الواقع العربي: أزمة القيادة وتفكك الوحدة الإقليمية


تشهد دول الجزيرة العربية ومحيطها العربي تراجعات كبيرة وتغيرات مهمة في خريطتها الجيوسياسية. حيث ترسم خرائط جديدة، وتغيرات بمزوازين القوى بالمنطقة بفعل تأثيرات الصراع العالمي، في حين أن جل الأقطار الأخرى غير موجودة على الخريطة السياسية، بدليل أن لا دور حقيقي عربي يذكر في التفاعلات الموجودة العالمية، ولم تعد تذكر كلمة العالم العربي نهائيا، بحيث تم استبدالها بــمفهوم “الشرق الأوسط” بهدف إقحام اسرائيل وضمان اختراق القوى الغريبة للمنطقة، والدول الفاعلة حقيقة في الإقليم هي تركيا وايران، وإسرائيل المكونة من يهود تم تهجيرهم من بلدانهم الأصلية دولة غريبة، والدول الثلاث غير عربية.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    لقد ترهل الجسم العربي بالمنطقة وأصابه الوهن، وانتشرت عوامل الخلل في مفاصله وأعصابه، فالأنظمة السياسية دمرت شعوبها، ونتيجة لذلك أصبحت الدول العربية هياكل بلا روح، فالجمهورية المصرية كدولة كبرى ذات تاريخ وحضارة بالمنطقة، للأسف، لم تعد تقوم بدورها التنسيقي، ولو في الحدود الدنيا، الذي كان فاعلا إلى عهد قريب، ولا بأي دور، في هذا السياق، غير دور الوسيط في المباحثات أو المستضيف للقمم العربية ولجامعتها، ولقد تعمق الانحدار العربي وتفككه خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

    لا تتحمل الشعوب المسؤولية في الانحدار والانحطاط في المنطقة، فقد أجهض الاستبداد قوتها، إطلاق سراح الشعوب كفيل لاستعادة حيويتها، فهي قادرة على فعل الكثير، والدليل يعكسه ويبرزه الشعب الفلسطيني بإنجازاته وخلقه لمعجزات بإمكانيات بسيطة كحفر الانفاق وإيذاء الكيان الصهيوني المحتل.

    ممارسة، الأقطار العربية، سياسية “الحياد” بين الحق والباطل، تجاه القضية الفلسطينية، انحياز للباطل وتواطئ مفضوح، والجامعة العربية هي جماع أصفار الذي هو صفر في النهاية، تعاملت مع الحالة السورية كأن سوريا بلد خارج العالم العربي، تغييب الجامعة العربية ليس بالطبع عيبها بل عيب المكونات الأساسية صاحبة اليد العليا في القرار، فهي مرآة تعكس واقع النظام العربي وأقطاره.

    ايقاف هذا التدهور وإعادة التجميع ولم الشمل مهمة مزدوجة بين القوى الوطنية والأنظمة، لكن هناك خلل في البنية السياسية العربية لا يتيح للقوى الوطنية الحية الحقيقية ان تنمو وتتحول الى قوة فاعلة في الساحة، أما الشعوب فبريئة مما حصل، الانظمة هي المسؤولة الأولى عن هذا التدهور، هي التي أضعفت وفتتت قوة المجتمعات سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وكان لغياب أو تغييب الشعوب الأثر المباشر في إضعاف الأنظمة نفسها التي لم تعد قادرة على حماية شعوبها ولا أوطانها.

    المنطقة تعيش مشاكل بنيوية معقدة ومركبة، والدول العربية الكبرى تتحمل مسؤولية أكبر، ينبغي على دول الصف الأول أن تقوم بما عليها تجاه شعوبها أولا، ثم اتجاه القضايا المشتركة ثانيا، للأسف الشديد لم يعد الحديث اليوم عن “العمل العربي المشترك” ولا عن “القوات العربية المشتركة”، وعلى عكس ذلك، تجد كل طرف يحارب لوحده وأحيانا الأطراف العربية تحارب بعضها، أو بينها مشاكل في نزاعات مفتعلة موروثة عن الاستعمار، كما أن هناك دولا تدعم، مثلا، الجيش السوداني وأخرى تسلح متمردي الجيش السريع، ونفس الموقف في ليبيا. وعموما لا وجود لاستراتيجية موحدة بين الدول.

    - إشهار -

    من الأسباب الأساسية لهذا الوضع الموبوء، أيضا، يأتي غياب القيادة العربية. فإلى عهد قريب، كان لمصر موقف وحضور محترم، والآن هي الغائب الأكبر، مما جعل، بعض دول الخليج، مثلا، تبتعد عن كل ما يرتبط بالقضايا العربية.

    لم يترجم العالم العربي قوته الحقيقية على أرض الواقع، فالعقل العربي يتحدث عن أمجاده في الماضي ولكن لم يفتح حوارا حقيقيا حول أمراضه، لا يجرؤ أحد على الحديث بصراحة وشجاعة عن الحاضر لتصحيحه واستنهاض قدرات الشعوب.

    تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي وثيق الصلة بتدهور الوضع السياسي، والفساد البنيوي في السياسة والاقتصاد ووسط الجيوش بالمنطقة العربية يعمق ويعيق التنمية الاقتصادية، ومحاربته مدخل أساسي للتقدم، ومن جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن الإستقلال الوطني الحقيقي الشامل، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، في ظل “الاحتلال الوطني” من طرف الإستبداد وتسلط الحكام، فالسيادة في المنطقة العربية تحتكرها فئة أو طائفة أو عائلة أو شريحة أو قبيلة.

    لقد اختلفت الخرائط السياسية للعالم العربي وأضحى جسما ورقيا مريضا عاجزا، يستحيل استعادة قوته بدون تقوية واستقلال مؤسساته المجتمعية لتكون معبرة حقيقة عن المجتمع وليس معبرة عن مزاج أي فئة معينة. ويبقى السؤال حول من صاحب موازين القوة في العالم العربي الان؟
    العالم العربي جسم بلا رأس، فغياب القيادة العربية جعل الارتباك يصيب مسارات بعض أطرافه. دفع هذا الوضع المهترئ ببعض الأنظمة، في الخليج تحديدا، للإعتقاد بإمكانية الإستمرار خارج أي ارتباط بالتكتل الحاصل الذي تجسده الجامعة العربية. إن غياب تكتل حقيقي فاعل وغطاء تحتمي به ، يجعل دول الخليج تبحث عن غطاء جديد بديل كصنع نهضة تنموية لنفسها، أو بناء جبهة داخلية قوية.

    العلمي الحروني- ناشط يساري

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد