أتباع الشيخ ياسين العمري.. لماذا هم متعصبون؟
انتفضت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا مع صوت داعية إسلامي، الذي انتقد مسلسلا على التلفزة المغربية، فانبرى له بعض الناس بنقد كلامه، الذي توجه فيه إلى طائفة من المجتمع “الشيخة”؛ ثم شن أتباع ذات الداعية حملة وهجوما على كل من وضع كلامه تحت مجهر النقد، هجوم غير أخلاقي دفاعا عن الدين حسب ادعائهم.
وفي هذه المقالة؛ سنحاول سرد أسباب وجذور هذا التعصب للدين أو لأي شخص يمثل الدين، لكن قبل الخوض في أسباب التعصب، حري بنا أن نمهد لها بمقدمة تصف طبيعة الإنسان المتجذرة في لاشعورنا.
إن الطبيعة الإنسانية تميل نحو التعصب لاإراديا؛ وبما أننا نضمر في ذواتنا غرائز حيوانية بدائية فلابد؛ من أجل أن نعيش؛ أن نتعصب لذاتنا، ثم أسرتنا، ثم مدينتنا، ثم بلدنا وديننا، لأننا نحتاج للأمن والأمان من أجل البقاء على قيد الحياة، ومن أجل الحماية كما جاء على لسان ماسلو؛ ولكن الإشكال أن البشرية نضجت وارتقت و تحولت إلى المدنية والتحضر حيث شكلت البشرية مجموعات كبيرة تحمي الجميع فتأسست أوطان وحتى مجتمع دولي يحمي الجميع. وبالتالي سيتحول هذا التعصب للذات أو القبيلة أو المجموعة الدينية إلى خراب ودمار بين أفراد الوطن الواحد باستعادة هذه الغرائز البدائية، عندما كانت البشرية في مرحلة الطفولة قبل التحضر والمدنية ويتمظهر هذا، أي النزعات المتعصبة، على سلوكاتنا اليومية عند النزوات الخبيثة من قبيل الغضب والحقد والقلق.
وبعد أن أكدنا على أن التعصب، هو طبيعة البشر البدائية التي لا ينفك منها؛ يبقى العمل ينصب على الثقافة ودورها في تهذيب وتصويب وتغيير هذه النزعات البدائية من خلال زرع بذور الأمان في الوطن الواحد وترسيخ السلوك المدني وقبله تعزيز الفكر المتحضر في ذهنيات وبنيات العقل الجمعي الإسلامي، وذلك عبر التعليم كرافعة أولى من أجل التغيير نحو الأحسن.
ومن أجل هذا؛ يجب المراهنة على تغيير الثقافة الدينية، بتجديد الخطاب الديني وتشجيع الفن بشتى أنواعه بما هو تسامي وضبط للغريزي فينا كما يقول فرويد؛ وإلا سنظل نجتر طبيعتنا الهيجانية والنزوية البهيمية.
الآن نأتي إلى ذكر بعض الأسباب التي تساعد على تعصب المتدينين أكثر، ونورد فيها ما يلي:
أولا؛ الكسل؛ فمجتمعاتنا كسولة ولا تستطيع أن تبحث، لأن الأمر مرهق؛ والإنسان يميل بطبيعته إلى الأسهل ثم السهل؛ وبما أن خطابنا الديني المبني على السماع إلى الشيخ وإعطاء البضاعة جاهزة؛ تجد الكل ينتظر فقط الأوامر والنواهي دون بحث ولا تنقيب ولا مساءلة عقلانية. وهذا يخلق غوغائية على حساب البحث عن الحقيقة؛ فيتم التجييش المصحوب بالشحن؛ فينتعش التعصب ويرخي بظلاله ويمد رجليه بين أبناء المجتمع العوام.
ثانيا؛ يأتي عدم الإعتراف الذي يحس به المتدين المتعصب؛ فتجده غالبا غير ناجح في حياته المهنية والاجتماعية ولم يحقق ذاته، فيبحث عن تعويض لهذا النقص ليجد ضالته في التعصب للجماعة ويحس ولو وهميا بفوز أو انتصار خيالي فينتعش التعصب المرضي بشدة.
ثالثا؛ الخوف من المجهول؛ المتدين المتعصب لا يستطيع أن يغامر بما لديه؛ لأنه هو الملاذ الوحيد الذي يجد فيها ذاته خصوصا الأفراد المنتمون للهوامش؛ إن مسست له نقطة وحيدة في منظومته الدينية سيحس بالخوف من مجهول قد يؤدي به إلى فقدان طمأنينته. والخوف من خسران تلك الطمأنينة، تؤدي به حتما للتعصب من أجل الحفاظ عليها، أي من أجل الحفاظ على ذاته.
رابعا؛ وهو طغيان العقل العاطفي على العقل النقدي، في أغلبية خطابنا الديني، والعاطفي دائما ليس واقعيا عكس العقلاني، الذي يبحث عن مبررات ومسببات الواقع ويعمل على تغييره بمراجعة المسسببات؛ أما العاطفي فيروم إسقاط نفسيته على الواقع وإبداله بالإكراه أو إذا توفرت الظروف بالعنف.
وفي الأخير؛ فالبنية الذهنية للمتعصب، لا تقتصر على المتدين فقط؛ بل تطال حتى الملحد أو اللاديني الذي نشأ في نفس البنية المجتمعية؛ لهذا نجد ملحدين عرب متعصبين، لأنهم غيروا المشمولات والمضامين دون تغيير البنية التي تستحوذ عليهم، المتدين المتعصب هو صديق اللاديني المتعصب، رغم اختلاف المضامين فالبنية واحدة؛ أن تكون متدينا أو ملحدا هو شكل عرضي؛ أما المتعصب فهو جوهر كل متطرف. الدين في جوهره ليس تعصبا ولا تطرفا؛ بل هو تحرير للنفس من الغرائز؛ وعوامل أخرى خارج الدين، هي التي تؤدي إلى التعصب ويتم تغليفها بالدين من أجل مآرب أخرى خفية واعية أو لاواعية.
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.