اللوبي الفرانكفوري في المغرب ومحاربة الهجرة الضرورية الى اللغة الانكليزية


تحدثنا في المقال السابق حول موضوع إعادة التفكير في علاقتنا نحن المغاربة بفرنسا، هذا الموضوع الذي أصبح اليوم نقاشا عموميا في المغرب.  ولقد أفاض بنا الحديث الى التطرق الى ارتباطنا بلغة المستعمر السابق (فرنسا)،أو لغة فلسفة الأنوار لمن ارتضى أن يراها من هذه الزاوية الحادة على كل حال…

 

والسؤال المطروح الآن وبإلحاح هو إلى متى ستبقى اللغة الفرنسية لغة أساسية في مغرب اليوم؟  لغة الإدارة والمعاملات المصرفية ولغة الدراسة في كل الأسلاك التعليمية؟ هل لهذا الاختيار اللغوي من مسوغ في مغرب القرن الواحد والعشرين؟  وبشكل أعم هل للنموذج الفرنسي من مستقبل؟ أم هناك إرادة مجتمعية تلقائية تروم تغيير هذا الوضع؟

 

للجواب على هذه الأسئلة علينا أن نستعين ببعض المعطيات الميدانية.  تشير أحدث التقارير واستطلاعات الرأي التي قام بها المعهد الثقافي البريطاني في المغرب والتي شملت 1200 مستجوب إلى أن العديد من الشباب المغربي يعتبر أن اللغة الانجليزية ستأخذ مكان الفرنسية في المشهد المغربي في غضون الخمس سنوات المقبلة لتصبح اللغة الاجنبية الاولى في المغرب.  الدراسة أشارت كذلك إلى أن 74% من الشباب المغربي يؤمن بأن استبدال الفرنسية بالإنجليزية سيمكن المغرب من تحقيق طموحاته المتعلقة بالتجارة العالمية والسياحة.

 

هذا التحول عند شباب اليوم يرجع لعدة أسباب منها على الخصوص الاستعمال المتزايد والولوج للمنصات الرقمية خصوصا منذ فترة جائحة كورونا وإلى الآن…  ونذكر من بين هذه المنصات: نتفليكس، انستغرام، يوتيوب، وتويتر على سبيل المثال لا الحصر.  هذه المنصات سمحت للمغاربة باكتشاف الدور المهم الذي تلعبه اللغة الانجليزية على الخصوص في التعرف على العالم والتفاعل معه.  كذلك وخلال فترة كوفيد قامت عدة منصات رقمية التي توفر دروس وبرامج متكاملة للتعلم وتطوير المهارات مثل Coursera, بفتح محتواها لطلاب الجامعات في الدول السائرة في طريق النمو والدول الفقيرة بدون أداء رسوم الاشتراك.

 

لكن تبين أن معظم الدروس والبرامج تعتمد على الانجليزية فقط، في حين الدروس الاخرى المتوفرة بالفرنسية فتكاد تكون محسوبة على رؤوس الأصابع أو تخص موضوعات وتخصصات جانبية. هنا ايضا يبدو جليا أن الاعتماد على الفرنسية فقط يحرمنا من اكتساب مهارات جديدة والاستفادة من العروض المتوفرة – في كثير من الأحيان مجانا- عبر هذه المنصات الرقمية.

 

- إشهار -

في مجال التعليم تختار الآن العديد من الدول الصناعية برامج البحث العلمي والهندسة والدراسات الجامعية ليتم اجراؤها باللغة الانجليزية.  الانجليزية هي لغة العلم في عصرنا كما كانت العربية لغة العلم في وقت مضى وكان لزاما على من أراد أن يتعرف على نتاج علمائنا الاوائل من ابن رشد وابن سينا وابن الهيثم أن يتعلم العربية اولا.  الآن حتى في فرنسا تدرس بعض المواد العلمية والتقنية في جامعاتها باللغة الانجليزية!  أفنكون فرانكفونيين أكثر من الفرنسيين أنفسهم؟

 

كون الانجليزية لغة العلم جعل غالبية المنشورات والأبحاث العلمية تنشر بالانجليزية.  ٪95 من أعظم المؤسسات في العالم تعتمد على الإنجليزية حصرا و 80% من المعلومات المتوفرة على الانترنت فهي بلغة شكسبير.

 

أما في مجال البحث العلمي فيواجه طلبة السلك الثالث والدكتوراه على الخصوص معضلة تساهم بشكل مباشر في نقص الإنتاج العلمي في المغرب. هذه المعضلة ترجع بالأساس الى ان التلميذ يدرس العلوم والتكنولوجيا بالعربية أو الفرنسية قبل البكالوريا وفي السلك الأول من التعليم الجامعي ثم يصدم في السلك الثالث بان عليه أن يقرأ ويستوعب كل الأبحاث المنشورة في مجاله بالانجليزية! ولا يقتصر المشكل عند هذا الحد بل يجب عليه أن ينتج بدوره وينشر أبحاثه بلغة انجليزية سليمة وإلا فإن أي مجلة علمية محترمة سترفض البحث قبل أن يقيم من طرف الخبراء!!

فمتى يستوعب اللوبي الفرنكفوني في المغرب بأن فرنسا لم تعد نموذجا حتى لنفسها؟  صحيح أنه لا يمكن تغيير اللغة الاجنبية الاولى في المغرب بين عشية وضحاها، لكن أصبح لزاما علينا التوجه والانفتاح على اللغة الانجليزية بكل ما أوتينا من وسائل وربما الاحتفاظ بالفرنسية كغنيمة حرب أو من باب من تعلم لغة قوم أمن شرهم!

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد