فرنسا.. قانون التقاعد يقسم البلد
بعد أن صادق مجلس الشيوخ الفرنسي، الذي يهيمن عليه اليمين، في وقت متأخر من مساء السبت على مشروع إصلاح نظام التقاعد بأغلبية 195 صوتا مقابل 112، الطريق بات الآن معبدا لمناقشة هذا المشروع من طرف لجنة مشتركة تضم أعضاء من الجمعية الوطنية ومن مجلس الشيوخ.
وينص المشروع على تمديد سن التقاعد من 62 سنة حاليا إلى 64 سنة.
هدف هذه المرحلة الجديدة، التي ستبدأ في اليوم الأربعاء 15 مارس الجاري، هو إيجاد صيغة توافقية لمشروع القانون من قبل الغرفتين قبل طرحه للتصويت العلني في الجمعية في موعد أقصاه 26 مارس في منتصف الليل.
ورحبت إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة الفرنسية بمصادقة الغرفة العليا على القانون المثير للجدل واصفة هذه المرحلة بـ”المهمة”، وصرحت: “على الرغم من محاولات العرقلة التي قامت بها بعض الكتل الحزبية، إلا أننا تمكنا من تنظيم حوار ديمقراطي”.
شبح المادة 49.3
تمنح المادة 45 من الدستور الفرنسي الحق للجنة المشتركة بالتدخل لمناقشة أي مشروع قانون يكون موضوع خلاف بين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. وتضم هذه اللجنة سبعة نواب من الجمعية الوطنية وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ، ينتمون إلى الكتل الحزبية الممثلة في الغرفتين.
وستباشر هذه اللجنة أعمالها، اليوم الأربعاء، في قاعة مغلقة بمجلس الشيوخ بهدف التوصل إلى نص توافقي لمشروع قانون إصلاح نظام التقاعد. فيما يبدو أن معسكر اليمين في الغرفتين، والموالي للمشروع الذي قدمته الحكومة، يملك أغلبية الأصوات (حوالي 9 من أصل 14).
على الرغم من مصادقة مجلس الشيوخ، إلا أن نجاح الحكومة في تحقيق مشروعها معلق بإيجاد اللجنة المشتركة صيغة توافقية تعفيها من استخدام المادة 49.3 التي تسمح بتمرير القوانين دون تصويت البرلمان.
وفي حال توصلت اللجنة المشتركة إلى صيغة توافقية، سيتم حينئذ عرض المشروع على أعضاء مجلس الشيوخ يوم الخميس 16 مارس عند الساعة التاسعة صباحا ثم عند الساعة الرابعة ظهرا أمام نواب الجمعية الوطنية.
وإذا صوتت الجمعية الوطنية بالأغلبية على النص التوافقي، فهذا يعني تبني قانون التقاعد الجديد بشكل نهائي. لكن ثمة شكوك أن بعض النواب من اليمين (ما بين 15 إلى 20 نائبا من حزب “الجمهوريين”) لن يصوتوا على النص التوافقي المقترح. الأمر الذي قد يدفع حكومة إليزابيث بورن إلى استخدام المادة الدستورية 49,3 لتمريره “بالقوة”.
لكن هذا التوقع سيضع الحكومة في مرمى أسهم المعارضة التي بإمكانها تقديم مذكرة حجب الثقة في حال فشلت جميع النقاشات، ولم تتمكن الغرفتان من إيجاد صيغة توافقية ونهائية لمشروع القانون.
النقابات تحذر
وفي نفس السياق، حذر لوران بريجيه، زعيم الكونفدرالية الفرنسية للعمال من مغبة استخدام المادة 49.3 واصفا هذه الخطوة بـ”غير الديمقراطية”.
وقال في هذا الشأن: “المصادقة على مشروع قانون هام، يخص حياة عشرات الملايين من الفرنسيين بهذه السرعة والطريقة سيكون في نظري أمرا غير عادل وغير ديمقراطي”.
وتابع: “النقاش كان غائبا في الجمعية الوطنية وجرى بسرعة غير معهودة في مجلس الشيوخ على الرغم من أن هذه الغرفة لديها تقاليد بدراسة المشاريع بشكل جدي وفي جو هادئ. فالمصادقة عليه بفضل استخدام المادة 49.3 يبدو لي أمرا مستحيلا”.
أما فيليب مارتنيز، زعيم الكونفدرالية العامة للعمال، فصرح بأنه في حال قامت الحكومة بتمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد “بالقوة” فهذا سيعني بأنها “تصب الزيت على النار”.
الزعيمان ومسؤولون نقابيون آخرون دعوا إلى مظاهرة احتجاجية جديدة، يوم الأربعاء، المقبل تزامنا مع مناقشة اللجنة المشتركة المشروع.
وتعيش فرنسا منذ 19 يناير على وقع المظاهرات الشعبية المناهضة للمشروع.
استفتاء شعبي
وعلى الرغم من نتائج استطلاعات الرأي العديدة والتي أشارت إلى أن غالبية الفرنسيين ترفض هذا المشروع، إلا أن الحكومة مصرة على تمريره بحجة أن الرئيس ماكرون وعد بذلك خلال حملته الانتخابية الأولى. الرئيس الفرنسي يراهن على رصيده السياسي عبر هذا المشروع. فهو يطمح لأن يجعل منه أبرز إنجاز في ولايته الثانية ورمزا عن عزمه على الإصلاح، غير أنه يصطدم برفض كبير من الفرنسيين.
وصرح ماكرون بأن الإصلاح يجب أن يمضي “حتى خواتيمه” في البرلمان ملمحا إلى أنه لا يستبعد شيئا بما في ذلك إقرار القانون بدون طرحه على التصويت.
لكن بعض الأحزاب والنقابات العمالية باتت تطالبه بتنظيم “استفتاء شعبي” لحسم هذه المسألة. لكن حظوظ تنظيمه ضئيلة جدا لأن النتيجة قد تكون محسومة مسبقا ولن تكون في صالح ماكرون.
وكالات