بعد “كذبه” المكشوف على المغاربة.. أخنوش “يكذِب” على المجلس الوطني لحزبه
إن كل من استمع إلى خطاب رئيس التجمع الوطني للأحرار، الذي هو نفسه رئيس الحكومة، خلال اجتماع المجلس الوطني لحزبه الذي عقده أمس السبت بالدار البيضاء، سيصاب بصدمة بعد أن يتبيّن له أن عزيز أخنوش الملياردير كبير تجار المحروقات، التي أحرقت عيش المغاربة، لا يعيش معنا في المغرب، ولا يهمه ما يعتمل في أحشاء الشعب، لا يهمه ماذا يجري في الأسواق الشعبية في المدن والبوادي، لا يهمه الاحتقان، الذي يمكن ملامسته في الأزقّة والشوارع لدى السواد الأعظم من المغاربة، الذين تركتهم الحكومة وجها لوجه مع الغلاء..
إن كل من استمع إلى خطاب باطرون الحزب والحكومة، سيجد نفسه يطرح سؤالا قويا وجارحا ومستفزا: “واش أخنوش عايش معانا بصّح في المغرب؟”… المثير أن من تابع الخطاب، سيجد أن متزعّم الأحرار يقول، “بْلا حْيا ولا حشمة”، إن حكومته حقّقت في سنة واحدة ما لم يتحقّق في 10 سنوات، خصوصا في المجالات الاجتماعية، من قبيل “إنعاش سوق الشغل الوطني لمواجهة آثار جائحة كورونا، عبر خلق برامج شغل مبتكرة مثل (أوراش) و(فرصة)، ودعم خيار المقاولة لدى الشباب، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتفعيل العديد من الإجراءات المالية والإدارية لحماية المواطن من تقلبات الأسعار وضمان التموين”، قبل أن يعود للتشديد على أن “الحكومة تفاعلت بالسرعة والفعالية والدقة المطلوبة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وصون كرامتهم”..
هذا غيض من فيض “الكذب”، الذي مارسه الملياردير أخنوش على برلمان الأحرار عبر التأكيد لهم أن “العام زين” و”كلشي زوين”!!
لنبدأ من البداية، وننطلق من أول كذبة: قال أخنوش إن حزبه نال “ثقة المواطنات والمواطنين”، التي بوأته الصدارة في استحقاقات 8 شتنبر 2021، التي مرت في “أجواء سليمة وشفافة”! والحال أن العديد من الأحزاب المعارضة، عبّرت عن استنكارها لما وصفته بـ”الاستعمال المريب للمال في شراء الأصوات وإفساد أجواء التنافس الشريف”، بل إن الحزبين الآخَريْن المشاركين في الحكومة، البام والاستقلال، ندّدا بالاستعمال الفاحش للأموال في استمالة الناخبين وشراء أصواتهم، ووصل الأمر إلى الخرجة المعروفة للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، وهو يرفع صوته عاليا باتهام أخنوش باستعمال الأموال في الانتخابات، قبل أن يقول بالحرف: “نتهم الأحرار بإغراق الساحة الانتخابية بالمال”… فإما أن وهبي كذّاب، ومعه أغلبية الأحزاب، وإما أن أخنوش هو الذي يكذب!
ولنواصل، مع ثاني كذبة: في الحديث عن التكليف الملكي برئاسة الحكومة، أكد أخنوش أنه “تم تشكيل أغلبية حكومية قوية بانسجامها وتضامنها، حماية للمواطنين من تبعات هدر الزمن التنموي”، وقال “أخرجنا العمل الحكومي من دوامة الترضيات السياسية إلى مجال الكفاءة”… وهنا، يبدو أن أخنوش يعتقد أن المغاربة لديهم “ذاكرة سمكة”، والحال أن القاصي والداني على عِلم بأن هذه الحكومة شهدت أسرع تعديل في العالم، بإقالة وزيرة وتنصيب خليفة لها، في ظرف 24 ساعة من حصول الحكومة على الثقة، وأنه رغم “أخلاق التصفيق”، التي أرادوا إشاعتها وتكريسها لدى الأغلبية البرلمانية، فإن العديد من البرلمانيين من هذه الأغلبية نفسها، خصوصا من البام والاستقلال، عبّروا عن معارضتهم القوية للسياسات التي تنهجها الحكومة، إلى درجة أن أخنوش، لما استمع إلى رئيس الفريق الاستقلالي، نور الدين مضيان، في مناقشة التصريح الحكومي، قال ساخرا مستغربا إنه راوده شك في انتماء حزب الاستقلال للأغلبية، فما كان من مضيان إلا أن رد على أخنوش: “وسّعوا قشابتكم… نحن نمثّل الشعب ولا نمثّل أحدا، وليس كل ما جاءت به الحكومة قرآن منزّل”… والحق يُقال: لم يقم الأمين العام للاستقلال نزار بركة بأي رد فعل، بل بدا متفهما لزميله القيادي في حزب الزعيم علال الفاسي… ثم هناك حالة أخرى شهيرة، تتعلّق بالقيادي البامي هشام المهاجري، عند مناقشة ميزانية 2023، فكان أن خاطب أخنوش: “سيدنا سوّل أين الثروة، خصّكم تجاوبو على السؤال”، ليبدأ في مناقشة الغلاء، مقترحا أن تواكبه زيادة في الأجور لمواجهة الارتفاعات الصاروخية في الأسعار… وبخلاف سلوك بركة المتحضّر مع مضيان، نجد الأمين العام للبام عبد اللطيف وهبي يرغي ويزبد قبل أن يجرّ أعضاء المكتب السياسي لاستصدار قرار تجميد عضوية المهاجري!
ثالث كذبة: اعتبر أخنوش أن حكومته حقّقت في سنة واحدة ما لم يتحقّق في 10 سنوات، خصوصا في المجالات الاجتماعية، من قبيل “إنعاش سوق الشغل الوطني لمواجهة آثار جائحة كورونا، عبر خلق برامج شغل مبتكرة مثل (أوراش) و(فرصة)”… أعتقد أن كل من سمع هذا الحديث، سيسأل أخنوش: “واش من نيّتك؟”..
فبرنامج “أوراش”، الذي زعم فيه أخنوش أنه سيمكّن من إحداث 250 ألف منصب شغل مباشر، يدخل ضمن “الدعاية الإعلامية” لمشروع “الدولة الاجتماعية”، الذي سبق أن تضمنته “الدعاية الانتخابية”، التي وعد فيها المغاربة بإحداث مليون منصب شغل.
والحال أنه تبيّن للجميع أن تلك الـ250 ألف منصب شغل هي مجرّد فرص عمل مؤقتة، إذ هي محدودة فقط في سنتي 2022 و2023، كما هي عبارة عن عقود عمل لفترات من شهر إلى ستة أو سبعة أشهر في أحسن الأحوال، وبعدها “يهزّوا الشباب قلوعهم”، فضلا عن أن الراتب، بالنسبة لهذه الفرص المؤقتة، التي “عمّر بيها الشوارج”، لا تتعدّى الحد الأدنى للأجور، والكارثة أن هذه الشهور المعدودة والمحدودة ستُكلف جيوب المغاربة من أموال الضرائب 450 مليار سنتيم، سيدفعها أخنوش لأصحاب المقاولات التي “ستقبل” تشغيل المستفيدين من العمل في أوراش مُؤقتة وعرضية..
أما الحديث عن برنامج “فرصة”، فهو يكشف حجم العبث الحكومي، بل يكشف، بالأساس، أن أخنوش رئيس حكومة فاشل، ونذكّر، هنا، بالفضيحة المدوية، المتمثّلة في إسناد قيادة هذا البرنامج، الذي يفترض أنه برنامج تشغيلي، إلى شركة متخصصة في الهندسة السياحية، وهي لذلك عاجزة عن تحقيق أهداف البرنامج، فضلا عن أن الشركة خصص لها المجلس الأعلى للحسابات تقريرا “أسود” طافحا بالاختلالات، إلى درجة أن قضاة الحسابات أشاروا إلى أنها شركة فاشلة، إذ أكدوا أنه بعد حوالي 8 سنوات على إنشاء الشركة، لم تتمكن من تطوير نشاط ترويجي حقيقي يمكنها من المساهمة الفعالة في الأنشطة الترويجية للاستثمار في القطاع السياحي، والأدهى هو منح هذه الشركة قيادة برنامج بلغ غلافه المالي 1.25 مليار درهم!!! ما دعا عددا من المتتبّعين والمختصين إلى التعليق على الأمر بأنه سيكون “فرصة” نموذجية لـ”زيادة الشحمة في ظهر المعلوف”..
رابع كذبة: في الحديث عن “حماية المواطنين من تبعات هدر الزمن التنموي”، قال أخنوش إن “الحكومة تفاعلت بالسرعة والفعالية والدقة المطلوبة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وصون كرامتهم”… وهنا، تبرز ملاحظتان جوهريتان: أولا، لم تتحرّك الحكومة، إلى حدود اليوم، ولم تقم بأي إجراء لحماية المواطنين من الغلاء، الذي يكاد يهلكهم، ولولا تدخّل الملك، الذي أمر رئيس الحكومة بالتحرّك، لما “قال” أخنوش ما قال في اجتماع المجلس الحكومي يوم الخميس المنصرم، والذي يبقى، في كل الأحوال، مجرّد “أقوال” في غياب “الأفعال”!
فلو كان الملياردير أخنوش منا، ويعيش فعلا بيننا، ويعلم بما يعيشه الشعب، لأدرك أن التدابير، المتخذة من قبل حكومته، أثارت، منذ الشهر الثاني لتولي رئاسة الحكومة، الغضب والتنديد لدى أغلبية المغاربة، الذين اضطروا إلى الخروج إلى الشارع، للاحتجاج على سياسات الحكومة، التي تركّز على تسمين الأغنياء وتفقير الفقراء، في ظل تفاقم الغلاء بفعل “حرية” الحركة للوبيات الاحتكار، الذين عاثوا زياداتٍ فاحشة في الأسعار، ولو استطاع، ولن يستطيع، أخنوش أن “ينزل” إلى الأسواق الشعبية، لأصيب بالصدمة، عندما يرى جموعا من المغاربة وقد أصابهم الغلاء بالسعار..
ثانيا، أي تفاعل للحكومة مع أوضاع المغاربة، يتحدث عنه أخنوش؟ وأي فعالية في النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، ناهيك عن الكلام عن “التشغيل”، الذي أضحى حديثا بلا معنى ولا طعم ولا رائحة، إلى الحد الذي أصبح كثير من المغاربة يسخرون وينكّتون على الوعد الكاذب لأخنوش بتوفير مليون منصب شغل، قبل أن يفضحه التدخّل الملكي بعدما بادر الجالس على العرش إلى توجيه أمر للحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، لترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار، عبر تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026..
خامس كذبة: هنا، يصدق المثل الشعبي الدارج “تبع الكذاب حتى لباب الدار”، إذ إن أخنوش الذي تباهى بأن حكومته أنجزت في سنة ما لم يُنجز في عشر سنوات، هو نفسه، الذي اعترف بعظمة لسانه، أن حكومته “ما زالت في بداية المسار”، وأنها “ضاعفت الجهود لتنفيذ مختلف تعهداتها، من خلال تفعيل مجموعة من الإجراءات، التي تصبّ في مصلحة بلادنا، وتضمينها في قانون المالية 2023″، الذي شدد على أنه، أي القانون المالي، هو الذي “سيشكّل الانطلاقة الحقيقية لتنفيذ البرنامج الحكومي”.
معنى ذلك، أن مدة سنة ونصف، وهي عمر الحكومة، لم يتحقّق أي شيء، اللهم إلا التراجعات والانتكاسات، وهي التي أخرجت المغاربة الغاضبين في موجات مستمرة من الاحتجاجات… بعدما أصبحت البلاد تعيش على إيقاع ارتفاع معدل التضخم إلى 8.3 في المئة نهاية شتنبر الماضي على أساس سنوي، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، التي اعتبرت أن هذه الزيادة جاءت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 14.7 في المئة، وتكلفة النقل بـ12.9 في المئة، في حين انخفض مؤشر ثقة الأسر خلال الفصل الرابع من سنة 2022 إلى أدنى مستوى له منذ انطلاق البحث حول الظرفية لدى الأسر سنة 2008، وهذا التراجع مس جميع مكونات مؤشر ثقة الأسر، من مستوى المعيشة والبطالة إلى فرص اقتناء السلع المستدامة وتطور أوضاعها المالية، إذ صرحت 83.1% من الأسر بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة، فيما أقرت 11.8% منها باستقراره، وأكدت 1,5% فقط بتحسنه..
ولذلك، فإن كل ما استعرضه أخنوش حول حصيلة السنة الأولى لحكومته، في مختلف القطاعات، كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والتعليم والتشغيل والاستثمار، من مؤشرات إيجابية، هي كلها أوراش ملكية، باعتراف رئيس الحكومة نفسه، الذي قال إن “الحكومة فعّلت ورش التغطية الصحية الإجبارية، وفق الأجندة الزمنية، التي حددها جلالة الملك، عبر رفع نسبتها من 40% إلى 100%”..
إضافة إلى الوعود الكاذبة الأخرى كأداء مدخول الكرامة الذي وعد به لفائدة المسنين، الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً بقيمة 1000 درهم، وتقديم منحة 2000 درهم عن المولود الأول لكل امرأة، وكذا تسليم مبلغ 300 درهم شهريا للأسر التي لديها طفل متمدرس؛ للتأكد من استمراره في مشواره الدراسي، ورفع أجور المدرسين إلى 7500 درهم بدل 5000 درهم، إلى غير ذلك من الوعود “الوهمية” لحد الآن أيضًا، التي فشل أخنوش في الوفاء بها، فأحرى أن يمتثل للمؤسسات ويُفعِّل قرار مجلس المنافسة، الذي طالبه بإرجاع 43 مليار، التي “نهبتها” شركته ومعها باقي شركات المحروقات، إلى خزينة الدولة منذ سنوات..
وفي الواقع، إذا أردنا تتبّع مواطن “الكذب” في كلمة أخنوش، فيمكن رصدها من بدايتها إلى نهايتها، لذلك كان مثيرا للاستغراب كيف يخاطب أعضاء برلمان حزبه “بوجه أحمر”، ليقول لهم “خاصكم تتكلموا على منجزات الحكومة في السنة الأولى وراسكم مرفوع بوجه أحمر”… والحال أن “منجزات” الحكومة ليس فيها ما “يحمّر” الوجه، اللهم إلا ما “يحرّر عيشة” المغاربة، الذين باتت معيشتهم تتدهور إلى أسفل سافلين، ليبقى أخنوش، بـ”منجزات” شركاته العملاقة، في أعلى عليين، يرتقي المواقع والدرجات والمراتب في تصنيفات “فوربيس” لثروات مليارديرات العالم..
مراد بورجى
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.