتابعة”.

وفي تجربة أخرى لها، اضطرت ماجدة إلى إجراء عملية أرخص تكلفتها 1200 درهم في مكتب طبيب عام بمدينة صغيرة نتيجة اختلاف ظروفها المالية.

وقالت إن عملية الإجهاض الثانية أجريت لها على عجالة ودون أي مخدر. أما النساء اللواتي عوقبن بالسجن على تلك الجرائم، ولديهن سجل سوابق جنائية، فيواجهن أيضا عقبات إضافية ووصمة عار عند البحث عن عمل؛ وغالبا ما يعانين من العزلة الاجتماعية.

ومن هؤلاء وئام (اسم مستعار)، وهي أرملة لديها طفل، سُجنت بسبب إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وحاولت عبثا إجهاض حملها.

وقالت: “كوني أم عازبة … أعيش في حالة رعب في قريتي، لا أحد يكلمني … لم يعد أحد يتكلم معي … الناس بالقرية يعاملوني أسوأ معاملة على الإطلاق”.

“أمي طردتني من البيت”

كما أن عددا من النساء اللواتي تحدثن لمنظمة العفو الدولية، وعددهن أصلا 33 امرأة، اضطروا للانتقال من مدينة لأخرى خوفا من التهديدات بالعنف ووصمة العار الاجتماعية.

إحدى تلك الفتيات هي حسناء (اسم مستعار) التي عجزت عن الحصول على عملية إجهاض، فأقامت في ملجأ تابع لإحدى المنظمات غير الحكومية طيلة آخر 6 أشهر من حملها.

وتروي حسناء تجربتها بقولها: “عندما كنت أقيم (في ملجأ المنظمة غير الحكومية) لم تكن أسرتي (التي تعيش في المدينة الصغيرة نفسها) تعلم ذلك، كانوا يظنون أنني أعمل في مكان آخر بعيد، حيث لم أخرج ولم أغادر الملجأ قط.

وذكرت أنها عندما ذهبت للمستشفى للولادة فقد قامت بتغطية نفسها لإخفاء هويتها.

امرأة أخرى تدعى جميلة (اسم مستعار) أخفت حملها بسبب علاقة خارج نطاق الزواج وارتدت ملابس فضفاضة حتى وصلت للشهر السابع للحمل.

وقالت: “اكتشفت أمي أنني حامل فطردتني من البيت، مؤكدة لي أن أخي سوف يقتلني إذا عرف، رحلت إلى مدينة على بعد 30 كيلومتر حيث وجدت نفسي في الشارع”.

ولطالما طالبت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك “أمنتسي”، من السلطات المغربية إلغاء تجريم الإجهاض الذي “يجرم في كل الظروف تقريبا، حتى عندما ينتج الحمل عن الاغتصاب”، بحسب العفو الدولية.

وتقول المنظمة إن “اللجوء لعمليات إجهاض سرية وغير آمنة غالبا ما يؤدي إلى إصابات ووفيات”. وعلاوة على ذلك، تخاطر النساء والفتيات اللواتي يسعين للحصول على الإجهاض غير المشروع بتعرضهن للاعتقال واتهامهن بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وفقا لمنظمة العفو الدولية.

وقالت سعيدة كوزي، إحدى الشركاء المؤسسين لمنظمة “شركاء للتعبئة حول الحقوق” (امرأة)، وهي من المنظمات المشاركة في حملة منظمة العفو الدولية: “يجب تمكين النساء في المغرب من ممارسة حقوقهن الجنسية والإنجابية من خلال تيسير السبل أمامهن للحصول على المعلومات والخدمات الشاملة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك الوسائل الحديثة لمنع الحمل والإجهاض الآمن”.

المصدر: الحرة

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد