فرص حجز المغرب مكانه على خارطة “الهيدروجين الأخضر”؟
يتمتع المغرب بمقومات وإمكانات واسعة تؤهله للمنافسة في مضمار الريادة العالمية بمجال “الهيدروجين الأخضر”، وسط تطلعات مغربية للمضي قدماً في مزيدٍ من الاستثمارات بهذا القطاع، بالتعاون مع شركات عالمية مختلفة.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير حديث لمكتب الاستشارات الدولية “ديلويت”، أن المغرب مهيأ لأن يكون لاعباً رئيسياً في إنتاج الهيدروجين الأخضر، انطلاقاً مما يحظى به من موارد تشكل مزيجاً مفيداً في هذا السياق، إلى جانب قرب المملكة من الاتحاد الأوروبي.
دراسة سابقة أجراها “المجلس الأطلسي” قالت إن المغرب -بما لديه من إمكانات طبيعية- مؤهل لقيادة منطقة شمال أفريقيا فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما ذكرت دراسة حديثة أيضاً هذا العام، نشرتها شركة “أورورا إنرجي ريسيرش”، أن استيراد أوروبا الهيدروجين الأخضر من المغرب “أكثر جدوى” من الناحية الاقتصادية من الإنتاج المحلي في العام 2030.
إمكانات واسعة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه “من المعروف أن المملكة المغربية تتكبد كلفة كبيرة للحصول على الطاقة، وبما يشكل عائقاً كبيراً أمام التنمية في المغرب، بحيث أن تكلفة الطاقة تصل لمستويات قياسية، تجاوزت في العام 2022 على سبيل المثال الـ 15 مليار دولار”.
ارتفع العجز التجاري في المغرب بنسبة 56.5 بالمئة إلى 311 مليار درهم في 2022، بدعم رئيسي من ارتفاع تكاليف الطاقة، بحسب بيانات مكتب الصرف.
وارتفعت فاتورة الطاقة بالمغرب بنسبة 104 بالمئة في 2022، لتصل إلى 153 مليار درهم.
ويشير جدري إلى أن المغرب منذ أكثر من 15 سنة فكّر في التوجه نحو الطاقات المتجددة، وكل ما يتعلق بالطاقة الشمسية والريحية وكذلك تحلية مياه البحر “واليوم مع التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، فإن مجموعة من الدول الأوروبية (أسبانيا وألمانيا وبريطانيا بشكل خاص) تبحث عن بدائل للغاز الروسي، وهذا الأمر يُمكن أن يشكل فرصة من خلال استغلال كل ما يتعلق بالهيدروجين الأخضر في المملكة المغربية”.
والهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه عبر الماء، وذلك من خلال فصل جزيئيات الهيدروجين عن الأوكسجين. ومن خلاله يمكن الحصول كذلك على مشتقات أخرى من بينها الأمونيا والميثانول.
ويضيف: “اليوم نرى أن هناك مجموعة من الاتفاقات الموقعة مع إسبانيا وألمانيا وبريطانيا حول كل ما يتعلق بالهيدروجين الأخضر؛ لأن المستقل هو مستقبل الطاقة النظيفة”، موضحاً أن “المغرب – الذي يملك أضخم احتياطي عالمي من الفوسفات- يتوقع أن يكون بين الخمس دول الرائدة في هذه الاتجاه (الهيدروجين الأخضر)، لما يحظى به من إمكانات هائلة من الطاقة المتجددة.
تصل إمكانات الطاقة الشمسية في المغرب إلى 1,000 غيغاواط، وطاقة الرياح إلى 300 غيغاواط.
القدرة المتاحة حالياً من الطاقة المتجددة في المغرب تصل إلى نحو 4,151 ميغاواط (38 بالمائة من القدرة الكهربائية المركبة في البلاد)، مع مستهدفات لزيادتها بنسبة 52 بالمئة بحلول العام 2030.
يمتلك المغرب تسع محطات لتحلية مياه البحر (قدرتهم الإجمالي 231 ألف متر مكعب في اليوم)، بخلاف المشاريع التي تم إطلاقها لبناء محطات جديدة بالمدن الساحلية.
وكان بنك التنمية الألماني، قد أعلن في وقت سابق من هذا العام، عن تمويل بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكلفة 300 مليون يورو في المغرب.
تهدف تلك الخطوة لجعل الرباط المنتج الرئيسي للهيدروجين الأخضر في إفريقيا بحلول العام 2025، وأهم مورد للاتحاد الأوروبي الساعي إلى تعويض وارداته من روسيا.
وأعلنت شركة فيردي هيدروجين الأميركية، أخيراً، عن اعتزامها الاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر بالمغرب، من خلال توقيع اتفاقية تطوير وتشغيل مشروع لآليات التحليل الكهربائي بقدرة 2 ميغاواط.
ويضاف ذلك إلى سلسلة المشاريع التي تشهدها المملكة في هذا المجال.
عوائد مرتقبة
ويشير الخبير الاقتصادي المغرب، في معرض حديثه إلى أن المغرب في هذا السياق وأمام تلك الفرص يمكنه ضرب عصفورين بحجر واحد:
أولاً: سوف يوفر كثيراً من العملة الصعبة، من خلال توفير عوائد شراء الغاز والبترول، وبما يساعد على خفض عجز الميزان التجاري أيضاً.
ثانياً: سيكون المغرب رائداً في كل ما يتعلق بالطاقات المتجددة، ولا سيما الهيدروجين الأخضر، وبما يساعد البلد في تحقيق مجموعة من الأمور المتعلقة بالتنمية خلال السنوات القليلة المقبلة.
ويتوقع المغرب إيرادات سنوية من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في حدود الـ 2.1 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2030، على أن ترتفع إلى 31.2 مليار دولار بحلول 2050.
المغرب من الدول الست الأكبر في العالم من حيث امتلاك الهيدروجين الأخضر ومشتقاته (بحسب مجلس الطاقة العالمي).
يتمتع المغرب إمكانات تؤهله للاستحواذ على نسبة تصل إلى 4 بالمئة من الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر بحلول العام 2030.
يستهدف المغرب إنتاج ثلاثة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول العام 2030، بحسب التقديرات الرسمية.
وكانت رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أوديل رونو باسو، قد أكدت -خلال لقاء لها بمدينة مراكش- على أن المملكة بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر بأدنى تكلفة في العالم. وشددت المسؤولة الأوروبية على أن المملكة تعد اليوم من بين البلدان الأفضل تموقعاً في ثورة الهيدروجين الأخضر بفضل وفرة مواردها الشمسية والريحية.
ويعد المغرب من بين البلدان التي تعمل جاهدة على التخلص من الوقود الأحفوري والتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث يطمح إلى رفع اعتماده على الطاقات المتجددة إلى 52 بالمائة بحلول 2030.
التواجد بالأسواق العالمية
وبدوره، يقول الخبير الاقتصادي المغربي، هشام بنفضول، في تصريحات لنفس الموقع، تعتبر الطاقة من أهم العوامل ذات التأثير المباشر والقوي على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وحتى السياسية لكل دول العالم؛ ذلك أن للطاقة ثمناً لدفعه بالنسبة للدول المستوردة، وثمن لجنيه بالنسبة للدول المصدرة للطاقة وما لذلك من تأثير على ميزانيات الحكومات والمقاولات والمواطنين.
ويلفت إلى أن المغرب “يعتبر اليوم من بين الدول المستوردة للطاقة البترولية، وفي نفس الآن من الدول الواعدة قارياً وعالمياً في مجال إنتاج وتصدير الطاقة المتجددة والنظيفة المتعلقة أساساً بإنتاج الكهرباء.. ويزخر المغرب بعدة مصادر للطاقة المتجددة تتجلى في الطاقة الشمسية والريحية وكذلك الطاقة المنتجة من خلال الهيدروجين الأخضر”.
في هذا الصدد، عمل البلد على توفير “عرض مغربي” لمادة الهيدروجين الأخضر من أجل تعزيز تواجده في السوق العالمية للطاقة، بحيث تتحدث بعض الدراسات على قدرة المغرب على الحصول على حصة من هذه السوق العالمية تناهز 4 بالمئة (بقيمة أكثر من 3 مليار دولار) مع إمكانية الوصول إلى 8 بالمئة (أكثر من 6 مليار دولار)، بحسب بنفضول.
ويتابع الخبير الاقتصادي قائلاً: “لقد تمكن المغرب من التطوير السريع نسبياً لإمكاناته الصناعية والبحثية؛ نظراً لتوافر عدة عوامل مشجعة على هذا التطور، ولا سيما الاستثمارات المهمة للمكتب الشريف للفوسفات من أجل تطوير إنتاج واستغلال الهيدروجين الأخضر، والأبحاث والتجارب المنجزة من طرف جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية وخصوصاً بالاعتماد على عدة شراكات كالشراكة التي تجمعها مع مؤسسة Chariot البريطانية”.
ووجه الملك محمد السادس، في نونبر الماضي الحكومة لإعداد برنامج خاص لقطاع الهيدروجين الأخضر يشمل الإطار التنظيمي والمؤسساتي، ومخططا للبنية التحتية الضرورية.
وفي سنة 2020، أحدث المغرب لجنة خاصة بالهيدروجين، لمواكبة استراتيجيته المتمثلة في تطوير الطاقات المتجددة وتقليص الانبعاثات الغازية من أجل الحد من مخاطر تغيرات المناخ.
بالإضافة إلى ذلك، يتوفر المغرب على بنية تحتية مهمة ومتنوعة من موانئ وطرق وسكك حديدية، وهو ما يساعد على تيسير عمليات التصدير من جهة، وتشجيع المستثمرين الدوليين على إنجاز استغلال مشاريع مهمة في ميدان إنتاج الهيدروجين الأخضر، وكذلك في مجال صناعة البطاريات المتطورة التي تمكن من تحويل الهيدروجين الأخضر إلى كهرباء، علماً بأنه موازاة مع تطوير قدراته الإنتاجية من مادة الهيدروجين الأخضر، يعمل المغرب على تطوير صناعة السيارات الكهربائية.
فرص المغرب الواعدة
من جانبه، يشير الخبير الاقصادي المغربي، علي الغنبوري، إلى أن المغرب لديه مؤهلات كبيرة في مجال الهيدروجين الأخضر، ويعد من الدول الرائدة في هذا المجال حسب دراسات وتقارير مجلس الطاقة العالمي، كما يتمتع المغرب بموارد طبيعية غنية من الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، مما يجعله موقعاً مثالياً لتوليد الكهرباء المتجددة التي يمكن استخدامها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى 3500 كيلومتر من الشواطئ البحرية التي تعد مصدراً هاماً للماء الضروري لإنتاج الهيدروجين بعد تحليته.
كما تتجلى ريادة المغرب في هذا المجال بكونه أول بلد في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط يتوفر على خطة متكاملة لتطوير الهيدروجين الأخضر نتيجة دراسات أولية تم إطلاقها منذ 2018، حيث يطمح المغرب إلى ثلاثة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر في أفق 2030، كما تم إنشاء تكتل الهيدروجين الأخضر بالمغرب، وهو مبادرة وطنية تجمع قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وشركات خاصة وجامعات، تهدف إلى تعزيز استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة والمستدامة.
ويضيف: وفقاً للتوقعات الرسمية، فإن المداخيل السنوية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته في البلاد ستناهز 2.1 مليار دولار سنوياً بحلول 2030، وسترتفع إلى 31.2 مليار دولار بحلول 2050.
المغرب كذلك طور شراكات استثمارية استراتيجية مع عدد من الدول الرائدة في مجال الهيدروجين الأخضر، حيث استطاع استقطاع عدد من الاستثمارات الخارجية من أبرزها بنك التنمية الألماني الذي يمول بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بمبلغ 300 مليون يورو في المغرب، بالإضافة الى شركة “سي دابليو بي غلوبال” الأسترالية التي تعتزم استثمار مبالغ ضخمة لتعزيز تواجدها بقطاع الهيدروجين الأخضر في المغرب.
تطوير المغرب لقطاع الهيدروجين الأخضر يتماشى كذلك مع الاستراتيجية الطاقية المغربية، التي يعتزم من خلالها تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاعتماد على الطاقات النظيفة في أفق تحقيق نسبة 52 بالمائة من الطاقة المستهلكة في المغرب نابعة من الطاقات المتجددة ومن ضمنها الهيدروجين الأخضر بحلول سنة 2030، و ذلك لتخفيف الفاتورة الطاقية الكبيرة للمغرب التي ترتهن بشكل اساسي للخارج و التي تجاوزت 15 مليار دولار سنة 2022، و كذلك في سياق مواكبة أوروبا الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني في أفق 2050.