الوضع الخطير الذي يعيشه قطاع التعليم في المغرب


إذا كان لدينا محللون سوسيولوجيون في علم الاجتماع السياسي أو علم الاجتماع العام بالمغرب، فإن ما يحدث الآن في الساحة التعليمية من احتجاجات يتطلب خروج هذه النخبة المثقفة من باب التعبير أولاً ومن باب مكانتهم كباحثين في شأن العام، بتحليلات ستسهم في تحديد السياسات اللازمة لإصلاح قطاع التعليم وتدعو بتدخل عاجل وحاسم لما يقع الآن من أزمة تعليمية، ومطالبة الحكومة والوزارة بسحب هذا النظام المأساوي المشؤوم، فالوضع أصبح كارثيًا أكبر من تدخل رئيس الحكومة أو وزير التعليم، في ظل تنزيلات لمشاريع كبرى، اجتماعية ورياضية…، وتهميش أبرز قطب بالمملكة، ألا وهو التعليم.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    مشاريع بالمليارات من الدراهم تنزل من أجل إصلاحات في قطاع التعليم، مثل: التعليم الأولي، ومشروع مؤسسات الريادة، وبرامج الهدر المدرسي، وهدر الزمن المدرسي، ومحاربة العنف…، وخلق فرص شغل لأطر جدد مهمتها تطبيق وتجويد هذه البرامج، مثل أطر الدعم الاجتماعي والنفسي، الذين تعرضوا للإقصاء بشكل ممنهج ومباشر من خلال هذا النظام الخاص بوزارة التربية الوطنية.

    وفي إطار ذلك ومع كل ما يحدث من تعنت الحكومة بسحب النظام الأساسي لقطاع التعليم، وهذا التعنت الحكومي يدل على عدم فهمها للطبيعة السوسيولوجية لقطاع التعليم، والذي يتميز بكونه قطاعًا حساسًا يؤثر على المجتمع بشكل مباشر، فهذا العناد؛ خلق فجوة أعمق بين كل الهياكل التنظيمية وبين جمعيات أولياء وأمهات التلاميذ /ت الآن في الساحة، نجد في الوقت الراهن بأن سياسة حكومة التكنوقراط تريد خلق بلبلة في الشارع العام بين أبنائها. فجهاز الأمن الذي يحاول كبح مسيرات الشغيلة التعليمية، أبناءهم أغلبيتهم يدرسون بالمدارس العمومية وأساتذتهم هم الذين أوصلوهم إلى هذه المراتب،و حاليًا في تصادم بينهم.

    فكيف يعقل أن تجود الحكومة وتهيكل وتهتم بقطاعات أخرى بالدولة بتحسين ظروف موظفيها بأنظمة محفزة للعمل، بينما تهمل قطاعات أخرى مهمة، وأبرزها قطاع التعليم، وهو أكثر القطاعات الحيوية في المجتمع و أساس النهضة والتقدم؟

    أصبح المشهد السياسي المغربي اليوم، وبخصوص الخطابات السياسية، تعمها فوضى التعبير ودخول في شؤون القطاعات الأخرى وعرقلتها بتهديدات للشغيلة التعليمية التي لا تمت بأي صلة برجل السياسة المحنك، وبلا أي ” نية” إصلاح، بل تساهم ببعثرة أوراق هذه الحكومة عن طريق السباق لأجل القيادة، وتضارب المصالح بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، مما أدى إلى الصراع بين القوى السياسية والاقتصادية في المغرب إلى تجاهل قطاع التعليم، وإهمال المصالح الشغيلة التعليمية، وبالبلوكاج الأكثر تاريخا بوزارة التربية الوطنية، مما يزيد الوضع أكثر سوءًا وتأزما.

    و يمكن تحليل الوضع الخطير الذي يعيشه قطاع التعليم في المغرب من منظوري الشخصي من خلال ربطه بثلاثة عوامل رئيسية:

    ✓ سوء الإدارة :

    إذ تعاني الحكومة المغربية من سوء الإدارة، مما أدى إلى عدم كفاءة السياسات التعليمية، وعدم التنسيق بين مختلف الجهات المعنية بقطاع التعليم. وهذا بدوره أدى إلى تفاقم المشاكل التي يعاني منها القطاع.

    ✓ سياسة الاستدانة المفرطة من صندوق النقد الدولي :

    - إشهار -

    فقد أدت هذه السياسة إلى إفقار الدولة وزيادة الفقر والبطالة وتكريس التعاقد ، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية في البلاد. وقد انعكس ذلك على قطاع التعليم بشكل خاص، حيث انخفضت ميزانيته بشكل كبير، مما أدى إلى تدهور جودة التعليم.

    ✓ فشل سياسة التكنوقراط في تدبير الشأن العام:

    فقد أثبتت هذه السياسة فشلها في حل الأزمات التي تعاني منها البلاد، بما في ذلك الأزمة التعليمية. فحكومة التكنوقراط لا تهتم بالمشاكل الاجتماعية، بل تركز فقط على تحقيق أهدافها الاقتصادية الشخصية، وخير دليل على ذلك مشروع الإستراتيجي لتصفية مياه البحر. فهذا المشروع هو أحد أهم المشاريع التي نادت بها الخطابات الملكية نظرا لأهميته في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد، وخاصة في مجال ندرة المياه. واستحواذ رئيس الحكومة على مشروع تصفية مياه البحر هو أمر خطير للغاية، فهو يمثل ضربة صارخة للديمقراطية، وانحرافًا عن المصلحة العامة. فرئيس الحكومة هو شخص منتخب من قبل الشعب، وعليه أن يخدم مصلحة الشعب، وليس مصلحته الشخصية. رغم بيان وزارة المياه والصرف الصحي الذي حاول التقليل من مخاطر هذا الاستحواذ،، إلا أنني أعتقد أن رئيس الحكومة لن يتراجع عن قراره، وهذا يثير عدة مخاوف، منها تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث أن هذا المشروع يتطلب استثمارات ضخمة، وقد يؤدي استحواذ القطاع الخاص عليه إلى ارتفاع أسعار المياه، وزيادة الأعباء المالية على المواطنين، وتراجع دور الدولة في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مما قد يؤدي إلى تراجع الثقة بين الشعب والحكومة.

    وبالعودة إلى قطاع التعليم ومع إقرار النظام الأساسي الجديد، الذي لم يلبي مطالب الشغيلة التعليمية بل زاد تفاقم الوضع أسوأ من سابقه مما أدى إلى استمرار الاحتجاجات، فالتدهور المستمر في جودة التعليم يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية، حيث يحرم المتعلمين/ت من فرص الحصول على تعليم جيد، ومن مواكبة اجتماعية ونفسية مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر. وتراجع التنمية الاقتصادية بتدهور المستمر في جودة التعليم يؤدي إلى تراجع التنمية الاقتصادية، حيث يحرم الاقتصاد الوطني من الموارد البشرية المؤهلة.

    من أجل حل الوضع الخطير الذي يعيشه قطاع التعليم في المغرب، يجب ضرورة إعادة النظر في سياسة الاستدانة المفرطة من صندوق النقد الدولي؛ فهذه السياسة هي السبب الرئيسي في تدهور وضع قطاع التعليم بتكريس التعاقد ومع ضرورة تغيير سياسة التكنوقراط في تدبير الشأن العام؛ فهذه السياسة لا تهتم بالمشاكل الاجتماعية، ولا تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع.

    إن الوضع الخطير الذي يعيشه قطاع التعليم في المغرب يشكل تهديدًا حقيقيًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. لذلك، لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إصلاح هذا القطاع، ولعلى احتجاجات الشغيلة التعليمية وإضراباتها في ظرفية الراهنة هي بمثابة مفتاح إعادة النظر في السياسة الاقتصادية للدولة، وتغيير سياسة التكنوقراط في تدبير الشأن العام، وتجويد التعليم والاهتمام بشغيلة التربية والتعليم بإعادة اعتبارهم وصيانة كرامتهم ورفع أجورهم كأحد أهم الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين أوضاع ومستوى معيشة شغيلة التعليمية بجميع فئاتها، مما يساهم في استقرارهم النفسي والاجتماعي وتحقيق تعليم جيد و مدرسة ذات جودة للجميع.

    سفيان الرتبي؛ إطار الدعم الاجتماعي والنفسي

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد