المتآمرون على الصحفي “حميد المهدوي”


عاش المغرب خلال السنوات الأخيرة، على وقع ممارسات لتيار تحكمي نافذ بالدولة تنطوي على التآمر على الأصوات الحرة والمعارضة، في مشاهد غير مسبوقة في تاريخ البلاد، حيث أعطت قوى الفساد والاستبداد انطباعا لدى الأوساط العامة والمهتمين والمثقفين على حد سواء، بأن نظرية المؤامرة أضحت خيارا لدى محيد عنه، بل وسلوكا ممنهجا لدى بعض الأطراف التي باتت تتصرف باسم الدولة في مواجهة منتقدي الأوضاع السياسية والاجتماعية بالمجتمع. حيث تبنى المتآمرون في ممارساتهم سلوكيات استبدادية وقمعية والتي طالت عددا من الإعلاميين البارزين والمفكرين ونشطاء حركة حقوق الإنسان، وذلك بعدما عجزت هذه الجهات عن تبرير مظاهر إخفاقاتها المتوالية في تدبير الشأن العام، هذا دونما تجاهل كون أداء الفاعل الحكومي ظل يشكو من اختلالات بنيوية عميقة مما أدى إلى توسيع دائرة الانتهاكات على المستويين السياسي والاجتماعي.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وفي ظل تبني عدد من الصحفيين والمفكرين ونشطاء حركة حقوق الإنسان لممارسات حديثة تعري عن واقع الفساد المستشري بالعديد من القطاعات الحكومية، وأمام سياسة التجهيل والتفقير الثقافي والفكري التي راح المواطن المغربي ضحية له على جل المستويات والأصعدة، واصل المتآمرون على المشروع الديمقراطي للمغرب استبدادهم وقمعهم للأصوات المعارضة والحرة، إذ قامت السلطات العمومية بتوقيف إعلاميين ومفكرين ونشطاء حقوقيين بارزين وإدانتهم بعقوبات سالبة للحرية، مما فسح المجال لتغول المنتسبين لتيار تحكمي نافذ بالدولة، الأمر الذي جعل ذات الجهات تمعن في استهداف حرية الرأي والتعبير، حيث أضحى المناخ العام يتسم بانهيار غير مسبوق لمنظومة القيم، كما تشكلت لدى غالبية المواطنين قناعة بعدم قدرة مناهضي الفساد والاستبداد على مواجهة دوائر السلطة والنفوذ، هذا فضلا عن كون الأفراد داخل المجتمع باتوا لا يمتلكون القدرة والشجاعة لمواجهة الأوضاع بنوع من الحزم واليقظة، وذلك بعلة أن المتسببين في مأساتهم يتموقعون في قطب قوي لا يمكن انتقاده، مما خلق وضعا نفسيا مركبا لدى المواطنين الأمر الذي جعل الجميع يسلم بنظرية المؤامرة التي تطال المعارضين والأحرار على حد سواء.

    إن مظاهر تغول المنتسبين لتيار تحكمي نافذ بالمغرب، جعلت الممارسة الصحفية تفرز نمطا مهنيا حديثا يرتكز على مقومات تراعي الواقعية في مقاربة القضايا الاجتماعية والسياسية وتسليط الضوء على ممارسات المتآمرين الجدد والذين يستهدفون حرية الرأي والتعبير، وفي هذا الصدد برز الصحفي “حميد المهداوي” مدير منشأة “بديل” الإعلامية، عبر حلقات يومية على قناته ب”اليوتوب”، والتي دأب من خلالها على القيام بتحليل عميق لمختلف الإشكاليات العالقة بالمجتمع بتجريد وموضوعية، الأمر الذي جعل الفاعل الحكومي يخضع لسلطة رقابية شبه يومية، تهدف بالأساس إلى تجويد أداء المسؤولين الحكوميين والذين تربطهم تعاقدات سياسية واجتماعية مع المواطنين، الذين لم ينتخبوهم في الأصل لتمثيلهم بل جادت بهم صناديق الاقتراع إبان استحقاقات 8 شتنبر المشهودة، والتي أنتجت حكومة أوليغارشية، أجهزت على ما تمت مراكمته من مكتسبات ديمقراطية منذ بزوغ فجر الاستقلال، مما أدخل البلاد في حالة احتقان اجتماعي ينذر بانفجار سياسي وشيك إذا لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الآوان.

    إن نجاح تجربة الصحفي “حميد المهدوي” أدت إلى ظهور أزمة صراع غير معلن بين المنتسبين لتيار التحكم وأحرار مهنة “صاحبة الجلالة” على حد سواء، مما ولد نظرية المؤامرة لدى المتآمرين الجدد والتي أضحت متواجدة على جل المستويات والأصعدة، طالما أن الصحفي “حميد المهدوي” انتهج سياسة إعلامية تحليلية تميط اللثام عن فساد مستشري بمختلف القطاعات الحكومية، والتي تورط لا محال الفاعل الرسمي في ممارسات تنطوي على الشطط في استعمال السلطة واستغلال النفوذ، وقد بدا ذلك جليا من خلال تسخير العديد من الأطراف للقيام بمهمة الدفاع القذر والمشبوه عن أشخاص يتصرفون باسم الدولة بل ويشغلون مراكز السلطة والقرار، كما لو أن منتقدي الأوضاع السياسية والاجتماعية يشكلون تهديدا لكينونة الدولة ولسلم المجتمع، والحال أن هاته الأطراف تهدف لخدمة المشروع الديمقراطي للمغرب من خلال تسليط الضوء على مظاهر الإخفاق الحاصل بمختلف المجالات سعيا لتجويد أداء المسؤولين حتى يكونوا في مستوى تطلعات المواطنين .

    - إشهار -

    إن تولد نظرية المؤامرة لدى المنتسبين لتيار التحكم تجاه الصحفي “حميد المهدوي” نابع بالأساس من كون عدد من الفاعلين الحكوميين والذين تعتري ممارساتهم جملة من الشبهات، استشعروا خطورة الانتقاد المبني على التحليل الواقعي والمسؤول، والذي سينهي لا محال هيمنتها وسيضيق من مكاسبها، كما سيساهم في إذكاء الوعي لدى المواطنين وبالتالي صناعة جيل جديد بمقدوره تبني تصورات تعاكس توجهات قوى الفساد والاستبداد. المثير للاستغراب أن حجم المؤامرة والتي استهدفت منشأة “بديل” الإعلامية جاءت في سياق زماني ومكاني موسوم بتراجعات خطيرة على مستوى الحريات والحقوق منذ تنصيب حكومة الأوليغارشية، مما أضر بصورة الدولة أمام المنتظم الدولي. وبالنظر لتزايد منسوب الوعي والثقافة والنضج الفكري والاجتماعي لدى الأفراد داخل المجتمع، قوبلت جل المبادرات الرامية لتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير برفض مجتمعي معلن، إذ باتت نظرية المتآمرين تشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الاجتماعيين.

    وبالرجوع لعمر المملكة المغربية التي بلغ قرونا من الزمن، كان يفترض أن تعتمد الدولة في صراعها مع من يخالفها الرأي على نهج يروم مقارعة الأصوات الحرة والمعارضة بتصورات منفتحة وشمولية تراعي التعددية الفكرية واحترام التزامات المغرب الأممية، عوض فسح المجال لدعاة التشهير وفشلة ينتسبون قسرا لمهنة “صاحبة الجلالة”، كي يخوضوا حربا بالوكالة في مواجهة الصحفي “حميد المهدوي” الذي حظي بدعم منقطع النظير من قبل عموم المغاربة، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول فشل المتآمرون الجدد في تدبير الاختلاف، لتظل نظرية المؤامرة قائمة حتى إشعار آخر.

    أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد