الدولة تَعْلَم من هم المفسدون


ما يُلام على الحكومات المتعاقبة بالمغرب، بصرف النظر عن من يقودها ويترأسها، هو التراخي وعدم تفعيلها لمبدأ المحاسبة سوى نادرا وبشكل خجول، لا نقصد هنا ملفات الفساد العادية التي تحال على القضاء؛ فلم نسمع عن فتح باب التحقيق بخصوص ملفات كبرى للفساد، التي تتسرب بعض تفاصيلها للصحافة، وحتى وإن جرى تحريك مياهها الراكدة، في حالات جد نادرة، فبشكل بطيء، وقد يستغرق الأمر جيلا بأكمله قبل أن يتم إصدار الأحكام بخصوصها، وغالبا ما يكون المتهمون فيها قد انتقلوا لدار البقاء.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    الشيء الذي يضرب في الصميم أحد المبادئ الرئيسية التي تؤطر حكامة المؤسسات، وهو مبدأ المسؤولية. وبالمناسبة، فهذا الأخير يعد مبدأ دستوري، نص عليه دستور 2011 في فصله الأول.

    إن إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يعني أننا أمام دولة القانون، حيث لا صوت يعلو فوق صوته، والجميع، مؤسسات وأفراد، ملتزمون باحترام نصوصه ومضامينه. وبالمخالفة، فإنه لا مجال للحديث عن دولة القانون، وعن المساواة أمامه، في ظل غياب هذا المبدأ، أو في ظل تفعيله بشكل مناسباتي وعلى نطاق ضيق.

    وفي ظل سيادة هذا الوضع، أي غياب هذا المبدأ، تنتفي مبادئ الحكامة الأخرى، إذ أن عدم تفعيل مبدأ المحاسبة بشكل جدي داخل أروقة الإدارات والمؤسسات العمومية، يثبت ضعف شفافيتها وفعاليتها ونجاعتها ومقاربتها التشاركية. وهو ما يعني فشل المغرب في محاربة الفساد الإداري بمختلف مظاهره، من: رشوة، سرقة واختلاسات، استغلال النفوذ، الواسطة والمحسوبية، استغلال الممتلكات العمومية، الشطط في استعمال السلطة.

    إن أردنا انجاح ورش النموذج التنموي الجديد، لا بد وأن يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة. الدولة تعلم جيدا من هم المفسدون في هذه البلاد، لأن لها أجهزة مختصة في هذا الجانب، ولا نقصد بذلك تلك المؤسسات المتداولة لدى العامة كالمجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة لوزارة المالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، إلخ. وإنما أجهزة أخرى تراقب كل شيء بالمغرب، وتعد التقارير اليومية بخصوصهم، بعض هذه الأجهزة لم يسمع بها يوما المواطن العادي، والغريب أن هذه المؤسسات نجدها تشتغل وفق مبادئ الحكامة من نجاعة وفعالية ومسؤولية، حيث هامش الخطأ فيها يقترب من الصفر، وأي خطأ لا يتم التهاون فيه. الدولة المغربية حينما ترغب، تفعل ما تريد. وقد برهنت على ذلك في أكثر من مناسبة، مثل الطريقة الاحترافية التي نهجتها في تدبير ملف التلقيح ضد جائحة كوفيد-19.

    - إشهار -

    فلماذا يتم الكيل بمكيالين؟ أي لماذا هذه الأجهزة تحكمها مبادئ الحكامة، بينما تغيب أو لا تحترم في بقية الأجهزة والمؤسسات العمومية للدولة؟ إن المغرب في سنة 2020 احتل الرتبة الثمانين عالميا في مؤشر الفساد.

    إن الدولة المغربية ليست على نهج واحد، ففيها من يعارض البرامج الإصلاحية، ويعرقلها، وفيها المناصر لها، وهذا التيار مختلف حول طريقة تنزيل ذلك، أي أن الدولة المغربية يحكمها جناحين، شأنها شأن بقية الدول، يمكن وصفهم، إن صح هذا التوصيف، ب “الحمائم” و “الصقور”. وهذا التدافع، يسلط الضوء على سبب واحد من أسباب إفشال العديد من البرامج والمخططات الإصلاحية. التدافع حاصل بين من يريد الإصلاح، وبين من يرغب في الحفاظ على الوضعية الحالية حفاظا على مصالح خاصة ضيقة.

    لكن من هي هذه الدولة؟ إنها الدولة العميقة، وبالمخالفة، وبكل تأكيد ليست هي الحكومة المغربية التي في الواجهة!

    نتمنى أن يكون النصر هذه المرة حليف “الحمائم” حتى يرى النموذج التنموي الجديد النور. أمل المغاربة فيه كبير. وكما قالت المرحومة “الحاجة الحمداوية”: “إذا خيابت دبا تزيان”، نأمل أن يتحقق ذلك سريعا!

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد