بعد زلزال الريف الذي “طرد” فيه الملك 9 وزراء.. هل يأتي زلزال سياسي آخر يهز أركان أخنوش؟
يمكن للمرء، اليوم، أن يردد المثل السائر الذي يقول: “ما أشبه اليوم بالبارحة”.
فالمتأمل في الظرفية المجتمعية، التي يمر منها المغرب، منذ سنة كاملة، قد يجد فيها الكثير من المؤشرات المماثلة للأوضاع الاجتماعية والسياسية، التي أنهكت المغاربة، قبل خمس سنوات، وأخرجتهم للاحتجاج في العديد من المناطق، كانت أقواها في منطقة الريف.
في تلك الفترة، عاش وزراء ومسؤولون سامون وبرلمانيون وسياسيون حالة صعبة من الترقب والتوجّس وهم ينتظرون خطاب الملك في افتتاح البرلمان يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017… وكان لديهم الحق في الاضطراب والتخوّف وحتى الخوف، لأن الجالس على العرش ضاق ذرعا بوضعية التدهور الشامل في البلاد بسبب اختلالات بنيوية ضربت مختلف القطاعات… لقد ترجم الملك غضبته على هذه الاختلالات وعلى المسؤولين عنها بكلمات بليغة في خطاب الافتتاح، الذي أعلن عن “بداية مرحلة حاسمة، تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وقال الملك “إننا لا نقوم بالنقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها، وإنما نريد معالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات”، موضحا، في الخطاب ذاته، أن “ما نقوم به يدخل في صميم صلاحياتنا الدستورية، وتجسيد لإرادتنا القوية، في المضي قدما في عملية الإصلاح، وإعطاء العبرة لكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام”.
وارتعدت فرائص نواب ووزراء ومسؤولين حينما قال الملك إنه “بصفتنا الضامن لدولة القانون، والساهر على احترامه، وأول من يطبقه، فإننا لم نتردد يوما، في محاسبة كل من ثبت في حقه أي تقصير، في القيام بمسؤوليته المهنية أو الوطنية”، ثم تبيّنوا أن هناك زلزالا سياسيا في الأفق، عندما شدد الملك على أن “الوضع، اليوم، أصبح يفرض المزيد من الصرامة، للقطع مع التهاون والتلاعب بمصالح المواطنين”.
انتهى الملك من الخطاب، ولم تنته حالة التوجّس التي تملّكت نفوس المسؤولين، الذين شرع عدد منهم يتحسّسون رؤوسهم، ويترقّبون العاصفة.
ولم تكد تمر عشرة أيام على الخطاب الملكي، حتى حل الزلزال، الذي هزّ أركان الطبقة السياسية المغربية، التي كانت “متعوّدة” على غضبات ملكية، يحنون لها الرؤوس إلى أن تمر، لكن هذه المرة، فاجأ الزلزال الملكي الرأي العام الوطني، لقد كان القضاء، في ذلك اليوم، الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، يحاكم معتقلي الريف، فيما كان الملك يحاكم السلطات العمومية، بناء على تقارير كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات، وتفعيلا لأحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطبيقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، قرر الملك معاقبة 9 وزراء ومسؤول سام، و14 مسؤولا إداريا، يتحمّلون مسؤولية الإهمال والاختلالات، التي أدت إلى تعثر مشاريع “الحسيمة منارة المتوسط”.
هذا ما وقع، والتفاصيل معلومة، والمعنيون بالمعاقبة معروفون، نورده للذكرى، بما أن الذكرى تنفع المومنين.
كان ذلك بالأمس، واليوم نجد الأغلبية الساحقة من المغاربة ينتظرون سقوط رؤوس أساءت إلى التدبير العمومي النزيه والناجع، وألحقت أضرارا بالغة بالقدرة الشرائية لأوسع الجماهير الشعبية، التي عانت الأمرين مع مسؤول يتولى مهمة رئيس الحكومة، وهو في الوقت نفسه أكبر تجار المحروقات، يعمل فيهم “العمايل” وشركاته تبيعهم “ليصانص” و”المازوط” بأغلى الأثمان، وتبيعهم الملابس والأوكسيجين والغاز واللائحة طويلة، في المقابل لم يترك للمغاربة سوى الوعود التي لا تنتهي، مما دفع السواد الأعظم منهم لرفع “الهاشتاغ” المُطالِب برحيله من على رأس الحكومة، التي فشل فشلًا ذريعًا في تسييرها، ليبقى التعديل الحقيقي الذي ينتظره هذا السواد الأعظم من الشعب المغربي، هو تعديلٌ شاملٌ قد يكون هو جواب الملك محمد السادس، ليشمل ليس فقط الوزراء من حزبه المتسببين في الأزمة، وإنما رئيسهم عزيز أخنوش، الذي هو المستفيد الأول والأكبر من الأزمة!!
فهل سيكون اليوم شبيها بالبارحة، ونقول، مرة أخرى: “اللي فرّط يكرّط”، ونكون أمام فصل جديد من إعمال الملك محمد السادس للمبدأ الدستوري القائم على المسؤولية والمحاسبة… أم إن المحيط الإقليمي والدولي قد يُؤجل ذلك لأجل معلوم لن يتأخر كثيرًا؟