تدمري عبد الوهاب: المغرب والجزائر بين الانحباس الداخلي والتخبط الاستراتيجي


صحيح ان العلاقة المغربية الجزائرية تخللتها أزمات متعددة ساهمت في رفع منسوب التوتر بينهما الى حد القطيعة الدبلوماسية الكاملة.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    لكن لفهم أسباب هذا التوتر المتزايد الذي يهدد بنشوب حرب بين البلدين. لا بد من مقاربة تاريخية لعلاقة الدولتين من مرحلة الاستقلال إلى الآن، دون اغفال مستجدات الصراع الدولي الحالي الذي القى بظلاله على هذه العلاقة ورفع من منسوب توترها.

    1/ الأسباب المرتبط بمرحلة الاستقلال.

    ان استقلال المغرب جاء نتيجة لاتفاقية ايكس ليبان في غشت 1955 الغير معروفة البنود لحد الساعة !..وذلك رغم معارضة الكثير من قادة الحركة الوطنية أنذاك، كون الوثيقة تمنح المغرب استقلالا شكليا هدفه الحفاظ على المصالح الفرنسية و إجهاض المقاومة المسلحة المغربية مع قطع الطريق على الدعم الذي كانت تقدمه للمقاومة الجزائرية انطلاقا من المناطق الشرقية . اضافة الى ربط المغرب سياسيا واقتصاديا وامنيا بالمعسكر الغربي.

    في حين أن استقلال الجزائر جاء عبر ثورة مسلحة مدعومة من طرف قوى التحرر العالمية، أجبرت الاستعمار الفرنسي على الجلاء دون شروط، مما جعل الجزائر اقرب في توجهاتها الأيديولوجية الى المعسكر الاشتراكي المعادي للرأسمالية والى الأنظمة التي قادتها حركات التحرير الوطنية. وهو ما وضعها في موقع التضاد مع المغرب كحليف للغرب الرأسمالي خاصة في مرحلة الحرب الباردة .

    كما ان الجزائر كانت عضوا مؤسسا وفاعلا في منظمة دول الانحياز. في حين نأى المغرب عن نفسه في الانتماء إليها. بل عمد بمعية المخابرات الفرنسية والاسرائيلية الى اغتيال المناضل المغربي المهدي بن بركة الذي نشط في تأسيسها.

    2/ أسباب أخرى تاريخية ومستجدة: المشاكل الحدودية الموروثة من الحقبة الاستعمارية التي تسببت في ما سمي بحرب الرمال سنة 1963. و كذا الدعم الذي قدمته الجزائر ولا تزال للحركة الانفصالية في الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمغرب منذ سنة 1976 بصفتها حركة تحررية!. وذلك انسجاما مع اختيارات الجزائر المحازبة للمعسكر الاشتراكي خاصة في تلك المرحلة التي كانت تشهد حربا باردة بين المعسكر الغربي الذي ينتمي اليه المغرب والمعسكر الشرقي الذي ارتبطت به الثورة الجزائرية . اضافة الى الاتهام المتبادل في دعم عمليات ارهابية أودت بحياة مدنيين في فندق آسني بمراكش سنة 1994. او التي وقعت في الجنوب الجزائري سنة 1999. ومنها ما هو مستجد كدعم حركات انفصالية جديدة في البلدين او تلك الناتجة عن التنافسية السلبية في زعامة المنطقة المغاربية والإفريقية. وهي كلها أزمات اما مرتبطة بالإرث التاريخي السلبي في علاقة البلدين. او متفرعة عن الصراع الدولي الحالي وما نتج عنه من تدخلات خارجية تسعى الى تأجيج النزاع المغربي الجزائري لايجاد موقع قدم لها في منطقة شمال غرب أفريقيا التي تعد منطقة جيواستراتيجية مهمة تشرف على مضيق جبل طارق وأوروبا وتشكل بوابة اساسية لولوج العمق الأفريقي.

    3/-الأسباب الداخلية وانعكاساتها على العلاقات الخارجية للدولتين :

    -في مسألة الأوضاع الداخليىة
    ان الانظمة السياسية في البلدين رغم اختلافهما في الشكل، بين نظام جمهوري واخر ملكي. الا أنهما يتشابهان في جوهر نظام الحكم القائم على تعددية سياسية شكلية. وانتخابات متحكم فيها سواء من طرف المؤسسة العسكرية في الجزائر او المؤسسة المخزنية في المغرب. مع كل ما يستتبع ذلك من قمع للحريات، وانتشار الريع والفساد المالي والاقتصادي، والغائب الأكبر في كلا النظامين هي المسألة الديمقراطية .

    و ما نشهده من افتعال للمشاكل البينية الجديدة في الآونة الأخيرة المتمثلة في تشجيع الجزائر لحركة استقلال الريف بعد ان دعمت لعقود استقلال الأقاليم الصحراوية المغربية. في مقابل تشجيع المغرب لحركة استقلال القبائل مع كل ما رافق ذلك من شحن وشحن مضاد. خاصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي يسهل توجيهها من طرف الأجهزة الاستخباراتية لمختلف مراكز صنع القرار في كلا الدولتين. أو حتى من طرف قوى خارجية او إقليمية لها أجندات خاصة التي من مصلحتها تعميق الشرخ بينهما لتحقيق مكاسب وتنازلات في ملفات ثنائية سواء مع المغرب او الجزائر. هذا في مرحلة أعدم فيها النظامين السياسيين مصداقية الأحزاب والمنظمات المدنية التي كانت تلعب دور الوسيط في تهدئة الأجواء عبر التذكير بأواصر الأخوة بين الشعبين .

    بالتالي يمكن اعتبار هذا الافتعال الغير المبرر للازمات البينية بمثابة محاولات لتنفيس الازمة الداخلية التي يعاني منها النظامين السياسيين والتي قد ينتج عنها نزاع مسلح بغرض تصدير أزماتهما الداخلية، بدل معالجة القضايا الأساسية الداخلية كقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية والديموقراطية.

    - إشهار -

    -في مسألة العلاقات الخارجية للدولتين.
    كما ان محاولة الجزائر بناء الية للتنسيق والتشاور مع تونس وليبا /طرابلس في غياب كل من المغرب وموريتانيا وليبيا /بنغازي ما هي الا محاولة إضافية للهروب الى الامام.. رغم اهمية هذه الالية في معالجة القضايا العالقة بين هذه البلدان المتمثلة في قضية استغلال المياه الجوفية المشتركة، ومسالة الهجرة، والقضايا الامنية على الحدود الجنوبية لهذه الدول خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية من دول الساحل الافريقي. و تخلي مالي عن اتفاقية الجزائر. كما أن المغرب، وفي إطار عملية رد الفعل كذلك، كان قد طرح مشروع النافذة الأطلسية لدول الساحل الإفريقي في محاولة منه لتشكيل تكتل جديد. وهو ما كنت قد انتقدت طريقة تدبيره في حينه واعتبرته ردة فعل تفتقد لرؤية استراتيجية تدمج الدول المغاربية ودول جنوب الصحراء في تكتل اقتصادي وتجاري قوي، يبوء منطقة شمال غرب أفريقيا مكانة مهمة في المحاور الدولية، ويحصنها من التدخلات الخارجية.

    لكن بما ان السياسات الخارجية للدول هي انعكاس لسياساتها الداخلية. فان ما تشهده العلاقات الخارجية للدولتين لا يخرج عن اطار التخبط الاستراتيجي سواء بالنسبة للمغرب الذي وجد نفسه موزعا بين ارتباطاته التاريخية باوربا و فرنسا الاستعمارية خاصة. وبين القوى العالمية الجديدة في شرق القارة التي انفتح عليها في العقدين الأخيرين وعقد معها شراكات مهمة لم تكتمل. وبين إسرائيل وأمريكا التي اعترف رئيسها ترامب في الدقيقة 90 من ولايته بسيادة المغرب على صحرائه كخطوة تكتيكية لجره لاتفاقية ابراهام وفي نفس الآن سد الطريق على حلفائه التقليديين في أوروبا وكذا الجدد في شرق القارة.

    ودائما في إطار استغلال نقطة ضعف المغرب المتمثلة في قضيته الوطنية وبالجارة الجزائر التي سخرت كل إمكانياتها لتأجيج الصراع في شأنها، يعمل كذلك الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وإسبانيا على جني المزيد من المكتسبات سواء في مسالة اتفاقية الصيد البحري او في مسالة استغلال الثروات البحرية والمعدنية. بل وترابية حين وسع الاتحاد حدود شنغن لتشمل سبتة ومليلية المحتلتين. وذلك بعد خطأ فتح حدود سبتة المحتلة للمهاجرين في شهر ماي 2021 كرد فعل على الزيارة الطبية لإبراهيم غالي لإسبانيا.

    ان التخبط الاستراتيجي الذي تتسم به السياسة الخارجية للمغرب التي كبلتها القضية الوطنية وقضايا اخرى جعلتها تتأرجح في اختياراتها الاستراتيجية. رغم إدراكها للتغييرات الحاصلة في النظام الدولي الذي يتجه نحو التعددية القطبية وبداية نهاية أوربا والغرب كقوة مهيمنة على العالم. هو نفس التخبط الذي تتسم به العلاقات الخارجية الجزائرية التي أصبحت سجينة لقضية الصحراء وصراعها التاريخي مع المغرب.. مما وضعها في موقع الدولة المستعدة لتقديم التنازلات عن مصالحها لاوروبا والغرب بصفة عامة حتى وان كان ذلك على حساب علاقاتها التاريخية بالشرق من زمن الاتحاد السوفييتي سابقا ولاحقا روسيا والصين. وهمها في ذلك هو إضعاف موقف المغرب في مفاوضاته مع دول الاتحاد الأوروبي اضافة إلى ما يمكن إيعازه إلى ردة فعلها عن عدم قبول عضويتها في مجموعة البريكس خلال القمة الأخيرة. وتوتر علاقاتها مع مالي وباقي دول الساحل وليبيا /بنغازي المرتبطة بشراكات أمنية واقتصادية بروسيا والصين.

    كل هذا يبين عدم ثبات السياسة الخارجية للجزائر التي تتسم بالانفعال. وتفتقد لتصور استراتيجي منسجم مع ارتباطاتها التاريخية وقناعاتها المناهضة للغرب الاستعماري .

    من خلال ما سبق نستشف التخبط الذي تعاني منه السياسة الخارجية لكلا البلدين. ولن اقول الغموض الاستراتيجي الذي تنتهجه بعض الدول الوازنة اقليميا او دوليا كالهند وتركيا الخ… للاستفادة القصوى من الوضع الانتقالي الذي يشهده النظام العالمي. لأن البلدين في وضعهما المأزوم داخليا، والصراعات البينية التي تضعفهما غير مؤهلين لنهج ما يسمى بالغموض الاستراتيجي. واستمرار الدولتين على هذا الوضع، في مرحلة يعاد فيها بناء التكتلات والتحالفات الدولية لإعادة صياغة النظام العالمي الجديد. فإن كلا البلدين سيتحولان إلى كيانات تابعة غير موثوق فيهما. بالتالي فان الخلاص لا يكمن في تصدير أزماتهم الداخلية. وتحميل كل طرف المسؤولية للطرف الآخر. بل في إعمال العقل لحل الأزمات البينية بالشكل الذي يمكنهما من الوضوح الاستراتيجي، في زمن حلت فيه المصالح الاقتصادية الاستراتيجية والوطنية محل المصالح الأيديولوجية التي انتهت مع انهيار جدار برلين.

    خلاصة

    ان الوضع الدولي الحالي بما يشهده من صراع استراتيجي تقوده أقطاب عالمية واقليمية صاعدة في مواجهة الأحادية القطبية. وبما يشهده من تكتلات وتحالفات جديدة تعمل جاهدة من اجل تثبيت موقعها في النظام العالمي الجديد. يحتم على المغرب والجزائر تجاوز خلافاتها وذلك عبر :

    -وقف كل اشكال الدعاية والدعاية المضادة عبر وسائل الاعلام الرسمية ومنصات التواصل الاجتماعي .
    -التوقف عن دعم التوجهات الانفصالية مع الأعمال المتبادل لمبدأ احترام السيادة في كلا الدولتين.
    -فتح قنوات الحوار الدبلوماسية لمعالجة القضايا العالقة التي قد تضر بأمن وسلامة أراضي كل منهما واخص بالذكر علاقات المغرب بالكيان الاسرائيلي وعلاقة الجزائر بجبهة البوليزاريو.
    -التوجه نحو عقد شراكات اقتصادية وتجارية تعود بالمنفعة على الشعبين المغربي والجزائري.
    -العمل على تشكيل تكتل اقتصادي وسياسي وأمني لمجموعة دول شمال غرب افريقيا، يؤهل دوله مجتمعة للعب ادوار اساسية فيما يشهده العالم من تحولات. بدل البقاء في موقع البلدان التابعة المعرضة لكل اشكال التدخلات الخارجية.
    وداخليا على الدولتين تعزيز الجبهة الداخلية عبر:
    -تنقية الأجواء الحقوقية والسياسية
    -الانتقال الى ممارسة سياسية ديمقراطية ضامنة للحريات، تربط فيها المسؤولية بالمحاسبة، وتقطع مع كل أشكال الريع والفساد.
    -سن سياسات اقتصادية وطنية تنعكس ايجابا على حياة المواطنين من خلال خلق الأسس السليمة للتنمية المستدامة التي تصون الأمن الغذائي والاقتصادي والصحي لكلا الشعبين. بدل التسابق على بيع المرافق العامة وجذب واستقطاب الشركات المتعددة الجنسيات التي تسعى الى الاستغلال الفج لخيرات البلدين وتحقيق الأرباح الضخمة على حساب المصالح الاستراتيجية للدولتين.
    -سن سياسات خارجية تكاملية تراعي المصالح المشتركة لكلا البلدين الجارين.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد