لماذا تنتشر ظاهرة “المعالجين الروحانيين” في المغرب والسودان؟


يلجأ البعض في بعض المجتمعات إلى ما يعرف بـ “العلاج الروحاني” اعتقادا منهم في قدرة من يسمّون أنفسهم بـ”المعالجين الروحانيين” على حل المشكلات وعلاج الأمراض وإبعاد “الأرواح الشريرة” وفك “السحر”، وغيرها من الأمور.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وتشير بعض التقارير غير الرسمية إلى أن فئة النساء هي الأكثر إقبالا وطلبا وكذلك أكثر من يقعن ضحايا هؤلاء “المعالجين الروحانيين”.

    وأعدت بي بي سي عربي وثائقيا عن ظاهرة “المعالجين الروحانيين” في كل من المغرب والسودان. كما جمعت على مدار ما يجاوز العام، شهادات 85 امرأة، اتهمن 65 “معالجا روحانيا” بالتحرش أو الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب.

    وتعرضت صحفية من فريق عمل الوثائقي إلى اللمس بطريقة غير ملائمة من أحد أولئك “المعالجين الروحانيين”، خلال تصويرها له بشكل سري خلال التحقيق.

    لكن الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان: ما سبب انتشار هؤلاء؟ وما الأطر التي تنظم عملهم؟ وهل هناك ضمانات لحماية من يلجأ إلى خدمات “المعالجين الروحانيين”؟

    “خداع الضحايا والإفلات من العقاب”

    ومِن ضمن مَن تحدثت معهم معدوا الوثائقي، فتاة مغربية، كانت تعاني من الاكتئاب، ونصحها بعض معارفها باللجوء إلى أحد “المعالجين الروحانيين”.

    وأخذت الفتاة بالنصيحة وتوجهت إلى أحد “المعالجين الروحانيين”، الذي أخبرها أن معاناتها بسبب “جن عاشق” سكن روحها.

    وتضيف الفتاة أن “المعالج” طلب منها شم مادة ما قال إنها مسك، لكنها تعتقد أنها كانت مادة مخدرة، إذ فقدت وعيها في إثره. وتستطرد الفتاة: “عندما استيقظت، وجدت ملابسها الداخلية مخلوعة”، وأدركت أني “تعرضت للاغتصاب”.

    لاحقا اكتشفت الفتاة أنها “حامل”، وعند مواجهتها لـ “المعالج الروحاني”، قال إن “الجن” قد تسبب في حملها.

    ومع ذلك، لم تستطع الفتاة إخبار أحد بما ألمَّ بها، وكانت تشعر بالخجل الشديد والخوف من ردود الفعل، وكانت على ثقة من أن اللّوم سيُلقى عليها إذا أفصحت عن ما حدث لها.

    وأشار العديد من النساء، اللواتي تحدثنا مع بي بي سي عربي، إلى نفس الشعور وإلى أنهن يخشين من إلقاء اللوم عليهن إذا أبلغن عما تعرضن إليه من جانب من يسمّون أنفسهم “المعالجين الروحانيين”.

    “لماذا يلجأ البعض إلى المعالجين الروحانيين”

    ورغم تحذير الكثير من رجال الدين من استغلال بعض المحتالين لحاجة الناس، وإيهامهم بقدرتهم على تقديم نفع ودفع ضرر، مازال البعض يلجأ إلى هؤلاء.

    ويَخلط بعض الناس بين الرقية الشرعية في الدين الإسلامي، والتي يُجمع علماء الدين الإسلامي على جوازها، وبين ما يدّعيه بعض من يطلقون على أنفسهم “المعالجين الروحانيين”.

    فبإجماع علماء الفقه الإسلامي، ليس من الرقية الشرعية انفراد الراقي أو الراقية بالشخص طالب الرُقية، أو ملامسة جسده أو جسدها، خاصة المناطق الخاصة من الجسم.

    كذلك يُجمع العلماء على عدم جواز ادّعاء الراقي قدرته على الشفاء أو جلب الحظ أو جعل الشخص قادرا على الإنجاب أو تقريبه من زوجه أو إبعاده عنه، وغيرها من الادعاءات.

    - إشهار -

    “الانتشار الواسع لهؤلاء المعالجين”

    ووفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مساحة انتشار كبيرة لهؤلاء “المعالجين الروحانيين”، حيث يقومون بالدعاية والترويج لأنشطتهم، وكذلك كيفية التواصل معهم.

    فبتفقد بعض الدعاية الموجودة على الإنترنت من جانب من يدّعون أنهم “معالجون روحانيون”، تجد من يقول إنه “متخصص في الجلب العام للعرسان وجلب الرزق والحظ ويوجد طلاسم مجربة وخواتم سحرية مطلسمة”.

    وآخر يدّعي قدرته على “جلب الحبيب ورد المطلقة وعلاج الوسواس القهري والسيطرة على الزوج، والتحكم في تصرفاته”.

    ولا يقتصر الأمر على الاحتيال وسرقة الأموال، بل قد يمتد إلى الحياة نفسها. ففي إحدى الحالات توفي طفل مصاب بتشنجات عصبية على يد أحد هؤلاء.

    ويؤكد أساتذة علم الاجتماع أنّ “غياب الوعي والثقة في الطب يقود بعض المرضى إلى الدجالين”. كما أن “خوف البعض من وصمة المجتمع حال لُجوئهم إلى الطب النفسي، تدفعهم إلى طلب المساعدة من المعالجين الروحانيين”.

    “لماذا يُترك عمل هؤلاء بدون رقابة”

    ورغم الانتشار الواسع لـ “المعالجين الروحانيين” على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، لا تقوم الأجهزة في الكثير من الدول العربية بتنظيم عمل هؤلاء أو مراقبته أو التأكد من صحة ادعاءاتهم.

    وفي السودان وفي محاولة للتعرف على السبب، التقت مراسلة بي بي سي عربي، حنان عبد الرازق، مع الدكتور علاء أبو زيد، رئيس قسم الأسرة والمجتمع في وزارة الأوقاف.

    وأقر الدكتور أبو زيد بأن الافتقار إلى التنظيم فيما يخص “العلاج الروحاني” يسبب “الفوضى”، وأنه أصبح “مهنة من لا مهنة له”. كما أكد الدكتور أن الأمر “يحتاج إلى تقنين”، وبعد التقنين “رقابة صارمة”.

    وأشار الدكتور إلى أنه كانت هناك محاولات في السابق من أجل تقنين وتأطير عمل هؤلاء، لكن عدم الاستقرار السياسي في البلاد لا يجعل منها أولوية في الوقت الحالي.

    أما في المغرب، فقال وزير الأوقاف، أحمد توفيق، إنه لا يعتقد أن هناك حاجة لأي تشريع منفصل يتعلق بـ “المعالجين الروحانيين”.

    وأضاف الوزير أنه “يصعُب أن تتدخل بالقانون في هذه الأمور”، وأن “الحل في التربية الدينية والوعظ”.

    كما أكد الوزير أنه إذا حدث ضرر، فإن “القانون يتدخل بصفة عامة بسبب الضرر”.

    ولا تقتصر ظاهرة “المعالجين الروحانيين” على المغرب والسودان، فهي تنتشر أيضا في الكثير من البلدان العربية. كذلك لا تقتصر على فئة أو شريحة مجتمعية بعينها. كما يوجد أيضا ما يعرف بـ “المعالجين الروحانيين” في المعتقدات والثقافات الدينية الأخرى.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد