بناجح يكتب.. ما جدوى المقــاومـة؟


هو سؤال يتكرر كلما طالت المعركة أو تعاظمت التحديات، وكأنه دعوة للاستسلام أو تبرير للرضوخ.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    هذا السؤال، وإن كان البعض يطرحه بصدق وبمبرر الحكمة، والبعض الآخر يطرحه بباعث العياء واليأس، فإن الأغلب أن يكون الباعث في جوهره ليس بريئا، بل يحمل في طياته محاولة لتبخيس الجهود وتشكيك النفوس في قيمة الدفاع عن المبادئ والحقوق.

    المقاومة ليست مجرد فعل يهدف إلى الانتصار المباشر، بل هي موقف إنساني وأخلاقي يعبر عن رفض الظلم والاستبداد مهما كانت الكلفة. وهي تعبير عن إصرار الشعوب والهيئات والأفراد على الحفاظ على كرامتهم، وعن إيمانهم بأن الحقوق لا تُمنح وإنما تُنتزع بصبر وثبات.

    التشكيك في جدوى المقاومة هو في الواقع دعوة للتطبيع مع الظلم وقبول الواقع كما هو. لكنه يغفل حقيقة تاريخية واضحة: أي تغيير جوهري في حياة الشعوب لم يكن يوما بلا مقاومة؟ فمن حركات التحرر إلى النضالات المدنية.. كان الطريق دائما مليئا بالتضحيات، لكنه أثمر تغييرات جذرية نقلت المجتمعات من الاستبداد إلى الحرية.

    المقاومة ليست فقط وسيلة لتحقيق النصر والغلبة، بل هي غاية في حد ذاتها. فهي تعيد تعريف الإنسان باعتباره كائنا حرا يرفض الذل، وتُبقي جذوة الأمل مشتعلة حتى في أحلك الظروف. أما الاستسلام فهو موت بطيء للروح قبل الجسد، وقبول طوعي بخسارة المعركة حتى قبل أن تبدأ.

    فلننظر إلى التاريخ وإلى الحاضر، وسنجد أن كل ما تحقق من عدالة وحرية كان بفضل مقاومين آمنوا بأن النصر قد يتأخر، لكنه لا يستحيل.

    وهنا يكون الجواب عن جدوى المقاومة أنها هي الحياة نفسها؛ الحياة بمعناها الحر والإنساني والنبيل.

    ولتتضح الصورة أكثر وجب طرح السؤال المعاكس: ما الذي يحدث إذا لم تكن هناك مقاومة؟

    - إشهار -

    أو بصيغة أخرى فإن السؤال الحقيقي ليس عن جدوى المقاومة، بل عن العواقب التي تترتب عن غيابها. فحين تخبو أو تنطفئ جذوة المقاومة، يُفسح المجال للظلم ليتمدد بلا حسيب ولا رادع، ويُمنح الاستبداد والاحتلال والطغيان رخصة للاستمرار دون اعتراض. فغياب المقاومة يعني ببساطة القبول بالعبودية الطوعية، والعيش في ظل واقع يفرض نفسه كحتمية لا يمكن تجاوزها.

    لو لم تكن هناك مقاومة لتحول العالم إلى مكان تُحكم فيه الشعوب بالقهر، وتُكمم فيه الأفواه، وتُسلب الحقوق دون رادع. المقاومة هي الحاجز الذي يقف أمام تغول الظالمين، وهي الصوت الذي يقول “لا” حين يراد لنا أن نقول “نعم” لكل ما يُفرض علينا.

    إن غياب المقاومة لا يعني فقط الخضوع، بل يعني أيضا خيانة الأجيال القادمة، لأن كل تنازل عن الحق اليوم هو عبء إضافي نتركه للأجيال المقبلة لتتحمله. إن مقاومة الظلم اليوم هي استثمار في مستقبل أكثر عدلا وكرامة.

    كما أن المقاومة، حتى حين تبدو ظاهريا غير مجدية على المدى القصير، فهي تحمل رسالة واضحة: أن هناك من لا يقبل بالواقع، وأن هناك من يرفض تسليم روحه وقيمه للظلم. أما الاستسلام فهو شهادة وفاة للقيم والمبادئ، وخيانة للذات قبل أن يكون خذلانا للآخرين.

    بل إن ما يحققه الظالمون ليس إلا نتيجة غياب المقاومة.

    وإذا أردنا أن نتصور عالما بلا مقاومة فلنتخيل عالما بلا حرية، بلا عدل، بلا كرامة.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد