ماذا تبقى من المخدرات الصوتية لحزب العدالة والتنمية المغربي؟


لا شيئ بقي لحزب العدالة والتنمية المغربي لإستثماره في الإنتخابات القادمة ،فالسلة نفذت والحزب سقط عن كل المبادئ المزيفة التي شكلت جوهر دعايته، وعلى رأسها “الإسلاموية” الشعبوية ومناهضة التطبيع والفساد والتعاطف مع الإحتجاجات الفئوية،فالأول وقع عليه على مرآى العالم، والثاني تحالف معه في جميع مرافق التمثلية ،والثالث كافئ فيها الأساتذة بتسخير البلطجية لتعنيفهم ،والشعار الشهير الذي رفعه بنكيران ” عفا الله عما سلف” وهو يقصد مهادنة مراكز الفساد ولوبياته، كانت للمتتبع أول إشارة عن انتهازية هذا المكون السياسي ووصوليته، قبل أن تتوالى الفضائح والتناقضات التي لم تبقي ورق توت واحدة عن هذا الحزب الإسلامي.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    ورغم مصيره المحتوم في الأفول،والضربات التي تلقاها، التجربة علمتنا أن حزب العدالة والتنمية يملك قدر  من الموهبة في استثمار ضعفه وفضائحة ، منها أسلوب التباكي واستثمار علامته التجارية في تقديم نفسه آخر حزب مستقل في قراراته، ويملك قدرة المساهمة في ديموقراطية ممكنة،وقد بدأت مثل هذه الدعاية من خط بنكيران السياسي من داخل الحزب أو نقول تراثه الشعبوي ،وهذا جزء من المغالطات التي تفنن الحزب في بثها منذ إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة بطريقة طارئة وفوقية و هدف مكشوف عنون أنذاك بوقف زحف “الإسلاميين”، فخط الحزب على وقع شعوره بالإستهداف استراتجية تواصلية مزدوجة “حربائية” ترتكز على التباكي وبث الصور المتناقضة ،فعلى الشعب يطل بصورة النزيه الديموقراطي الذي يحارب من جانب المفسدين والمستبدين،وللمؤسسة الملكية والأجهزة الامنية واللوبيات الاقتصادية يتوجه لها بالتملق محاولا  إقناعها بقدرته العجيبة على اتخاذ خطوات يعجز عليها الجميع، تخدم أهداف أمنية معقدة يعرف جيدا حاجة الدولة إليها، وأخرى إقتصادية تحمي المقاولات الكبرى واللوبيات الاقتصادية وكبار الباطرونا.

    وفعلا الواقع ثبت هذه الفرادة في حزب العدالة والتنمية، وقدرته تلك على اتخاذ قرارات ضد مصالح الفئات الشعبية وتبريرها، بدون أن يفقد الكثير، أو تنفجر الأوضاع الإجتماعية ،او تحتك المطالب الشعبية بالمؤسسة الملكية، او حتى ينكسر أمامها الحزب كما حدث للكثير من التجارب من قبل.

    وليست هذه في الحقيقة بفرادة حسنة ،وإنما تأكيد بعد آخر من الواقع على زيف الشعارات التي حملته لسدة السلطة التنفيذية ،وصحة من يقول أنه لا يحارب من حراس الإستبداد كونه يريد الديموقراطية أو توسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان أو أي شكل من أشكال توزيع السلطة كما تسوق شبيبته وجزء من قادته بطريقة غارقة في الشعبوية.. وأكثر من  يعرف هذه الحقيقة هم أنفسهم المتوجسون منه ، فيحاصرونه ليس لأنه يحمل مشروع دولة بديل..ما يحصل فقط هو  تنافس على الشعبية والتملق، ومن يستقطب أكبر عدد من البسطاء ،ومن يستخدم الدين في استقواءه على الآخرين.

    وفي التجربة المغربية ليس البسطاء فقط من عقد على هذا الحزب أمالا للتغيير نحو الأفضل ،فرغم “ظلاميته”،وفي غمرة نشوة التغيير الذي عم الدول القريبة وغياب البدائل ودرئ الأسوأ  وكره خصومه ،لقي الحزب دعما قويا من خارج منتسبي الحركة الإسلامية السلمية ومتعاطفيها ، وأكثرهم من المحسوبين عن خيار الإصلاح المتدرج،منها أصوات خرجت من حركة 20 فبراير ولبيراليين ويساريين ديموقراطيين،وأصوات مؤثرة بعيدة عن أطروحة الحزب الفكرية اقتنعت في مرحلة من المراحل بدعم حزب العدالة والتنمية ليكون حارسا مرحليا لهامش الحريات الذي فتح بالمغرب ،والذي يتسع ويضيق حسب المناخ السياسي والإقتصادي وقوة المدافعين عن الحرية والديموقراطية.

    - إشهار -

    ولم تلقى هذه الأمال أقل من مصير السراب ، فقليل من الأحداث فقط أظهرت حقيقة هذا الحزب الرجعي ،وصدقت مقولة فاقد الشيئ لا يعطيه ،فالحزب لم يطرح يوما تصورا اقتصاديا ضد الاستغلال والتبعية أو دافع عن معتقلي الرأي أو طرح سبل التوزيع العادل للثروة عن طريق مجانية التعليم والصحة والخدمات الأساسية ورفع الأجور ،او قدم مشروع يناقض البنية الاجتماعية الموجودة المكرسة للتخلف والإستغلال “والتخونُج” الذي جرف ما تبقى من الثقافة التقدمية والروح المتوسطية الافريقية للمغرب.

    لذلك خاب كل من راهن على هذا الحزب في حماية المكتسبات، أو انتزاع أخرى او تحقيق جزء من شعاراته البراقة، فخان حتى من عوقبوا بسبب الدفاع عنه ،وكثير منهم صحفيين وباحثين وحقوقيين مرموقين في الساحة المغربية.

    و يبقى تعريفه الصحيح، ألا وهو فطر، ونوع من الأورام التي ينبتها التخلف والإستبداد السياسي واستخدام الدين والقتل على المعتقد، وكثير من الظلمات التي رافقت شعوب الشرق الاوسط وشمال افريقيا منذ 14 عشرا قرنا. وبالنهوض الثقافي والفكري والسياسي والعودة للذات في جانبها المتنور ،وحين ستنار الفئات الشعبية المخدوعة بمخدراته الصوتية ،سيكتشف الجميع الحقيقة الكاملة لهذا الحزب الحربائي ،وسيفرض عليه إعلان العجز الكامل بدل التباكي كل مرة وخداع البسطاء ،ومثله الكثير من التوجهات والتنظيمات المنتعشة من التخلف والأمراض الإجتماعية.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد