إلى وزير العدل.. ما موقع المساواة والشفافية والاستحقاق في خطاباتكم؟!
لم يسبق لي أن تابعت أي مرافعة لك كمحامي، لكن سمعت العديد من مرافاعتك كنائب برلماني ينتقد بحجة القانون، ويحاول أن يعدل بعضها، لم ألمس فيك ذلك المحامي القادر على استفزاز وتحريك الآخر بقوة الحجة، لم اسمع منك مرافعات محبوكة “مطروزة”، كما يسميها رجال القانون، أو “مغيزة” كما نسميها نحن في لغتنا البسيطة.
كنت دائما أقول هذا البرلماني المعارض، لا يقف عند ناصية الحق والمعقول، ويجيد الخطاب الديماغوجي وتستهويه العبارات الاستعلائية، وربما لا يرتب أفكاره ويفضل اللغة الاستعراضية.
وقبل الوصول للوزارة مع تقلد مهمة أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، ومع اقتراب محطة الانتخابات ظهرت بلغة وثوقية تجعلك رئيس حكومة لأنك ستكون الأجدر حسب القاسم الانتخابي، وكنت تنظر إلى الحقل السياسي بنظرة فيزيائية تنطلق من قانون ” كل شيئ أو لاشيئ” بمعنى اما أن تكون رئيسا للحكومة أو لن تكون وزيرا بالبث والمطلق لأنه حسب زعمك لن تقبل أن تكون وزيرا مرؤوسا من طرف رئيس الحكومة، ولن اتمم فالبقية معروفة.
منذ أن أصبحت وزيرا للعدل لم نلمس فيك اي اجتهاد أو خطوة سياسية أو قانونية للارتقاء بالسياسة الجنائية، أو لتحسين وتقوية الجوانب القانونية وجعلها تتوافق وتتطابق والمعايير الكونية والاليات الدولية لحقوق الانسان، لم نسمع اي ترافع لك لتقوية شروط وضمانات المحاكمة العادلة ، والدفاع عن حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر بل وعود لمزيد من تقييد لهذه الحقوق، لم نشهد ترافعك من اجل حق الانتصاف والولوج القضائي لكل الفئات بما فيها الهشة والفقيرة، لم نر سوى سحب القانون الجنائي ومحاولة فرض مدونة جديدة للقانون الجنائي بعيدا عن المشاورات والمقاربة التشاركية، لم تترافع من أجل تجريم الاغتناء غير المشروع. لم نسمع منك سوى التصريحات المستفزة لهيئات ينظمها القانون، فتحت معارك ضد المحامين آخرها محاولة انفرادك بإخراج قانون جديد لممارسة مهنة المحاماة، ومحاولة فرض إجراءات ضريبة بأشكال مجحفة في حق المحامين، دون الانتباه إلى الحوار مع طرف كنت جزءا منه، ودون أن تستحضر الوضعية الاجتماعية للمتقاضين لانه ببساطة الرفع من قيمة الضرائب على المحامين يعادل الرفع من الكلفة المالية للتقاضي مما سيؤدي إلى حرمان العديد المواطنات والمواطنين من الحق في الولوج للعدالة.
ودائما في إطار استخفافك بباقي مكونات العدالة صرحت بأنك لن تنتظر أحدا لتقديم مشروعك القانوني حول مزاولة مهنة المحاماة.
وفي إطار عنادك وكأنك في خصام خاص او اختلاف مع شخص ما حاولت فرض أجندة خاصة بامتحانات الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة.
كنت تتعامل في كل هذه القضايا وغيرها باسلوب بعيد عن المسؤولية والالتزام التي يجب أن تتوفر في الوزير والسياسي الذي يدبر الشأن العام. لان الوزير مفروض فيه الإنصات والحوار الديمقراطي والديبلوماسية، وحقك طبعا دون انتقاص في الدفاع على قراراتك، وليس اللجوء البوليميك غير المنتج. مفروض في الوزير المطارحات وقبول النقد والتعديلات والاقتراحات التي يمكنها أن تطال برنامجه أو البرنامج الحكومي ان كان هناك برنامج حكومي فعلا مصادق عليه من طرف البرلمان المفروض فيه السهر على مراقبة تفعيل ذلك، اضافة أن المسؤول مطالب بالهدوء والتروي للتعامل مع المستجدات واثقان فن التواصل ونقل المعلومة. ليس عيبا باعتبارك تنتمي للجهاز التنفيذي أن تنفذ مشروعك لكن العيب أن تحاول فرضه قسرا وبأسلوب لا يحترم التدافع السياسي والنقاش المؤسساتي الذي تتوفر فيه على أغلبية مطلقة، كما ان العيب أن يصدر من المسؤول الشيئ ونقيضه دون اقتناع لكن وفق مزاجية فقط.
لقد كنا نشتكي من ضعف المقاربة التشاركية من قبل، والان أصبحنا أمام غياب هذه المقاربة وأن الحكومة كجهاز تنفيذي أصبحت لا تستحضر حتى المعارضة الضعيفة عدديا داخل البرلمان، أما احتجاجات الهيئات والمتضررين والشارع عموما أو حتى الاحتجاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي فالتفاعل معها يكون بالتجاهل التام أو التبخيس والهجوم وأحيانا الشيطنة.
إنك تحاول أن تغلق الفضاء العام والخاص وتقتل روح الاختلاف واقبار الهوامش المحققة بفضل نضالات القوى بما فيها هيئة المحامين التي كنت واحدا منها.
السيد الوزير بالعودة إلى تصريحاتك حول نتائج امتحانات الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، اسمحوا لي أن أقول انها تعكس المستوى المتدني للسياسة، فهي تفتقد للباقة ولحس المسؤولية وتصريحاتك مستفزة وقريبة من الإهانة فهي تمتح من قاموس مفروض مسحه من الخطاب السياسي المتداول، لقد احتقرت الجامعة المغربية وشككت في مصداقيتها وقيمة شواهدها وكفاءة أطرها، لقد اعتبرت أن الثروة والمال يفتحان الطريق واسست بالعلالي للتميز القائم على أساس الوضع الاجتماعي.
نحن نعرف أن التمايز الاجتماعي والطبقي قائم وهذه مسلمة لا تحتاج الى دليل، لكن ان يتم المس بقيمة المساواة امام القانون، والمس بالمساواة في تقلد المناصب والوظائف مهما بلغت قيمتها والمهام والولوج للعمل والشغل والانضمام الى الهيئات المهنية الحرة التي تنظمها القوانين، وان يتم المس بتكافؤ الفرص والاستحقاق والجذارة فهذا تمييز مرفوض قانونيا وانتهاك صريح لحقوق الانسان ولإحدى مبادئه الاصيلة المعلنة في المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. واستغرب أنك تعيش على عقدة الأجنبي باعتباره الإنسان الذي ينتج التفوق في كل شيئ ، وبمناسبة استحضار الاجنبي هل منظومته القانونية منسجمة ومتطابقة مع منظومتنا القانونية التي كانت قاعدة للامتحانات ؟ باعتماد تصريحك فالتفوق اكيد للاجنبي لغة ومضمونا ومعرفة بالقانون وفلسفته.
لقد أظهرت الخوف والفزع من الشفافية والنزاهة برفضك دون وجل فتح تحقيق حول الخروقات المتعددة أو لنفترض حول المزاعم التي يتم ترويجها، متناسيا وانت رجل القانون ووزير العدل انه يمكن فتح التحقيق حول المزاعم والادعاءات وحتى الاشاعة وأن التحقيق هو الكفيل بدحضها او نفيها أو تحققها. كما أنك اغلقت باب التقصي المكفول للبرلمان أو أي جهة أخرى من مؤسسات الحكامة.
لقد كان حريا بكم السيد الوزير منذ البداية اعتماد إحدى مؤشرات الشفافية بإعلان النتائج بالترتيب والاستحقاق اي بالمعدلات والنقط المحصل عليها من طرف الممتحنين مع فتح باب الطعون وفق اجال معقولة.
كما أن تصريحك حول تعرضك لضغوطات لتقليص عدد الناجحين يطرح أكثر من علامة استفهام حول إمكانية وجود صفقة يجهل أطرافها، وهذا مخالف لقواعد الشفافية ومنافي لشرط الاستحقاق.
السيد وزير العدل لقد أصبحت معروفا بتصريحاتك وخرجاتك الإعلامية أكثر من انجازاتك إن وجدت في تطوير منظومة العدالة، فاستفرادك بالقرار وتغييب المقاربة التشاركية والحوار الديمقراطي مع مكونات العدالة بمختلف تنظيماتها بما فيها نادي القضاة الذي لا تعترف بتمثيليته وصفته، سمة موشومة في تدبيرك قطاع العدل. لينضاف إلى تغييبك للتشاور والحوار مع الحركة الحقوقية بجمعياتها ومنظماتها وائتلافاتها حول المنظومة القانونية خاصة المشاريع المتعلقة بالقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومدونة الأسرة، ان كنت أسجل لك في هذا الباب عزمك الدفاع عن تجريم تزويج القاصرات، ومقاربتك لقضية فرض التحليل الجيني لاثباث النسب وشرعية النفقة على الابن المولود خارج مؤسسة الزواج، لكنك في المقابل لا تنصت لمطالب متعددة بتغير بعض القوانين. كما أن الحوار مع الحركة الحقوقية حول الوضع الحقوقي العام يظل مغيبا من اجندتك، ناهيك عن التعاطي مع مدا تفاعل الدولة مع التزاماتها في هذا الصدد واستحضارها بقوة لتنفيذ توصيات اللجن الاممية خاصة وانك تحمل العشرات من التوصيات الصادرة عن مناقشة الاستعراض الدوري الشامل للمغرب خلال شهر نونبر الأخير بصفتك كنت ترأس الوفد الرسمي للدولة.
عمر أربيب
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.