هل يحق للمحامي أن يقاطع الجلسات والإجراءات ؟
يــعيــش المجتمع المهني ضجة وحراكا كبيرين على إثر التعديلات المقترحة على النظام الضريبي المطبق على المحامين من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023. الواضح أن الـحكومة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب في طريق مسدود.
وهذا الوضع كان متوقعا في الحقيقة منذ مدة خاصة منذ بداية الحديث حول دخول القانون 98.15 المتعلق بالتأمين الإجباري للمحامين حيـــز التنـفــيــــذ و منذ الموقف الذي عبر عنه المحامون في مواجهة اعتماد جــواز الـتلـقـيـــح للولوج للمحاكم.
فبالموازاة مع فتح النقاش مع الحكومة حول المقتضيات الضريبية الجديدة، وقبل مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون المالية، قررت المؤسسات المهنية مقاطعة الجلسات والتوقف عن العـمــل، وهو قرار لم أستسغه في الواقع ولم أتقبله لأنه ضرب بعرض الحائط جميع المفاهيم القانونية التي أؤمن بها.
فالمحامون، بحسب المبدأ، نخبة المجتمع على اعتبار أنهم مثقفون يدافعون عن مبادئ العدالة وحقوق الإنسان ويسعون دائما إلى تكريس هذه المبادئ في دولة الحق والقانون.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن بلورة هذه الرسالة على أرض الواقع أمام العراقيل التي تواجه المهنة ؟
فهل يتعين تبني الأشكال النضالية من إضراب و توقف عن العمل أم أن الأمر يقتضي فتح قنوات الحوار ومحاولة الإقناع بالمحاججة وفقا للقانون الذي يلزم الجميع بناء على معطيات موضوعية بما ينطوي على التوفيق بين المصلحة العامة للمجتمع والمصالح الخاصة للمحامين؟
فهــل يعقل أن تدعو الهيئات والمؤسسات المهنية المحامين إلى مقاطعة الجلسات والتوقف عن العمل في ظل ما تنص عليه المادة 39 من قانون المهنة من أنـــــــه “لا يجوز للمحامين في كل الأحوال أن يتفقوا، متواطئين فيما بينهم، على أن يتوقفوا، كليا، عن تقديم المساعدات الواجبة عليهم إزاء القضاء، سواء بالنسبة للجلسات أو الإجراءات”؟
و ماذا عن التزامات المحامي تجاه موكليه وتجاه المجتمع؟ ألا يسأل المحامي مدنيا وتأديبيا عن الضرر الحاصل لموكليه من جراء مقاطعة الإجراءات والجلسات في الملفات التي ينوب فيها ؟
وهل يحمي القانون المحامي الذي لا ينضبط للقرارات المخالفة للقانون الصادرة عن المؤسسات المهنية التي ينتمي لها والتي تمارس سلطة التأديب؟
و هل القضاء كفيل بحماية المحامي الذي يخالف هذه القرارات المخالفة للقانون ؟
ذلك أنه وخلافا لما يروج في الساحة المهنية، فإذا كانت فئة من المحامين تؤيد قرار المقاطعة في انتظار الوصول إلى حل للملف الضريبي، إلا أن هناك فئة أخرى تتبنى الرأي المخالف وتمانع في قرار توقيف العمل وتدعو إلى الاستمرار في قنوات الحوار بعقلانية وتحاول التحسيس بضرورة مشاركة كافة المهنيين في تحمل الأعباء الوطنية، لكن المحسوبين على هذه الفئة ليسوا ممن يحتجون على الفضاء الأزرق ولا على وسائل التواصل الاجتماعي ولا ممن يتدخلون في عمل المجالس المهنية المنتخبة التي يفترض فيها تمثيل المحامين والدفاع عن مصالحهم في إطار القانون وبما يضمن لهم الحق في ممارسة مهنتهم.
لقد أصبح المحامي في ظل قرارات المقاطعة أمام خيارين اثنين:
• إما الانضباط لقرار المؤسسة التي ينتمي إليها، مقابل خرق القانون والتعرض للمسؤولية المدنية والتأديبية عن أي ضرر قد يمس بحقوق ومصالح موكليه من جراء تقصيره في تنفيذ التزاماته؛
• أو التقيد بالقانون وتنفيذ التزاماته المهنية، مع تحمل ضغط زملائه والمؤسسات المهنيـة.
همـا أمـران أحلاهـمـا مـر…… فـمــن يحـمـــي المحامي؟
أيـن هي النيابــة العامــة والمسؤولون القضائيون في ظل ما يقــع داخــل حـرم المحاكـم؟
هل يعقل أن يتم منع محامي من مباشرة مهام الدفاع داخل حرم المحكمة بعلة ضرورة الامتثال لقرار المؤسسة المهنية؟ هل يعقل أن يقوم المحامي بسب وشتم زميله بعلة عدم احترامه لقرار المقاطعة أمام مرأى ومسمع المؤسسات المهنية التي لا تحرك ساكنا؟
عيب علي، في خضـم هـذه الأجواء وعلى إثر التعبير عن رأيي بكل صراحة ووضوح، التذكيـر بـدور النيابـة العامـة، وعيب علي مخالفة قرار المؤسسات المهنية خاصة أنني عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء.
ليس الاحتماء بالقانون ضعفا ولا خيانة بل هو الأصل لأن السيادة للقانون، والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، خاضعون له ومتساوون أمامه وملزمون بالامتثال، بنص الدستور. والمحامي المغربي مواطن كغيره من المواطنين، وهو بحكم مركزه ومهنته أولى بتطبيق القانون والالتزام بـه.
و عن النيابة العامة و الجرأة و النضال و المبادئ، فتمنيت لو أن الأرض انشقت أمامي لأدخلها عندما اطلعت على مقطع فيديو تضمن بعضا من كلمات الوكيل العام للملك ليلة الخميس الماضي عندما دعا إلى فض الاعتصام ببهو محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، والمحامون المعتصمون واقفون دون أي رد فعل ودون جواب…
وأما عن قرار المقاطعـة أخيرا، فهو قرار باطل قانونا لأنه يخالف نصا قانونيا ملزما لجميع المحامين بدون استثناء، بما فيهم المؤسسات المهنية، نص أولى بالتطبيق من أي قرار آخر، خاصة أن الأمر يتعلق بقرار لا يكتسي أي صبغة تنظيمية ولا سلطة للمجلس في اتخاذه ولا يستند إلى أي سند قانوني، بل وينطوي على تجاوز صارخ و صريح وواضح لقانون المهنة الذي يتعين علي، باعتباري عضوا لمجلس الهيئة، أن أسهر على حسن تطبيقه، فهذه هي المهمة الأولى التي انتخبت من أجلها والتي لن أحيد عنها بغض النظر عن أي حسابات انتخابية ضيقة.
كــوثـــر جـــــلال
محامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.