نحو مؤتمر مزور.. الاتحاد الاشتراكي في خطر
محمد بوبكري-
لقد أثارني عند بدء أشغال التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي، إصرار الزعيم على أن يفرض نفسه رئيسا للجنة التحضيرية، ما يقتضي طرح الأسئلة الآتية : لماذا هذا الإصرار؟ أليس هناك هدف للزعيم من وراء ذلك؟ هل سبق لقادة الاتحاد الذين سبقوه أن ترأسوا اللجان التحضيرية للمؤتمرات السابقة وهم مترشحون للكتابة الأولى؟ ألم يفعل هذا الزعيم ذلك من أجل أن يتحكم في قرارات اللجنة التحضيرية ؟ ألا يفسر ذلك رغبة الزعيم في أن يستمر على رأس الحزب لعهدة ثالثة، و لربما لما بعدها؟
قد يدعي الزعيم أنه ليس مرشحا للكتابة الأولى، علما أن النظام الأساسي للحزب لا يسمح بتجاوز ولايتين للكاتب الأول، لكن لماذا يطلب من أتباعه إعلان تشبثهم به كاتبا أولا لعهدة ثالثة؟ ألا يتعلق الأمر بمسرحية من تأليف الزعيم و إخراجه ؟
وإذا كان الزعيم يدعي أنه ليس مرشحا للكتابة الأولى، فإن التحريفات التي أجراها على المقرر التنظيمي تفند ذلك، حيث أصبح واضحا للعيان أنه يرغب في الاستمرار على رأس الحزب، لكن لماذا هذه الطموحات الهوجاء التي لا تعير أي اهتمام لاحترام قانون الأحزاب و لا لأنظمة الحزب ؟ و تجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب الأولون السابقون للحزب المترشحون لتولي منصب الكتابة الأولى لم يسبق لهم أبدًا أن ترأسوا اللجنة التحضيرية للمؤتمرات الوطنية، حفاظا على استقلالية قرارات هذه اللجنة، لأنه لا يمكن للمترشح أن يكون خصما و حكما في الآن نفسه. لكن الزعيم قد خرج عن هذا التقليد الديموقراطي الشفاف، و استطاب المكتسبات المادية التي يذرها عليه منصب الكاتب الأول، لذلك نجده يتمسك بالاستمرار على رأس الحزب. و لكي يتحكم في مفاصله، قام بإفراغه من مناضليه ومؤسسيه، فاستقدم وافدين جددا يتعارضون، من حيث طبيعتهم، مع مبادئ الحزب وقيمه، فصار الاتحاد كائنا عجينيا يمكن أن يصبه في القوالب التي يريدها. هكذا إذن، فقد خطط منذ سنين لمسخ الاتحاد الاشتراكي تنظيميا، وسياسيا، و مجتمعيا، لكي يكون طوع بنانه، و ليبقى زعيما أبديا للاتحاد، الأمر الذي يتعارض مع كل المبادئ الديمقراطية، التي يمتح منها قانون الأحزاب السياسية.
وإذا كان الزعيم يدعي أنه يعمل بالمقاربة التشاركية، فإننا عندما ننظر إلى قائمة المسؤولين عن اللجنة التحضيرية، لا نجد فيها مناضلين مؤسسين للحزب، حيث وضع فقط “كراكيزه” على رأس اللجان الوظيفية لهذه اللجنة التحضيرية، تؤتمر بأوامره لأنه لا يثق في المناضلين المستقلين فكريا.
وتعبيرا منه عن تنكره للمناضلين الاتحاديين في الصحراء المغربية، فقد أقصى هذه المنطقة العزيزة على قلوب المغاربة أجمعين من أي تمثيلية في أجهزة اللجنة التحضيرية للمؤتمر، و تبعا لكل ذلك، لقد أصبح المغاربة أمام حزب ممسوخ الهوية و التنظيم، ما جعلهم ينفرون منه، فأصبح الاتحاد عبارة عن هيكل فارغ، عديم الامتدادات المجتمعية و عاجز عن القيام بدوره الدستوري. وإذا كان الزعيم وأتباعه يدعون أن عدد المقاعد البرلمانية التي حصل هذا الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة هو أكثر من انتخابات 2016، فقد تناسى هؤلاء أن الزعيم قد استلم الاتحاد في عهدته الأولى بفريق برلماني يتجاوز أربعين عضوا، كما أنهم تناسوا أن الاتحاد لم يحصل على أي مجلس جماعي لأي مدينة كبيرة، و لا يترأس اليوم و لا جهة واحد. وإذا سبق للاتحاد أن كان يمتلك تواجدا واسعا في قطاعات اجتماعية إستراتيجية، فإنه قد أصبح اليوم تواجده ضعيفا في كل هذه القطاعات، ما يؤكد أنه تعرض للانكماش التنظيمي في ظل هذه الزعامة التي انحرفت عن مبادئه وقيمه، وأصبحت توظفها فقط لخدمة مصالحها المادية، ولو اقتضى ذلك خرق القانون.
هكذا، فقد تمكن الزعيم من إفراغ الاتحاد من نوعية مناضليه، الذين عوضهم بكائنات انتخابية، طلب منها أن تأتي بأتباعها الذين تجيشهم خلال الحملات الانتخابية بمقابل مادي، فصار أتباع المرشحين أعضاء في الحزب و في أجهزته، رغم أنه لا توجد لديهم أي علاقة بفكر الحزب، ولا بقيمه. وبذلك أصبح المغاربة أمام طبعة مشوهة لحزب كان دوما يعبر عن آلامهم و آمالهم، ما جعلهم ينفرون منه، حيث لاحظوا أنه يساهم في إفساد البناء الديمقراطي للمغرب، بدل الحرص على تخليق الحياة السياسية…
ونتيجة لذلك، فقد أفلح الزعيم في تحريف هوية الاتحاد الاشتراكي، بإفراغه من مناضليه ومؤسسيه، مما يؤكد أن تغيير طبيعة التنظيم تؤدي إلى انحراف فكري، و أخلاقي، وسياسي، لكن لماذا قام الزعيم بكل هذه الإجراءات الهدامة لهذا الإرث المشترك للمغاربة؟ لقد ارتكب ذلك اعتقادا منه، عن جهل، أن هناك جهات نافذة ترغب في ذلك، ما جعله يتوهم أنها ستتمسك به مكافأة له على ما قام به من مسخ لحزب الشهداء. إنه لم يفهم أن المغرب قد تغير، وأن العالم من حوله قد تحول كذلك، حيث إن المغرب قد تطور، وأصبح يعي أنه في حاجة إلى أحزاب قوية تساهم في تنميته، وقادرة على الدفاع عنه وحمايته داخليا وخارجيا. هكذا إذن، فإن هذه الزعامة لا تفقه في “مفهوم الاستقرار السياسي”، و لا في شروطه الاجتماعية، كما أنها لا تدرك فتيلا في الدراسات الإستراتيجية، ما جعلها لا تهتم إلا بتلبية مصالحها الخاصة، فصارت تلهث وراء توظيف السياسة لتحقيق مكاسب و مآرب ذاتية، لا تمت للعمل السياسي النبيل بأي علاقة.
وللتدليل على تمسك الزعامة بمسخ الاتحاد، فإنها لم تقم بتجديد شرعية أغلب الأجهزة الجهوية والإقليمية و المحلية منذ سنين طويلة، بل سعت إلى تجميد نشاطها و عزل مناضليها، فأصبحت أغلبية هذه الأجهزة بدون شرعية، و أصابها الفتور والشلل، فنتج الفراغ التنظيمي عن ذلك. وكلما انتفض مناضل اتحادي ضد الممارسات المنحرفة للزعامة، أصدرت هذه الأخيرة قرار طرد في حقه، ويتم تعويضه بأحد أتباعها عن طريق التعيين، بدون أي احترام للنظامين الأساسي و الداخلي، و لا للمنهجية الديمقراطية المعتمدة من قبل الحزب.
تبعا لذلك، فقد تمكنت الزعامة من إيجاد “حزب جديد” على مقاسها، فأصبحت لا تعتمد منطق انتخاب المسؤولين الحزبيين محليا، و جهويا، و وطنيا، بل إنها تقوم بتعيينهم حسب درجة الولاء للزعيم.
لذلك، يبدو أن إفراغ الاتحاد من مضمونه الفكري، و السياسي، والتنظيمي، و الأخلاقي ليس هدفه فقط تمكين الزعيم من عهدة ثالثة، بل إن ذلك يروم ترويض الاتحاد، وإضعافه لتتمكن الزعامة من تفويته إلى ذويها مستقبلا.
وانسجاما مع منطقها المنحرف هذا، فقد شرعت الزعامة في تعيين مؤتمري المؤتمر الوطني الحادي عشر بدون انتخابهم، حيث شمل ذلك كافة الأقاليم، وعلى رأسها أقاليم وجدة و الرباط و تمارة… كما أن أغلب المقاعد في الأجهزة الحزبية الوطنية قد تم تفويتها من قبل الزعامة للأعيان المقربين منها، ما يعني أنه لن تكون أي شرعية لهذا المؤتمر، ولا للأجهزة التي ستنبثق عنه، ولا للقرارات والوثائق التي “سيصادق” عليها زورا. و هذا ما جعل أغلب المناضلين والمؤسسين يطعنون في مصداقية هذه الزعامة، و في شرعية المؤتمر الذي يتم طبخه في غرف مغلقة بعيدة عن أعين المناضلين الأصيلين، لأن الانحراف عن المنهجية الديمقراطية ينزع أي شرعية عن صاحبه، كما أنه قد يقضي عليه، و لن تستقيم أحوال الاتحاد إلا برحيل الزعامة الحالية.