ضعف مقترحات القوانين..علامة أزمة “الديمقراطية التمثيلية” بالمغرب


رغم تنصيص دستور 2011 بشكل واضح، في الفصل 70 منه على أن البرلمان “يمارس السلطة التشريعية”، و “يصوت على القوانين”، فإن هذه المؤسسة الدستورية مازالت تخضع لهيمنة السلطة التنفيذية، لاسيما فيما له علاقة بالتشريع، ومرجع ذلك إلى عدة أسباب ذاتية و موضوعية، ولعل من أبرزها ما يعرف بالعقلنة البرلمانية، وهي آلية دستورية تروم الحد من سيادة البرلمان في ممارسة اختصاصته ومن ضمنها التشريع، وقد تم ترسيخها في دستور 2011 بشكل كبير.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    هذا التوجه جعل البرلمان جهازا تابعا للحكومة، حيث أن هذه الأخيرة تعد المشرع الأصلي وفقا للفصل 72 من الدستور حيث ينص على أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون، وهي مجالات واسعة، وغير مقيدة، وبالرجوع إلى الفصل 71 نجد أن مجال القانون محدد على سبيل الحصر في عدة ميادين، يضاف إليها بعض الميادين المتضمنة في باقي فصول الدستور.

    وبناء على مقتضيات الفصل 82 من الدستور، فإن الحكومة هي من تضع ترتيب مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المعروضة على البرلمان، كما يتيح لها الدستور في الفصل 81 أن تشرع في مجال القانون بين الدورات، باتفاق مع اللجان المعنية بموضوع القانون، شريطة أن يعرض على المصادقة في الدورة العادية الموالية، يضاف إلى ذلك إمكانية حصولها على الإذن طبقا للفصل 70 وذلك بأن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير تدخل ضمن مجال القانون، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها.

    ويزيد في الحد من الوظيفة التشريعية وغيرها من وظائف البرلمان، في المشهد السياسي المغربي، تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للإنتخابات طبقا للفصل 47 من الدستور، و كذلك اعتبار الحكومة غير منصبة إلا عند حصولها على ثقة الغالبية المطلقة المشكلة لمجلس النواب بناء على الفصل 88، وهو ما يعني ـ في التجربة المغربية ـ أن جزءا كبيرا من نواب الأمة الذين يشكلون الأغلبية يصبحون تابعين للحكومة، بينما يفترض أن يقع العكس، إذ أن التنصيب البرلماني للحكومة من أهم المكتسبات الديمقراطية التي جاءت مع دستور 2011، و يعد آلية مهمة تثير مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.

    ويتأكد ذلك إذا عرف أن الواقع البرلماني المغربي تسود فيه المصالح، ويغلب على فئة كبيرة من برلمانيه الأمية وضعف التكوين، وسهولة الخضوع للتحكم، وكذلك ما يعانيه من أزمات كبرى، ولا أدل على ذلك من نسبة الغياب الكبيرة التي يعرفها، وعدد المتابعين قضائيا داخله، ناهيك عن مدى مصداقية الانتخابات التي تأتي بأعضائه، الشيء الذي أفرغ المضامين الدستورية – الواردة في الفصل 47 و 88 ـ من روحها الديمقراطية، وجعل منها في الممارسة الواقعية أداة تحد من اختصاصات البرلمان، بل تحول معها إلى مجرد غرفة تسجيل لمشاريع القوانين التي تأتي بها الحكومة، في الوقت الذي كان ينبغي أن تجعل منه فاعلا قويا داخل المشهد السياسي المغربي.

    وفي هذا الإطار يأتي التقرير الذي أعدته جمعية “سمسم” تحت عنوان “حصيلة المبادرة التشريعية للكتل النيابية خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشر”، الذي كشف عن ضعف شديد في عدد مقترحات القوانين التي تقدم بها أعضاء مجلس النواب، معارضةً وأغلبيةً، حيث بلغت 350 مقترح قانون، أغلبيتها قدمت من المعارضة، تمت المصادقة على 16 مقترحا منها فقط، وهو ما يعني أن نسبة المصادقة لم تتجاوز 4.57٪.

    وفي تواصل لموقع “بديل” مع النائبة فاطمة التامني عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، وصفت المبادرة التشريعية النيابية بالضعيفة، مستدلة على ذلك بأرقام الحصيلة، مضيفة أن “أغلب القوانين المصادق عليها كانت مقدمة من طرف الحكومة، الشيء الذي يبين هيمنة المؤسسة التنفيذية على المؤسسة التشريعية، حيث أن الحكومة هي من تشرع في واقع الأمر، ورغم وجود مقترحات قوانين تقدمت بها فرق من المعارضة، تفعيلا لدورها الدستوري إلا أنه للأسف تجاوب الحكومة معها كان ضعيفا إلى منعدما، وهو ما يظهر عدم اهتمام الحكومة بتلك المقترحات، ويبين أنها تعتبر نفسها هي الآمر والناهي”.

    - إشهار -

    وأضافت التامني، “يرجع ذلك إلى توفر الحكومة على أغلبية مريحة، تمكنها من تمرير القوانين التي تريدها، والباقي تضعه في سلة المهملات، أو يبقى رهين الرفوف، ومع الأسف هذا يدل على بعد الحكومة عن الممارسة الديمقراطية، علما على أن أغلبيتها لا دور لها باستثناء الدفاع والتبرير، بدون حتى مناقشة، فقط تكرر خطاب الحكومة، وتصوت بنعم، كما أن حضورها للبرلمان جد ضعيف حتى عندما يكون التصويت على مشاريع قوانين مهمة”.

    وفيما يتعلق بدورها داخل البرلمان تابعت التامني، ” تقدمت بعدد من مقترحات القوانين، من بينها مقترح قانون العفو عن المعتقلين الذي كان يراد منه تصفية الأجواء السياسية، وتأسيس ممارسة ديمقراطية تحترم الرأي و الرأي الآخر، غير أن مصيره مجهول”.

    واستطردت،”الأمر نفسه واجه مقترح قانون تسقيف الأسعار، كذلك مقترحات تعديل مواد القوانين، كانت ترفض جملة وتفصيلا، ومنها مقترحات تهم تعديل بعض مواد القوانين المهمة منها قانون المالية، وقانون المسطرة المدنية، وهذا يبين أننا أمام حكومة لا ديمقراطية، لا يهمها الإجابة عن انتظارات المغاربة، وهو ما تأكده الأزمات المستفحلة داخل المجتمع، والمتابعات القضائية بتهم الفساد التي تطال نواب الأغلبية المساندة لها”.

    و ترى التامني أنه “من المفترض أن يأخذ البرلمان بعين الاعتبار أن المعارضة قوة اقتراحية، لكن للأسف نحن أمام حكومة تدبر الشأن العام وفق مصالح انتخابوية بعيدة عن كل ما يهم المغاربة، و عن ما يمكن أن يسهم في حل مشاكل المغاربة، وفي تجاوز الاحتقانات التي تعيشها العديد من القطاعات، وعلى رأسها أزمة طلبة الطب، من أجل مصلحة الوطن”.

    ولعل السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الأزمة، التي تعكس إحدى أزمات الديمقراطية التمثيلية، هو مدى قدرة هذه الأخيرة على الاستمرار في القيام بمهامها، والتعبير عن مساهمة المواطنين عبر ممثليهم في صناعة القرار السياسي، لاسيما في ظل شبه فشل لتجربة الديمقراطية التشاركية، التي كان يراد منها معالجة اختلالات الديمقراطية التمثيلية، بسبب القيود التعجيزية التي فرضتها القوانين التنظيمية المتعلقة بها، وضعف الثقافة السياسية عند المواطنين، والدليل على ذلك الحصيلة الصفرية لملتمسات التشريع التي جاء بها دستور 2011، وتم تفعيله في إطار القانون التنظيمي رقم 64.14 الذي نظم شروط وكيفيات ممارسة هذه الآلية، كما تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 71.21، حيت تم تقديم 4 ملتمسات طيلة السنوات السابقة غير أنها جميعها لم تصل إلى مرحلة العرض على مكتب المجلس المعني بسبب عدم جمع التوقيعات المطلوبة 20000 ألف توقيع.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد