قراءة في إساءة الإعلام الجزائري للملك.. الدلالات والرهانات



تمر العلاقات المغربية الجزائرية بفترة حساسة وحاسمة تتصل بالنزاع حول مغربية الصحراء الذي تنخرط فيه الجزائر بشكل خفي ومعلن من خلال تبنيها للأطروحة الانفصالية التي تروج لها جبهة “البوليزاريو”. وقد استطاع المغرب خلال الفترة الأخيرة القيام باختراقات تاريخية تبرز سعي السلطات المغربية إلى حسم هذا الملف الذي يرهق المغرب أمنيا وسياسيا واقتصاديا.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    تتمثل بعض مظاهر هذا الاختراق في التمكن من إعادة فتح معبر الكركرات، واعتراف الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية. وارتبطت هذه الدينامية بفتح جملة من القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية من طرف مجموعة من الدول الإفريقية والعربية لتسير الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الاتجاه. وفي الوقت الذي كانت السلطات الجزائرية تراهن على تراجع إدارة “بايدن” عن هذا القرار يبدو أن بايدن سيحافظ على هذا القرار باعتباره متصلا بالإدارة الأمريكية، وليس بشخصيات الرؤساء وتوجهات الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

    إن ثقل الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي، يسمح لنا بالقول بأن واقعا جديدا تشهده المنطقة، ومن شأنه أن يوتر العلاقات بين المغرب والجزائر نظرا لما يتصل بسعي الدولتين معا إلى التموقع في منطقة المغرب الكبير وفي إفريقيا ككل. وفي هذا الصدد، حقق المغرب خلال السنوات الأخيرة اختراقات مهمة على مستوى علاقاته بالدول الإفريقية، وخصوصا مجموعة غرب إفريقيا. كما أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي تبرز مسعى المغرب إلى رسم واقع جديد في إطار عودته إلى عمقه الإفريقي الذي شكل نقطة قوة المغرب التاريخية.

    وبالعودة إلى مسلسل التحالفات والتدافعات التي تشهدها المنطقة يبدو أن التوجس الأساسي للإدارة العسكرية بالجزائر يرتبط باتخاذ المغرب لقرار ربط اتصالات رسمية مع إسرائيل على جميع المستويات: الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والثقافية…

    وهو ما يدل على محاصرة جموح ومسعى الإدارة العسكرية الجزائرية. وبموجب ذلك، فإن السلطات الجزائرية تنظر لهذه التحولات بنوع من التوجس والخوف من فقدان مكانتها الإقليمية والقارية، خصوصا في ظل رهانها على تبني ما تعتبره حقا للشعوب في تقرير مصيرها في رفض معلن للمخطط المغربي للحكم الذاتي الذي يقدم جوابا واقعيا وعمليا قابلا للتفاوض والإغناء في ظل السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.

    أمام هذا الوضع، تعبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في البلدين عن رهانات كل بلد بأشكال مقبولة وتدخل في إطار الاختلاف، وأشكال غير مقبولة من شأنها أن تغذي الحقد والكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري. والمتتبع للصفحات السياسية والاقتصادية والرياضية والإعلامية سيقف على حجم الحقد الذي بلغ مداه الأقصى.

    وأيا كانت قوة الأطروحة التي تعتبر أن صراعات النظامين المغربي والجزائري لا تلزم الشعبين، فإن الواقع على العكس من ذلك إطلاقا؛ إذ تملك وسائل الإعلام قوة هائلة لتوجيه الشعوب والتأثير فيها وفقا لرهانات الأنظمة السياسية، بل إن هذه المعركة هي موضوع للتجييش الديني بأشكال مختلفة لعل أبرزها تسخير النظام العسكري بالجزائري لمنابر المساجد من أجل الترويج لهذه الأطروحات.

    - إشهار -

    وهذا ليس بالمتغير المستحدث؛ إذ طالما ظلت المنابر بالمساجد المغربية والجزائرية تستخدم كغطاء للتحريض والتجييش والتوجيه. وهذا نقاش آخر يتصل بالحاجة إلى الفصل بين الديني والمدني كي يظل الدين مجالا تعبديا صرفا خاليا من أي استثمار أو توجيه سياسي وثقافي.

    يلاحظ المتتبع في الفترة الأخيرة، حجم التهكم والسخرية والتجييش الذي انخرطت فيه وسائل إعلام مغربية وجزائرية؛ ومنها نشر جريدة هسبريس قبل أيام لصورة كاريكاتورية مسيئة للجزائر كبلد وكشعب… ليأتي الرد من جهة أخرى، ليس على هذه الصورة الكاريكاتورية في حد ذاتها وإنما كمحاولة لتقديم صورة كاريكاتورية على التحولات التي تعرفها المنطقة والتي يلعب فيها المغرب جميع أوراقه. لقد اختارت قناة الشروق الجزائرية تقديم الملك المغربي محمد السادس في صورة كاريكاتورية وساخرة تسيء للنظام العسكري بالجزائر ولأذرعه الإعلامية أكثر من إساءتها لشخص الملك.

    وفي هذا الصدد، ينبغي التمييز بين حق النقد وواجب إبداء الاحترام لرؤساء الدول والحكومات سواء في الطرف الجزائري أو المغربي. فلا يمكن لأي بلد أن يتدخل في التوجه العام لوسائل الإعلام في بلد آخر لأن هذا الأمر يدخل في إطار استقلالية الدول ووسائل الإعلام، وكذلك في إطار حق النقد، غير أن وسائل إعلام البلدين تحترف إشعال النيران بشكل فاضح. وبعيدا عن ردود الأفعال الميكانيكية، وغير المحسوبة، فإن الشكل الأمثل للرد على مثل هكذا إساءات لا يرتبط بطرد السفير الجزائري أو قطع العلاقات الدبلوماسية، وإنما يقتضي تقوية الصف الداخلي من خلال الحسم مع الملفات الحارقة التي يشهدها المغرب ولعل أبرزها الردة الحقوقية التي تمثل تراجعا عن بعض المكتسبات الديموقراطية التي حققها المغرب خلال السنوات الأخيرة. إذ أن توسيع هامش الديموقراطية والحرية من شأنه أن يبرز الإشعاع الإقليمي للمغرب.

    وعلاقة بالشكل الكاريكاتوري الفاضح الذي قدمت به قناة الشروق الجزائرية العاهل المغربي محمد السادس، فإنه من الواجب التنبيه إلى أن بعض الأعراف المرتبطة بالمؤسسة الملكية تحتاج إلى تصويب لأن هذا من شأنه أن يبدد تلك الصورة المسيئة لشخص الملك ولصورة المغرب الإقليمية والدولية. ومن ذلك نذكر عادة تقبيل يد الملك، فقد حان الوقت لإلغاء هذا العرف الذي ينم مبدئيا في الثقافة المغربية على التوقير والاحترام، ولكنه ينطوي في سياقات أخرى على الاستعباد والإذلال، ولذلك فإن التراجع عن عادة الانحناء وتقبيل يد الملك من شأنه أن يمثل رسالة قوية لكل من يعاكس المغرب ويسعى إلى تمزيق وحدته أو تشويه صورته.

    وإذا كان نقد توجهات السياسة المغربية يدخل في إطار النقد، فإن احترام الرؤساء والحكام يدخل في إطار واجب التوقير الذي ينبغي على النظامين المغربي والجزائري الوعي به، وإدراك أن قوة البلدين تدخل في إطار الوحدة المغاربية، وترتبط باستشراف مستقبل مشرق لواقع شعوب المنطقة. أما ما تقوم السلطات الجزائرية من شطحات من أجل إلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقية فهو تعبير فاضح عن البؤس والعجز والإفلاس النظري والأخلاقي والسياسي. ونفس الشيء ينطبق على المغرب: فقوة المغرب تكمن في قوة جبهته الداخلية، وفي معالجة الاختلالات المرتبطة بالتراجع الحقوقي خصوصا ما يرتبط بمعاناة معتقلي الريف وأسرهم وأسر باقي المعتقلين السياسيين، علاوة على أن المغرب بات اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة لتوسيع هامش الديموقراطية والحريات وإجراء إصلاحات سياسية، وتوزيع ثروات البلد بشكل عادل يقطع مع مظاهر التفاوتات الاجتماعية والمجالية التي يشهدها المغرب.

    ووفقا لذلك، فإن وجود مغرب قوي، متجانس، منفتح وعادل يعتبر خير رد على إساءات النظام العسكري الجزائري الفاقد للبوصلة والذي يلهي بدوره الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقية خصوصا بعد كبح جائحة كوفيد 19 للحراك الشعبي بالجزائر الذي عبر عن موقفه الواضح من الفساد المستشري في البلد الشقيق والذي يسبح بدوره في بحر من المشاكل والأزمات.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    تعليق 1
    1. انور يقول

      مقال رائع جدا كل التوفيق استاذ خالد ولموقع بديل

    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد