هل انتهى الدور الريادي لحزب العدالة والتنمية؟
ينطلق هذا المقال من فرضية مفادها أن حزب العدالة والتنمية بصيغته وشكله الحالي تحول إلى حزب شبيه بباقي الأحزاب الإدارية والسياسية الأخرى، الفرق الوحيد الذي يميزه عنها هو عدم نهب المال العام.
كما أننا ننطلق من مقدمة ثانية مفادها أن حزب العدالة والتنمية في مرحلة تدبيريه السياسي لولايتين حكوميتين متتاليتين عرف منهجين سياسيين، منهج يقوم على قدر محترم من المقاومة والصمود ويعي أنه يستمد وجوده في الحياة السياسية من مشروعية صاعدة (المجتمع) وليس مشروعية فوقية(هرم السلطة) كما أنه مستعد للصبر على تأدية الأثمان الغالية (خطاب بنكيران في ملتقى الشبيبة بفاس)، ومنهج أخر يقود حاليا الحزب نحو حتفه، يقوم على المهادنة والتبرير ومحاولة التماهي مع إدارة الدولة بدل لعب دور الوساطة بينها وبين المجتمع.
إذا اعتبرنا أن الحزب السياسي هو هيئة سياسية لها خطابها وأفكارها التي تقنع بها الجماهير من أجل الدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية وهو ما يمكنها من لعب دور الوساطة بين المجتمع وإدارة الدولة، الأمر الذي نجح فيه الحزب في مرحلة عبد الإله بنكيران عندما أقنع هذا الأخير المجتمع بالتصويت على حزبه معتمدا بالأساس على منهج سياسي مستلهم من روح ومبادئ الحركة الوطنية ممارسة وأهدافا، حيث يقوم هذا المنهج على الدفاع عن العدالة الاجتماعية وتقوية المسار الديمقراطي ولعب دور حائط الصد اتجاه المخزن، هذا الأخير الذي يعتبره العروي يتمدد إلى حيث يقدر إلا إذا وجد أمامه مجتمعا واعيا متشبعا بالقيم المدنية والديمقراطية.
هذه المرحلة سيتمتع فيها الحزب بقدر كبير من المصداقية، الأمر الذي مكنه من تحقيق 127 مقعدا برلمانيا وتسيير جماعات ترابية مهمة.
إلا أن هذه المصداقية التي تعد الرأسمال الوحيد لحزب المصباح سرعان ما ستتلاشى بعد جملة من التنازلات بعضها يرقى لمستوى الخيانة والانقلاب على مبادئ الحزب ثم أصوات المتعاطفين معه.
إن أول تحدي سيواجه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة هو تحدي المصداقية، فهذه الأخيرة التي شكلت عنصر قوة للحزب سيتم ضربها عبر مجموعة من القرارات التي جعلت منه ينتقل بصورة خطيرة من حزب يدافع عن حقوق المغاربة ومصالحهم المادية والمعنوية إلى حزب سلطة يبرر لإدارتها منزلقاتها وأخطائها.. فكيف سيثق المجتمع مرة أخرى بحزب انقلب على مبادئه دون أدنى مقاومة؟ ومن أبرز الشواهد الدالة على هذا الأمر ما يلي:
سكوته عن الانتهاكات الحقوقية وإخراس الأصوات الحقوقية والصحفية.
شيطنة الحكومة التي يقودها الحزب الاحتجاجات الاجتماعية “اتهام جماعة العدل والإحسان خلف احتجاجات الطلبة الأطباء نموذجا”.
خضوع وزراء الحزب للتعليمات وتمرير عدة قرارات غير واردة في البرنامج الحكومي “الساعة الإضافية نموذجا”.
تهميش الحكومة والمجالس الترابية في مرحلة جائحة كورونا وهو ما جعل الفاعل المنتخب بدون قيمة اعتبارية.
فضيحة قانون الإطار الذي منح اللغة الفرنسية مكانة مهمة على حساب الهوية المغربية.
فالحزب الذي صدع رؤوسنا بمركزية القضية الفلسطينية سيقوم أمينه العام بتوقيع الاتفاق الثلاثي المتعلق بالتطبيع في تناقض تام مع مبادئ ومرجعية الحزب وذلك بمبرر يضرب المشروعية المجتمعية التي قام عليها الحزب، يتجلى في عدم معارضة الدولة في قرارتها وهو ما يعني التماهي المطلق مع الدولة.
الوقوف في وجه الاحتجاجات الاجتماعية (الحسيمة وجرادة بدل الترافع من أجل مطالبهما).
التناقض الفج والغريب لحزب العدالة والتنمية بين 2016 وموقفه اليوم من قانون الكيف.
خروج الداودي من الحكومة ولم يف بوعده حول تسقيف المحروقات واستسلامه أمام لوبيات الاقتصاد.
والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا هذه فقط بعض منها.
كما أنه تتعزز لنا صوابية فكرة نزول حزب المصباح من ريادته وتحوله لحزب شبيه بالأحزاب الإدارية عبر حقيقة واضحة: فقيادات الحزب وصلت لحقيقة تجعلها ترفض المنهج الأول والمسار الذي كان عليه الحزب قبل البلوكاج وهي أن خيار المقاومة يؤدي لا محالة إلى مواجهة مع الدولة وتفسد العلاقة بينها وبين هذه الأخيرة، الأمر الذي جعلها ترفض خيار الولاية الثالثة لعبد الإله بنكيران الذي لم ينازع منذ مراجعاته الفكرية، الملكية في مشروعيتها، ولكنه لمح بالمقابل أن من حق حزبه معارضة قراراتها حتى وإن دعا ذلك للوقوع في المحنة “خطابه في لجنة ترشيح الوزاء بعد تعيين سعد الدين العثماني”، حيث تعتبر هذه القيادة أن معارضة الملكية هو خروج على ولي الأمر لذلك أصرت على عدم إعطاء تعريف ووصف دقيق للتحكم حتى لا تصطدم مع الملكية، وهو ما يجعلنا نقر بأن المنهج المستلهم من روح الحركة الوطنية والذي مكن الحزب من مكانته بين فئات المجتمع ذهب مع أدراج الرياح ولن يعود بسبب التخوف المبالغ فيه من الاصطدام مع الدولة، فأصبحت الدولة تشكل بطريقة أو أخرى مرجعية لهذا الحزب.