اليوم الأممي للمرأة.. كيف يتحقق الانتقال من أسطورة الجمال إلى سلطة العقل؟


قبل الشروع في طرح أفكار المقالة، لابد من توضيح المقصود بالمفهومين أعلاه، إذ نستعمل “أسطورة الجمال”، كمفهوم نسقي وارد في كتاب “أسطورة الجمال” لكاتبته “نعومي وولف”، الذي يناقش كيف تخضع النساء لمعايير جمال غير واقعية يفرضها المجتمع عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والإعلام والمدرسة، مما يكرس لدونيتها. فيما نوظف “سلطة العقل” تعبيرا عن مفهوم إجرائي، نريد به تحقيق الانتقال إلى مجتمع يقوم على أسس عقلانية، بخطى مشتركة، خطى الرجال والنساء، إذ لا مجتمع عقلاني إلا بتحرير المرأة من الأساطير التي تحيط بها، فكيف نحقق هذا الانتقال؟

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    ينظر إلى المرأة عادة على أنها جسد جميل، فبالرغم من أن الرجل كذلك يمتلك جسدا جميلا، قوبل بالإهمال والتهميش، على خلاف جسد المرأة الذي احتفت به المجتمعات على مر العصور، ويثبت الفن  والأدب هذا التصور المحدود لجمال المرأة، أي جمال جسدها، تناسيا للمفهوم الشامل للجمال، “جمال الجسم والعقل والنفس” كما ترى المفكرة المصرية نوال السعداوي.

    تسعى المرأة وفق هذا التمثل، إلى الخضوع لمعايير وضعها المجتمع لجمالها، فتهتم بحجم أنفها وشفتيها، وطول شعرها، وشكل تكورات جسدها، أكثر من عقلها، وتقول السعداوي: “إن قلة عدد النساء والفتيات المهتمات بعقولهن، هي ظاهرة موجودة في المجتمع العربي، وهي ظاهرة لا تدل على أن المرأة ناقصة عقل، ولكنها تدل على أن التربية التي تلقتها البنت منذ الطفولة تخلق منها إمرأة تافهة التفكير”.

    إن مشكلة “أسطورة الجمال”، هي نتيجة للتمييز القائم بين الجنسين، وفي الآن نفسه هي المسبب للفجوة وعدم القدرة على العبور إلى مجتمع “سلطة العقل”، إنها عنف رمزي يواجه المرأة كل وقت وحين، ويكرس لقوالب نمطية جاهزة، توضع فيها، للقيام بدور محدد سلفا، وهو “تلبية الرغبات الجنسية للجنس الآخر”، أو العيش على هامش التاريخ، كما يقول المثل الشهير”وراء كل رجل عظيم امرأة”، أي أن دورها يكمن في مساندة الرجل ليكون فاعلا، لا في أن تكون هي الفاعلة، لذا فهي وراءه  دائما ليصير عظيما.

    الفيلسوفة الوجودية “سيمون دي بوفوار” ترى أن المرأة لا تولد إمرأة ولكنها تصير كذلك لاحقا، تقصد دي بوفوار بهذا الكلام، أن الرجل والمرأة يولدان متساويان في كل شيء، ما عدا تكوينهما البيولوجي، لكن المجتمع عبر مؤسساته، أنشأ فروقا شاسعة بينهما، لتصير المرأة إنسانا من الدرجة الثانية أو جنسا آخر، فيما اعتبر الرجل جوهرا، وفي السياق نفسه، خلصت العالمة الأنثربولوجية الأمريكية  “مرغريت ميد” من خلال دراستها لمجتمعات غينيا الجديدة، إلى أن الاختلافات في الطبائع والخصائص النفسية بين الجنسين، هي نتيجة للثقافة وليست حتمية بيولوجية، حيث وجدت في هذه الجزر البعيدة ميولا وأدوارا للجنسين مختلفة عما يوجد في مجتمعاتنا.

    - إشهار -

    بناء على أن الاختلافات بين  الجنسين  ليست من صنع الطبيعة، اتضح أنها قابلة للتغيير، لذلك دعت الحركة النسوية منذ تأسيسها إلى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتحريرها من القوالب النمطية، التي تحول دون  انتصارها للعقل، ولا يمكن أن يتحقق هذا الانتقال إلا عن طريق تغيير الذهنية التي وصفها “مصطفى حجازي” في كتابه التخلف الاجتماعي (مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور) بـ”المتخلفة”، كيف لا وهي ذهنية، مبنية على الطبقية والتمييز، تفرز مجتمعا يستلب المرأة اجتماعيا واقتصاديا وعقائديا.

    ولا يمكن الاعتقاد في هذا الصدد، أن من يتحمل المسؤولية في هذا الاستلاب هو الرجل، نظرا لكون هذا الأخير خاضع هو الآخر لقوالب نمطية جاهزة سلفا، إذ يسعى جاهدا إلى تحقيق “رجولة مزيفة”، تتمثل في محددات أسطورية من قبيل الفحولة، والقدرة على كسب الأموال، مما يبين أنه ضحية لبناء تاريخي مكتسب، مثله مثل المرأة، ولهذا السبب تدعو بعض الحركات النسائية إلى ما يسمى “الذكورية الإيجابية”، كتعبير عن أهمية انخراط الرجال في عملية هدم التمثلات حول الجنسين، وتحريرهما من سلطة الأساطير، لما يخدم  قيمة المساواة، ومن ثم تأسيسا لسلطة العقل.

    خلاصة القول، إن تحطيم الأساطير المحاطة بكلا الجنسين، هو ضرورة لتأسيس مجتمع يقوم على سلطة العقل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساءلة تمثلاتنا، وإعادة بناءها، من خلال معالجة جذور المشكلة المتمثلة في الذهنية اللامساواتية، التي تنعكس على مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والقوانين المؤطرة للأفراد داخل المجتمع.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد