والي جهة الدارالبيضاء سعيد احميدوش ومن معه.. والافتراء على ملك البلاد
آخر ما يمكن أن يتصور أي مغربي هو أن يقوم والي جهة الدارالبيضاء سطات سعيد احميدوش “ومن معه” بتوقيف عشرات المشاريع الاستثمارية بالدارالبيضاء منذ أكثر من سنتين لحد الآن، ويدّعي، هو ومسؤولوه، أن الملك محمد السادس هو من “أمر” بذلك.
هذه هي الذريعة التي، في سابقة من نوعها، يُواجه بها “سرِّيّا” المنعشين العقاريين المتوقفة مشاريعهم، رغم توفرهم على كل التراخيص القانونية، ابتداءً من رخصة الاستثناء صادرة عن الوالي احميدوش نفسه، ورخصتي الهدم والبناء الصادرتين عن مجلس مدينة الدارالبيضاء.
مناوراتٌ شتّى وحِيلٌ عدة تم نهجها من طرف مسؤولي الدارالبيضاء لتوقيف أوراش بناء عشرات المشاريع (فنادق ومكاتب…) بحجج واهية دفعت بعض هؤلاء المنعشين العقاريين إلى اللجوء لتقديم دعاوى لدى المحكمة الإدارية في مواجهة قرارات توقيف مشاريعهم الاستثمارية، التي أصدرها والي جهة الدارالبيضاء سطات ومن معه، وتحصّل المستثمرون على أحكام قضائية صادرة باسم الملك وطبقًا للقانون اعتبرت أن هذه التوقيفات هي تعسف وخرق للقانون، وقالت هيئة الحكم، في حيثيات تعليل أحكامها، صراحةً، أن الوالي سعيد احميدوش ومن معه استعملوا الشطط في سلطتهم بهذه التوقيفات الواهية.
إلاّ أن الوالي سعيد احميدوش لم يتوقف عند حد استعمال الشطط في سلطته، بل تمادى في ذلك بتحقير هذه المحررات القضائية ورفض تنفيذ أحكامها التي تأمر الوالي بإنهاء المخالفات والإسراع بالسماح للمنعشين العقاريين بتنفيذ مشاريعهم.
فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، تحركت، بعد علمها بذلك، إذ دخلت على الخط بصياغة دورية وجّهت فيها أوامر واضحة إلى مدراء الوكالات الحضرية بالعمل على تيسير معالجة ملفات المشاريع المتعثّرة، سواء منها العالقة أو المتوقفة أو التي لم تحظَ بالموافقة، وذلك بسرعة واستعجال، على أساس تصفية هذه الملفات قبل متم شهر يناير 2022، إلاّ أن ما وقع يثير الكثير من الاستغراب وعلامات الاستفهام، فلا السيد توفيق بنعلي، مدير الوكالة الحضرية للدارالبيضاء، ولا السيد سعيد احميدوش، والي جهة الدارالبيضاء سطات، تفاعلا بشكل جدي مع هذه الدورية التي كانت تسعى من خلالها وزيرة التعمير إلى تحريك عجلة الاقتصاد الوطنى بتثمين مشاريع من شأنها أن تدر مناصب شغل وتنعش الحركة الاستثمارية في العاصمة الاقتصادية.
كل هذا لم يُثنِ الوالي احميدوش على الاستمرار في نهج أسلوب “الحگرة” في حق هؤلاء المستثمرين، الذين دخلت توقيفات مشاريعهم عامها الثالث، مما تسبب في خسارات مادية فادحة تكبدها ومازال يتكبّدها أولئك المنعشون العقاريون، ليس هذا فحسب، بل إن الوالي ومن معه، يتسبّبان أيضًا في ضياع ملايير الدراهم من المداخيل على خزينة الدولة!!
إذا كان الوالي سعيد احميدوش ومن معه يتذرعون بواقعة تدخل الملك محمد السادس الشخصي والمباشر بصفته رئيس الدولة لإعمال القانون في قضية هدم “فيلات أخنوش بأگادير”، فذلك كان يريد به الملك إعطاء إشارة قوية، مرة أخرى، أن “ملك البلاد لا يحابي أحدا”، وأن “اللي فرط يكرّط”، وعندما تكلم الملك عن “رخص الاستثناء” كان يريد أن يعني أنها لا تعطي الحق لذوي النفوذ لخرق قانون التعمير، أو السطو على الملك العمومي، وفي نفس الوقت يريد الملك بهكذا قرارات أن يعلن نهايةَ أسطورة “بّاك صاحبي وصّاني عليك”، وبدايةَ قيام المسؤولين بواجبهم بشجاعة في مواجهة أي كان يتجاوز القانون، دون الخوف من بطش “النافذين”، وليس الجمع، بشكل رجعي، بين الأخضر باليابس، بما يجني على مواطنين من المستثمرين “غير ذوي النفوذ”، الذين سبق أن سُلِّمت لهم رخص استثناء قانونية، وهم بدورهم يحترمون القانون…
ورغم هذا، فقد تم نهج أسلوب “العصابات” لدفع بعضهم بالتخويف للتنازل عن رخصة الاستثناء التي سبق أن تحصلوا عليها، فيما تم سحب هذه الرخصة الاستثنائية من البعض الآخر بداعي أنها تجاوزت المدة المحددة لها رغم أن مشاريعهم متوقفة من طرف الإدارة بدون سند قانوني.
أما “الكذبة” الكبرى، فهي تلك التي اخترعها الوالي سعيد احميدوش ومن معه، بعدما تم تضليل وزير الداخلية، وإبلاغ ملك البلاد بتقرير يُزعم فيه أن عامل مقاطعات الدارالبيضاء-أنفا السابق رشيد اعفيرات رخّص لهدم بنايات ذات صبغة أثرية، وكان هذا التضليل وراء إعلان وزارة الداخلية، بتاريخ 13 يوليوز 2020، عن إعفاء العامل من مهامه، وذلك بسبب “سوء تدبيره لملف المحافظة على التراث التاريخي والمعماري بمدينة الدارالبيضاء”، حسب ما جاء في بلاغ الداخلية…
لكن الوثيقة “الداخلية”، التي سبق أن كشف عنها تحقيق لموقع الزميلة Le Desk (لوديسك) لصاحبها علي عمار، أبانت عن “مناورات” من نوع آخر، إن صح التعبير، استُعملت حتى في التعامل مع الديوان الملكي، فتلك المباني التي نوقشت في اجتماع اللجنة مع مسؤولي الدارالبيضاء لم تكن لا هي مصنّفة، ولا هي أثرية، وغير مدرجة تمامًا بلوائح وزارة الثقافة، التي تعتبر الوزارة الوصية على المباني الأثرية.
وحتى لا تُكتشف “الكذبة” وينفضح التضليل، عمد العامل توفيق بنعلي، بمباركة من الوالي احميدوش، إلى إقحام وزير الثقافة السابق، عثمان الفردوس، ودفعه إلى اتخاذ القرار عدد 145.21 بتاريخ 21 يناير 2021، والذي يُقيّد فيه مجالا حضريا بكامله بمدينة الدارالبيضاء في عداد الآثار التاريخية، بناءً على طلب العامل بنعلي، الذي حدد مساحةً شاسعةً تضم جماعة حضرية بالدارالبيضاء بكاملها، بيّن حدودها في تصميم أرفقه بهذا الطلب المؤرخ في 01 شتنبر 2020.
وهذا أيضًا أصبح، بعد ذلك، ذريعة لدى الوالي ومن معه لتوقيف أوراش وعدم الترخيص لمشاريع جديدة منذ أكثر من سنتين، والحالات عديدة وموجودة لا يلزم سوى الوقوف على حقيقتها المرة، التي يعاني منها “ضحايا رخص الاستثناء”، و”ضحايا المباني الأثرية المزعومة”، وفتح تحقيق معمق، سواء كان إداريا أو قضائيا، للتأكّد من أن مبررات التوقيف واهية، وأن والي الدارالبيضاء سطات ومن معه يتذرعون بأن تدخلات الملك المذكورة لإعمال القانون هي “أمر غير مباشر” وجه لهم بتوقيف هذه المشاريع.
لا يُمكن أن يقبل عقل أن يكون الملك محمد السادس وراء تعطيل مشاريع، وهو الذي قال، مرة أخرى، للوالي سعيد احميدوش ومن معه ولغيرهم “وجها لوجه” (Face)، في خطاب العرش الأسبوع الماضي فقط، إن “أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة”، ليشدد على ضرورة محاربة ذلك.
إنه نفس الوضع الذي سبق أن أغضب الملك محمد السادس من قبل واضطره لإلقاء خطاب بنبرة غاضبة وجّهه إلى كبار المسؤولين، تحدّث فيه الجالس على العرش عن انعدام المسؤولية عند بعضهم، إلى الحد الذي قال إنه “عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي (…)، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة”… كلمة قوية لمن يريد أن يعتبر قبل فوات الأوان…
الكاتب: مراد بورجى