بوعشرين يكتب.. صحافة السلطة وصحافة المواطن
كلما زاد تاثير الرأي العام في اختيار من يحكم إلا وازدادت الرهانات والصراعات وحتى الحروب على السيطرة على وسائل الإعلام، وهنا تظهر استراتيجيات مختلفة للتصدي للوظائف التقليدية للإعلام من داخله وليس فقط من خارجه ومن هذه الاستراتيجيات نجد الخطط التالية :
1/ تغليب الترفيه والتسلية على وظيفة الاخبار والتثقيف، هذا الفخ يسعى من يقف وراءه لسرقة اهتمام ووقت وتركيز الجمهور عن طريق إغراقه بمواد غير محدودة من الترفيه الذي يتجاوز الحاجة أو الحد، مثل نقل المباريات الرياضية الكثيرة، إلى المهرجانات الفنية التي لاتنتهي، إلى الأفلام الحصرية وغير الحصرية، إلى المسابقات التي تقدم الجوائز، إلى برامج الواقع حيث تستعمل الحميميات الشخصية والغرائز البدائية وحب التلصص لدى الجمهور كطعم للاستيلاء على اتهامات الناس، والتحكم في أغلى شيء لديهم وأكثر شيء يتسرب من بين يديهم دون أي إمكانية لاسترجاع انه الوقت ..
الوقت الكبير الذي يقتطعه الترفيه والتتفيه من الجمهور كل يوم، يكون على حساب معرفته لما يدور حوله وما يهم معيشته وما يتصل بمستقبل أبنائه وفي الأخير نصبح أمام مواطن متفرج بئيس وشقي ومحروم ولا يعرف سبب كل هذا لأنه غارق في فقاعة الترفيه طوال اليوم يعرف تفاصيل حياة المغني او لاعب الكرة بالتدقيق، في حين لا يعرف برلماني مدينته ولا رئيس جماعة قريته ولا قانون مالية حكومته ولا مشاكل مدرسة ابنه …
2/ الشعبوية: هي ثاني اكبر تهديد للصحافة والإعلام، حيث يسعى الصحافي إلى ارضاء جمهوره عوض ارضاء ضميره، فيتحول إلى متعهد حفلات يقدم للمدعوين ما يرغبون فيه وليس وما يحتاجونه، يقدم غير الحقيقي على حساب حقيقي وواقعي … إنها واحدة من صور الصحافة الديماغوجية التي تحمل شعار (الجمهور عاوز كدا) حيث تصبح الحقيقة الصحفية ثانوية، وما يرضي الجمهور ويعجبه هو الأهم، فتصبح أهواء الجمهور وغرائزه خط تحرير للصحافة التي تسمى شعبية وهي في الحقيقة شعبوية.
لا ترى في القارئ إلا جيبه ووقته واهتمامه الذي تبيعه للمعلن في أسوء تجارة يمكن تصورها …. لا يرجع ضعف ثقافة الجمهور السياسية والاقتصادية والأدبية والعلمية إلى ضعف برامج التعليم في المدرسة فقط، بل يرجع كذلك إلى ضعف وسائل الإعلام العمومي والخاص واحجامها عن اداء دورها الثقافي، ونتيجة ذلك تجد المواطن العادي متابع لأدق تفاصيل حياة رونالدو وزوجته وتنقلاته واهدافه وأذواقه ونوع سياراته واستثماراته، في حين انه لا يعرف سبب زيادة ثمن الخضر والفواكه في قفته، وسبب ارتفاع معدل البطالة والتضخم والمديونية في بلاده ….
3/ خضوع الصحافي للسلطة: واحد من صور فساد ورشوة الإعلام حيث يتحول الحاكم إلى رئيس تحرير غير معلن، والصحافي إلى كاتب اكاذيب، والصحيفة إلى منشور دعائي صريح أو ضمني …وهنا تنبثق عدة حيل تحريرية للالتفاف على علاقة الفساد التي تربط الصحافي بصاحب السلطة أو المال أو هما معا منها :
-السكوت عن عيوب السلطة والكلام المسهب عن عيوب المجتمع /
-الهروب من صحافة التحقيق والإقبال على صحافة نشر البيانات الرسمية /
– خلق اجندة اخبار مزيفة تجعل من الخبر لا خبر ومن اللاخبر خبر /
-مهاجمة زملاء المهنة وسلخ جلدهم وموالاة أعداء الصحافة /
-العنتريات الفارغة بالتنمر الصحفي على الأطراف الضعيفة في المشهد السياسي والاجتماعي، والسكوت عن اصحاب القرار والمصير /
-تحريف الحقائق والترويج للرأي الواحد رأي القوي ضد الضعيف /
– وضع لائحة سوداء ممن لا يجوز ظهورهم على صفحات الجرائد الورقية أو الإلكترونية الفاسدة، والقنوات التلفزية والإذاعية غير المهنية /
-الإغراق في الحديث عن الموتى وملفات التاريخ هروبا من الحديث عن الأحياء وعن حاضر الوقت/
-تقديم أكباش فداء للجمهور في وقت الأزمات عبر التركيز على الفساد الصغير لإخفاء الفساد الكبير مثلا / ….
4/ استعمال الدعم العمومي لتأميم الصحافة والتحكم في خطوط التحرير..
إذا كان المال العام الذي يمول المقاولات الصحفية مشروع من حيث انه مال عام موجه إلى دعم صحافة مواطنة تقدم خدمة عامة لا تتقاضى مقابلها من القارئ الذي لا يدفع كل تكلفة انتاج الإعلام، فان استعمال الدعم العمومي كاداة لوضع دفتر تحملات سياسي وتحريري يعد من أسوء صور الفساد الصحافي حيث يجري شراء الصمت والولاء والتواطؤ مع السلطة القائمة …
كانت جملة من الصور والتقنيات والحيل المعتمدة لإفراغ الصحافة من مضمونها وروحها كأداة اخبار للجمهور بما يحدث حوله، ورقابة على السلطة وعلى ما تفعل في السر والعلن ، واداة تواصل لإدارة الحوار بين أطراف المجتمع سعيا لخلق رأي عام. 10/01/2025..
ملاحظة : الحلقة الثالثة من بودكاست كلام في السياسة على القناة الرسمية لتوفيق بوعشرين على اليوتيوب.