هل تجمع موريتانيا بين المغرب والجزائر؟
الرسائل الشفوية الثلاث التي نقلها وزير الخارجية الموريتاني، الأسبوع الماضي من الرئيس ولد الغزواني إلى نظرائه في الجزائر وتونس وطرابلس، واكتملت حلقاتها الاثنين الماضي برابعة حملها إلى العاهل المغربي، ألقت ظلالها على الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في المنطقة المغاربية.
لكن عدا بعض التصريحات الإعلامية التقليدية، التي قال فيها سالم ولد مرزوك، في أعقاب لقائه الثلاثاء قبل الماضي، بالرئيس الجزائري إنها كانت «فرصة لتثمين العلاقات الثنائية الضاربة في القدم، التي لها جذور ترتكز على الدم والتاريخ بين الشعبين الشقيقين»، وبعد مقابلته الجمعة الماضية لقيس سعيد قال إنها مثلت «فرصة للتباحث بشأن العلاقات الثنائية العريقة والمتجذرة، وبحث سبل تعزيزها»، وما ذكرته وكالة الأنباء الموريتانية، من أن الرسالة التي أوصلها الخميس الماضي إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي كانت «تتعلق بتطوير علاقة البلدين والمستجدات على المستويات العربية والافريقية والدولية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك»، فإنه لم تتسرب أي معلومات أو تفاصيل قد تعطي فكرة شاملة حول الهدف الحقيقي من وراء تلك الجولة.
وكان من الواضح في المقابل، أن ما صرح به ولد مرزوك الاثنين الماضي في المؤتمر الصحافي الذي عقده في الرباط مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، بعد أن سلم الأخير رسالة من الرئيس ولد الغزواني إلى الملك محمد السادس، من أن «هناك تنسيقا بين قائدي البلدين، وهناك بحثا دائما عن مصلحة البلدين، وما يهم الشعبين، وكل الأمور تجد حلا في إطار هذا التنسيق، خاصة بعض الأمور العالقة الآن مثل مسألة الشاحنات»، قد أقفل الباب أمام عدة تأويلات وتخمينات بدأت تدور في الأيام الأخيرة، حول وجود نذر أزمة جديدة، رأى البعض أنها قد تتعمق بمرور الوقت بين الرباط ونواكشوط، بعد قرار السلطات الموريتانية أوائل العام الجاري، رفع الرسوم الجمركية على الشاحنات المغربية القادمة إلى موريتانيا، الذي أدى إلى هبوط ملحوظ في أسعار عدة منتوجات زراعية في السوق المغربية ودفع كثيرين للتساؤل حول تبعاته المستقبلية، وإن كان سيحدث تأثيرا مباشرا على العلاقات المغربية الموريتانية، أم لا، على الرغم من أن هناك من ربطه بإجراء آخر أقدمت عليه الرباط في أكتوبر الماضي، ويقضي بفرض ضريبة على عربات النقل المقبلة من القارة الافريقية، ومنها بالطبع موريتانيا، ما اعتبر بالتالي نوعا من رد الفعل أو المعاملة بالمثل، لكن مسارعة الموريتانيين إلى نزع فتيل تلك الأزمة، كانت دليلا على أنهم يدركون جيدا أن هناك أسبابا عميقة تدفعهم لترجيح كفة التهدئة، وتجعلهم يفضلون إدارة الخلافات التي ظهرت مع جارتهم في الأسابيع الأخيرة بكثير من العقلانية والحكمة، فهم يعلمون أن الظرف الإقليمي والدولي ليس مناسبا بالمرة لإثارة قلاقل، أو مشاكل إضافية في المنطقة. ولأجل ذلك كان وزير داخليتهم صارما وواضحا جدا في مسـألة باتت تشغل المغاربة بشكل كبير، حين قال الخميس الماضي، وفي وقت كان فيه زميله وزير الخارجية يستكمل جولته على الأقطار المغاربية الثلاثة إن «المنقبين الموريتانيين عن الذهب يخاطرون بحياتهم، عبر ممارسة نشاطهم خارج حدود البلاد»، قبل أن يصف المناطق التي ينشط فيها هؤلاء «بالحساسة وغير الآمنة»، ويؤكد أن السلطات الإدارية والعسكرية قامت «بتحسيس المواطنين بخطورة التنقيب خارج الحدود»، و»أن بعضهم استجاب وتوفي آخرون في تلك المناطق». وكانت تلك أحدث إشارة من جانب نواكشوط على أنها لن تسمح بأن تكون موريتانيا قاعدة خلفية لأي نشاطات قد تراها الرباط مناوئة لها، أو مهددة لسلامة ترابها ووحدتها، من قبيل عمليات التسلل التي كانت تقوم بها، من حين لآخر عناصر البوليساريو إلى ما تعرف بالمنطقة العازلة. لكن هل كان ذلك كفيلا بطمأنة الجارة المغربية وتبديد مخاوفها؟ ربما إلى حد ما. فمع أن الرباط تعلم جيدا أنه ليس من السهل على جارتها الجنوبية أن تمنع أي اختراقات قد تحدث على طول تلك الحدود المفتوحة التي تتداخل فيها كثبان الرمال مع الروابط والعلاقات القبلية الوثيقة، فإنها قد لا ترى أن هناك تفهما، وربما حتى تعاونا كافيا من جانب نواكشوط معها في وقف نشاطات البوليساريو، ومنع عناصره من استغلال تلك المناطق لمحاولة التوغل، في ما تطلق عليها الجبهة، الأراضي المحررة ويعتبرها المغرب جزءا من ترابه.
لكن ما الذي يطالب به المغاربة بالضبط؟ وهل يمكن أن تكون تلك المسألة واحدة من الأسباب التي جعلت العلاقات بين العاصمتين تعرف بعض الفتور؟ لقد حكمت الجغرافيا السياسية على نواكشوط بالوجود في موقع صعب، فقد ظلت وعلى مدى أكثر من ستين سنة، تحاول السير بصعوبة على حبلين في وقت واحد، ولأجل ذلك فقد ظل سقف علاقاتها بجارتيها الكبيرتين الجزائر والمغرب محكوما بالحفاظ على توازن ما بينهما، وجعل من تلك العلاقات الثنائية غير قادرة على المضي بعيدا، ومجبرة على التوقف عند نقطة ما. وبقيت عقدة الحل والربط في كل ذلك هي البوليساريو، الذي تدعمه الجزائر ويعتبره المغرب حركة انفصالية.
لقد اضطر الموريتانيون للاعتراف بها في ظرف معين، لكنهم لا يزالون مترددين في التراجع عن ذلك الاعتراف والإقرار بمغربية الصحراء، مثلما فعلت جارتهم الجنوبية السنغال، التي تربطهم بها مصالح واسعة، وتمثل في الوقت نفسه واحدا من أكبر الحلفاء التقليديين للرباط في القارة الافريقية. وهذا ما يضعهم أمام تحد صعب فإرضاء المغرب يعني بالضرورة إغضاب الجزائر والعكس بالعكس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو إن كانت موريتانيا قد استفادت في السابق بشكل أو بآخر من تناقضات وصراعات الجزائريين والمغاربة، فهل إنها قادرة اليوم على القيام بدور إقليمي يسمح لها بتقريب الشقة بينهم، ويجعلها تستثمر بطريقة أفضل لا في تلك الخلافات والنزاعات، بل في توافقات وتفاهمات قد تفتح لها وللشمال الافريقي آفاقا رحبة وفرصا جديدة؟.
لا شك في أن الحديث عن تحول نواكشوط على المدى القصير أي في ظرف شهور إلى واحدة من الدول المصدرة للغاز المسال في افريقيا، بعد الاكتشافات التي حصلت في حقل آحميم على الحدود الموريتانية السنغالية يعزز تطلعها إلى الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار الإقليمي ومن رغبتها في إبعاد شبح أي مواجهة عسكرية قد تحدث على حدودها الشمالية.
ومن المؤكد أن التنافس التقليدي القائم بين الجزائر والمغرب حولها يعطيها ورقة إضافية للقيام بمسعى ما في ذلك الاتجاه، ولعل هناك من سيقول إنه سبق لها أن فشلت في ذلك حين عرضت أكثر من مرة التوسط بين جارتيها، لكن دائرة التحرك الدبلوماسي الموريتاني الأخيرة قد تدل على أن نواكشوط ما زالت مصرة على جمع الجزائريين والمغاربيين تحت مظلة الاتحاد المغاربي. ومع أن ذلك يبدو في نظر الكثيرين مهمة شبه مستحيلة، إلا أنه سيكون من المبكر جدا أن يقر أحد من الآن بفشلها خصوصا في ظل التكتم الشديد حول فحوى الرسائل الموريتانية إلى قادة المنطقة، وعدم الكشف لا عما عرض عليهم ولا عما ردوا به.
كاتب وصحافي من تونس