الوسائل التحسيسية لتنزيل الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة
*طالب باحث
الوسائل التحسيسية لتنزيل الإستراتيجة الوطنية للتنمية المستدامة
إلى جانب الوسائل المؤسساتية التي تعتبر اللبنة الأساسية في تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، توجد أيضاً الوسائل التحسيسية التي تعتبر خير مساعد للوسائل المؤسساتية عن طريق تقديم التوعية وعمل المبادرات داخل المجتمع بهدف واحد هو إنجاح تنزيل الاستراتجية على أكمل وجه. ومن بين أهم الوسائل التحسيسية : الأسرة والتعليم ( المبحث الأول )، والمجتمع المدني ( المبحث الثاني ).
المبحث الأول : الأسرة والتعليم
تعتبر الأسرة والتعليم من بين أهم الوسائل التحسيسية داخل المجتمع نظراً لدورهما الكبير في التأثير على الأجيال الصاعدة، فالأسرة لها دور هام في التنمية وفقاً لما تقوم به من توفير المناخ الطبيعي لتنشئة الإنسان التنشئة الإيجابية وهي أحد أهم الروافد التي ترفد المجتمع بأهم عنصر من عناصر التنمية ألا وهو العنصر البشري فالأسرة القوية المتماسكة تمد المجتمع بالعضو الفاعل والمجتهد في إنتاجه. ومما لاشك فيه أن مسؤولية أمن الوطن تقع على عاتق كل من يعيش على أرض الدولة، حيث أنهم هم الذين سوف ينعمون بالراحة والطمأنينة فيه، وبالطبع فان المسؤولية الأولى تقع على الأسرة؛ باعتبارها البوتقة التي يخرج منها المواطن الصالح ؛ لذا يجب على الأسرة أن تعي دورها تماما تجاه أمن المجتمع، وأن تقوم بدورها من خلال تنشئة أولادها على حب الوطن وحفظ أمنه من خلال أدوارها المختلفة من ( تربية ووقاية ورقابة وتعاون وتوعية ).
وهي اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي الأساس المتين الذي يقوم عليه هذا الكيان فبصلاح الأساس يصلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليماً ومتماسكاً كان لذلك انعكاساته الإيجابية على المجتمع فالأسرة التي تقوم على أسس من الفضيلة والأخـلاق والتـعاون تعتبر ركيزة من ركائز أي مجتمع يصبو إلى أن يكون مجتمعاً قوياً متماسكاً متعاوناً، يساير ركب الرقي والتطور.
وقد اختارت الأمم المتحدة شعار “الأسرة وتغير المناخ” لسنة 2019 من أجل التركيز على أهداف التنمية المستدامة، حيث يحتفي المنتظم الدولي بيوم الأسرة الدولي في 15 ماي من كل سنة، وتم التركيز هذه المرة على الأسرة والسياسات الأسرية، بهدف :
إدماج التدابير المتعلقة بتغير المناخ في السياسات والاستراتيجيات والتخطيط على الصعيد الوطني.
تحسين التعليم وإذكاء الوعي والقدرات البشرية والمؤسسية للتخفيف من تغير المناخ، والتكيف معه، والحد من أثره والإنذار المبكر به.
فعلى الرغم من أن تغير بنى الأسر في كل أرجاء العالم تغيرا كبيرا في أثناء العقود الماضية بسبب الاتجاهات العالمية والتغيرات الديمغرافية، إلا أن الأمم المتحدة لا تزال تعترف بالأسرة بوصفها اللبنة الأساسية للمجتمع.
ويتيح اليوم الدولي للأسر الفرصة لإذكاء الوعي بالقضايا ذات العلاقة بالأسر بما يزيد من المعرفة بالعمليات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر فيها، كما يتيح الفرصة في كثير من البلدان لتسليط الضوء على المجالات المختلفة التي تهم الأسر. وأما بالنسبة للتعليم فإنه يهدف بشكل عام إلى استثمار الطاقات والقدرات المادية والبشرية المتاحة لتحقيق رفاهية المجتمع، لكونها عملية شاملة و متكاملة يتوقف نجاحها على ما ينجزه الإنسان من جهد متعدد الجوانب والأشكال. و يعتبر التعليم دعامةأساسية للتنمية البشرية(مكون أساسي في التنمية العامة) التي تهدف الى توسيع الخيارات المتاحة للناس، ومن حيث المبدأ يمكن أن تكون تلك الخيارات بلا حدود تتغير عبر الزمان، ولكن ثمة ثلاثة خيارات تبقى جوهرية في كل مستويات التنمية وهي؛ أن يعيش المرء حياة صحيحة وطويلة، وأن يكتسب المعارف والمهارات، ثم أن يحصل على الموارد الضرورية لتوفير مستوى عيش لائق.
وفي حالة ما تعذر على الفرد تحقيق تلك الخيارات الثلاثة فإن مهمة الحصول على كثير من الخيارات الأخرى تظل مهمة صعبة المنال. ولكن التنمية البشرية لاتقف عند هذا الحد، فهناك خيارات أخرى يسعى كثير من الناس استغلالها، وهي تمتد من الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى توافر فرص الخلق والإبداع والتمتع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان، وتأسيسا على ذلك فالتنمية البشرية باختصار هي عملية تمكين الإنسان من تحقيق إنسانيته وحاجاته وتنمية مستويات متعددة من قدراته وطاقاته وحوافزه.
ولأجل الإحاطة ببعض جوانب هذا الموضوع الشائك ارتأيت طرح بعض التساؤلات كمحاولة لمقاربة الموضوع وارتباطه بالتنمية البشرية من قبيل ما هي أهم أدوار التعليم في عملية التنمية؟
يؤكد العديد من المفكرين والباحثين في علم التربية اليوم أن التخطيط التربوي القائم على تنمية الثروة البشرية وحده يستطيع تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة، هذه الأخيرة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي ولكنها تتجاوزه إلى إطار واسع للنمو، تأتي في مقدمته المحدد البشري قبل الاقتصادي، مما يفسر اهتمام الدول المتقدمة حضاريا واقتصاديا واجتماعيا بالموارد البشرية وتسخيرها للتقدم ولرقي المجتمع انطلاقا من النهوض بالجانب التربوي.
ومن هنا تتجلى العلاقة التبادلية بين التربية والتنمية، فكل واحدة منهما تؤثر وتتأثر بالأخرى، لدرجة يصعب الفصل بينهما فالتربية تؤثر على التنمية من خلال تحديد النموذج التنموي المنشود و وضع المشاريع اللازمة لهذه الغاية بكل دقة وموضوعية ورصد الإمكانيات والموارد الكفيلة مع القيام بالتقويم لجميع مراحل الإنجاز، مما يسمح في نهاية المطاف من تحقيق أهدافه المرسومة، وبالمقابل تستفيد التربية من التنمية من خلال الاستغلال الأمثل للفائض الاقتصادي قصد توفير الحاجيات الأساسية والضرورية لتطوير العمل التربوي وجعله يحقق أفضل مردودية تنموية .
إن التخطيط للتنمية البشرية يبدأ من المسألة التعليمية ومن تأهيل المدرسة لدورها المركزي في مواجهة واقع التخلف، والقيام بمهام التحديث على مختلف المستويات، وفي تنشئة أجيال منتجة ومبدعة على اعتبار أن دور التعليم في ظل التحولات العالمية الراهنة هو تكوين النشء الصالح وإعداده ليصبح قادرا على مواجهة تحديات العولمة والتفاعل مع متطلبات التنمية .
ويظل هدف التنمية الأساسي هو ازدهار الإنسان و الارتقاء به، والتنمية في جوهرها لا تتحقق إلا: بتعليم ناجع تتوفر فيه الجودة و بتعليم يؤسس لمجتمع مواطن و بمجتمع تسود فيه العدالة الاجتماعية و المعرفة التي تقوم على تلبية حاجيات المواطن المغربي في التطور الشخصي والاجتماعي والوعي والمشاركة والفكر النقدي والكفاية الاقتصادية والإنتاجية.
المبحث الثاني : المجتمع المدني
يعتبر المجتمع المدني الرأسمال الاجتماعي للمجتمع، كما يعد شريكا أساسيا في المساهمة في مجال السياسات التنموية، حيث لم يعد الدور يقتصر على الدولة والجماعات الترابية بل ثم التركيز في السنوات الأخيرة وفي حالة دول العالم التي نجحت في قيادة التنمية بكل أبعادها على نقل العديد من الأدوار للقطاع التطوعي ( المجتمع المدني ) والذي أصبح شريكا فعالا في تقديم العديد من الخدمات، من هنا ستصبح للمجتمع المدني أهمية في تدبير الشأن المحلي والمساهمة في التنمية .
قبل الخوض في هذه النقطة المتعلقة بمكانة وأهمية المجتمع المدني على المستوى المحلي ارتاينا التطرق ولو بتركيز شديد لمفهوم المجتمع المدني باعتباره من المفاهيم الصعبة التحديد لكونه مفهوم متحرك مستقل وبالتالي فلا يتصور خضوعه لتعريف دقيق وثابت قابل للاستخدام في كل زمان ومكان بالإضافة إلى كونه غربي النشأة 13 الأمر الذي يطرح صعوبات في تنزيله على واقع المناطق الأخرى في العالم حيث تطرح هنا إشكالية الخصوصية الكونية ففي المنظومة الغربية كأرضية النشأة فقد أعطيت له من قبل الباحثين مجموعة من التعاريف بغية التمكن من استيفاء العناصر المطلوبة في تعريفه .
فحسب الفيلسوف الألماني ” هيكل ” فإن المجتمع المدني في نظره يتموقع في الطرف الموجود بين الأسرة والدولة وأن تكونه يأتي في مرحلة لاحقة عن الدولة التي تسبقه كواقع مستقل حتى يتمكن من البقاء .
في حين يعرفه الآخرون بانه واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي تتضافر في تكوينه عدة عوامل أو بتعبير آخر المجتمع الحديث الذي يتخذ شكله من التحول الديمقراطي. كما نجد بعض المفكرين العرب كالدكتور” إبراهيم أبراش ” يعرفه باعتباره كل المؤسسات والأنشطة المنظمة التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة دون تدخل مباشر من الحكومة. أما من الناحية الإجرائية فيعرف المجتمع المدني بأنه جملة من المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال رئيسي عن الدولة بهدف تحقيق أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستويين المحلي والوطني.
وعلى ذكر المشاركة فإن هذه الأخيرة كمقاربة تعرض نفسها على العمل الجماعي بفعل التحولات الاقتصادية والتقنية وتكاثر الحاجيات المحلية وتعقيدها بالإضافة إلى تنامي مطلب المشاركة في تدبير الشأن العام.
فإذا كانت المشاركة تعني أن يكون المرء طرف في عمل ما فإنها تعتبر وسيلة للاشتراك الفعلي لجميع الفاعلين في تدبير الشأن العام المحلي وخصوصا لما أصبحت التنمية المحلية في مفهومها الحديث تهدف إلى إحداث تحولات هيكلية واقتصادية ، وهذا ما دفع بضرورة دعم آليات المشاركة وترسيخ ثقافتها في المجتمع، بحيث تكون الأولوية الكبرى لمدى فعالية مشاركة المواطن المحلي ، عن طريق تمكينه من الفرص الكافية والعادية لإدراج قضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعراب عن خياراته التي يجب إدراجها في إطار السياسية العامة للدولة.
وعلى هذا الأساس يأتي الدور على وظيفة المجتمع المدني في لعب دور الوسيطة اغير الحكومية التي يمارس فيها المواطن نوعا من الإرادة الذاتية والتي تسمح بالانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى درجة الديمقراطية الإسهامية.
وفي المغرب لم يتم الحديث عن المجتمع المدني إلا بداية عقد السبعينات ، حيث تداخلت جملة من الأسباب والعوامل التي تؤثر على بداية إيمان الدولة في قدرة مؤسساته على المساهمة في تدبير الشأن المحلي ، بالإضافة إلى دينامكية قوى المجتمع المدني في المغرب وتغطيتها في وقت قصير لمجموع القطاعات السياسية والاجتماعية ما جعلها تعلب دورا فعالا في الدفع بمسلسل عصرنة الدولة من جهة ، والمساهمة في بلورة السياسات العمومية وتنفيذها من جهة ثانية.
إن هذا التطور الحاصل في أدوار المجتمع المدني لم تأتي من فراغ أو كان وليد الصدفة وإنما هو محطة تجارب عديدة تمت مراكمتها عبر عقود تدخلت وامتزجت فيها مظاهر التعاون والتنافر مع أجهزة الدولة منذ ذلك الحين إلى اليوم عرفت علاقة المجتمع المدني بالسلطات العمومية عملية المد والجزر في مواقفها وعدم ثباتها ويعزو ذلك إلى أسباب تتمثل في ما يلي : – أن السمات التي تطيع السلطات العمومية : أنها تضع نفسها فوق المجتمع المدني الذي هو منبعها :
اعتماد منطق المواجهة : وقد امتدت هذه المرحلة من بداية السبعينات إلى أواسط الثمانيات من القرن العشرين ، وتميزت بالاصطدام المباشر مع ما كان يشكل نواة مجتمع مدني فتي وناشئ والذي كان غالبه على صلة مع الأحزاب السياسية المعارضة وخاصة اليسارية ولهذا وصلت حدة المواجهة في كثير من الأحيان إلى درجة الاعتقال والمنع والمصادرة وخاصة في حق العمل النقابي ؛
نهج أسلوب المنافسة والانفتاح : وذلك بالاهتمام المتزايد لمؤسسات المجتمع المدني الشيء الذي نتج عنه خلق العديد من الجمعيات ترفع نفس أهداف وشعارات باقي مؤسسات المجتمع المدني الحرة وأمدتها بجميع الإمكانيات المادية وجعلت على راسها أعيان السلطة والمال حتى تقوي نفوذها في المجتمع ( مثل جمعية أبي رقراق ، جمعية إيليغ ) ، هذه الجمعيات أصبحت أنشطتها تغطي الكثير من الأنشطة السياسية الرسمية .
من هنا يتضح أن الدولة في أمس الحاجة إلى المجتمع المدني ، بحيث لم تعد السيد الوحيد المهيمن على تدبير الشأن العام وبالأخص التضييق الفجوة بين احتياجات الافراد وتوقعاتهم من ناحية وقدرات الجماعات الترابية ورغبتها في الاستجابة من ناحية أخرى وما يؤكد صدقية هذا الطرح ، تقدير الدولة لدور الجمعيات ورغبتها في تطويرها ودعمها من خلال إشراكها في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التي تهم كل جماعة من الجماعات وهذا ما يعبر عن التزايد الملحوظ في عدد الجمعيات التي تهتم بالتأثير والمشاركة في برامج التنمية المحلية.
الهوامش :
1: مأخوذ من الموقع : http://lof.finances.gov.ma/sites/default/files/budget/files/pdp_developpement_durable_ar_2018.pdf .
2 : المجلس الأعلى للحسابات، تقرير موضوعاتي حول مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2015-2030، يناير 2019.
3 : مأخوذ من الموقع : https://www.2m.ma/ar/news/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%8A%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-7/
4: مأخوذ من الموقع : http://alislah.ma/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84/
5 : مأخوذ من الموقع : https://cmdi.ma/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9/
6 : اَيت المحجوب المهدي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2018/2019، ص: 85-86-87-88-89.