التمسك بالحكومة كمغنم والتملص من التطبيع كمغرم
ذروة الانتهازية: العدالة والتنمية يتمسك برئاسة الحكومة كمغنمٍ ويحاول التملص من التطبيع كمغرمٍ
نتيجة توقيعه على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، بات سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية يجد نفسه في مواجهة دائبة مع العديد من أعضاء حزبه. ففي كل اللقاءات التي يعقدها مع أعضاء الحزب، أو يشارك فيها معهم، عبر تقنية التراسل الاجتماعي، يكون توقيعه على التطبيع حاضرا، ويحصل الاشتباك من طرفهم معه بسببه، ويصبح الأمين العام مضطرا لتبرير التوقيع والدفاع عنه.
والملاحظ هو أن الجملة التي يرددها رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، في سياق الدفاع عن التوقيع، هي التالية: ((لا يُمكن للحزب أن يقع في تناقض أو اصطدام مع خيارات الدولة ومع توجهات الملك))،صارت هذه الجملة بمثابة اللازمة التي يحتمي بها سعد الدين العثماني، ولا يتوقف عن ترديدها..
يبدو الحزب، في هذه الجملة، فاقدا لسيادته بتاتا، ولا يقدر على التصرف فيها، إنها مسلوبةٌ منه تماما، فمهما كان رأيه في أي موضوع من المواضيع المطروحة للنقاش في الساحة الوطنية، فإنه رأيٌ يأتي في المرتبة السفلى أمام رأي الدولة. الحزب، وفقا لتصريح أمينه العام، تابعٌ للدولة وخاضعٌ لها، ومن مبادئه الرئيسية التي يتصرف في هديها، هو حرصه على عدم التناقض مع الدولة أو الاصطدام بها، فكل القرارات التي تريد الدولة اتخاذها، فإنها ستنفذها، بمباركة مضمونة، بشكل مسبق، من طرف حزب العدالة والتنمية، ما دام هذا الحزب يسهر على تحاشي الاصطدام بالدولة.
في هذه الحالة بماذا يختلف حزب العدالة والتنمية عن باقي الأحزاب الإدارية الأخرى التي صنعتها الإدارة سابقا لكي توهم بواسطتها بوجود تعددية حزبية في المغرب، في حين أن الهدف كان من صنع تلكم الأحزاب هو تمييع الحياة السياسية بتفريخ أحزاب بلا مواقف ولا هوية؟ ألا يكون حزب العدالة والتنمية بمثابة حزب ديكور من ضمن هذه الأحزاب المصنوعة إداريا؟ ألا يصبح وكأنه أداة للزينة تتباهى به الدولة وتفاخر عبره بأن لها حزبا إسلاميا مغربيا يشتغل مستفيدا من مساحة الحرية الموجودة في البلد؟
ألا تصبح مهمة الحزب مختصرة في وظيفة واحدة ألا وهي تبرير كل فعلٍ تريده الدولة وتسعى لتسويقه بين المواطنين ذوي الميول الإسلامية، ما دام أن الحزب قد قرَّر سلفا، بأنه لن يخالف رأي الدولة في أي موقف تتخذه وتعلن عنه، لكي لا يصطدم بها، ولا يتناقض معها؟
وظيفة الحزب الذي يتمتع بسيادته واستقلاليته ويمارسهما في الواقع، ليست التناقض والاصطدام مع الدولة، أو التراضي والتوافق معها، وظيفة الحزب هي التعبير عن قناعاته والدفاع عنها، في إطار القانون والدستور، فمن مصلحة الدولة أن يُصدِقَها الحزبُ القولَ، وأن يصارحها بالحقيقة، وأن يجهر أمامها بقناعاته ويحذرها من الإقدام على بعض القرارات التي تبدو للحزب أنها قرارات غير مناسبة، لكي يجنب الدولة الانزلاق في منزلق اتخاذها.
يتعين على الحزب تحمُّل مسؤوليته الوطنية، وتقدير حجم التبعات المترتبة عنها. فالدولة كيان يخطئ ويصيب، وقد يسيئ التقدير والحسابات، ومن مهام الأحزاب الأساسية هي مساءلة الدولة ومماحكتها ومحاسبتها على أي قرار تُقدِمُ عليه، لكي تدرس جميع قراراتها بأناة وتريث، وتتجنب الإقدام على إجراءات لا لزوم لها، ألا يربط الدستور المغربي المسؤولية بالمحاسبة، فأين محاسبة الدولة، إذا كان أكبر حزب سياسي في المغرب، مثل العدالة والتنمية، يحرص، قبل كل شيء، على تجنب الاصطدام بالدولة والتناقض معها، أي أنه حريص على مسايرتها ومواكبتها والتصفيق لأي قرار تتخذه؟
جزء كبير من المغاربة، ومن ضمنهم أعضاء قياديون في البيجيدي لم يوافقوا على قرار التطبيع وعارضوه معارضة شديدة، فهل هؤلاء كلهم قرروا التصادم مع الدولة؟ كلام العثماني هذا الذي يشدّدُ فيه على ضرورة تجنب التصادم مع الدولة وتوجيهات الملك ألا يتضمن نفسا تهديديا؟ ألا يرمي من ورائه إلى إخراس الأصوات التي تنتقد توقيعه على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ ألا يسعى لترهيبها لكيلا تؤاخذه ولا تحاسبه على ما أقدم عليه؟
يفترض في سعد الدين العثماني الذي وقّع على اتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال إسرائيل أن يقدّم للشعب المغربي جردا بالحيثيات التي استند إليها للقيام بهذه الخطوة، وأن يعدد حيثياته الواحدة تلو الأخرى، ويستفيض في شرحها للجمهور، حتى يتبين الرأي العام الوطني منها، ويطمئن إليها، وتتم مناقشة رئيس الحكومة حول التطبيع بناء على الحيثيات التي اعتمدها في تبريره قرار التوقيع عليه..
وفي غياب الحيثيات، فإن الانطباع الذي تتركه جملة ((لا يُمكن للحزب أن يقع في تناقض أو اصطدام مع خيارات الدولة ومع توجهات الملك))، لدى متلقيها هو أن الحزب غير مقتنع بتاتا بخيار التطبيع مع الدولة العبرية، وأنه قد جُرَّ إلى التوقيع عليه جرّا، لكيلا يتناقض ويتصادم مع الدولة فحسب.
لكن، ألا يمكن أن تكون هذه الجملة صيغة ماكرة يتبرأ من خلالها حزب العدالة والتنمية لاحقا من تبعات قرار التطبيع، ويتنصل منها، ويحمّل استقبالا المسؤولية عما قد يترتب من تبعات عن التطبيع للدولة؟ إنها جملة مشحونة تشير إلى أن الدولة هي التي أبرمت التطبيع، وأجبرت العثماني على التوقيع عليه، وهو بريء منه، ولا علاقة له به، شكلا ومضمونا..
أمام قواعده التي رفضت في مجملها التطبيع مع الكيان الصهيوني واستهجنته واستنكرته، ومن أجل امتصاص غضبها ونقمتها، يقوم الحزب، من خلال هذه الجملة، بسلِّ يده من وُحُولِ التطبيع مع إسرائيل، ويمسحها في الدولة. بذلك يتصرف الحزب الذي يرأس الحكومة ويشارك في مغانمها وامتيازاتها، كمن يأكل الغلة ويسب الملة، إنه يمسك بالنواجد، برئاسة الحكومة، كمغنمٍ، ولكنه يحاول التملص من التطبيع مع الدولة العبرية، كمغرمٍ، أليست هذه ذروة الانتهازية والمكيافيلية؟؟؟