القمة العربية المقبلة.. قراءة في مؤشرات النجاح والفشل


تقديم

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    سبق لي أن نشرت مقالا حول جامعة الدول العربية وقفت من خلاله على الأزمة  البنيوية لهذه الجامعة  سواء فيما ارتبط بمرحلة التأسيس سنة 1945 التي لعب فيها وزير الخارجية البريطاني أنطوني ايدن دورا محوريا في الوقت الذي كانت فيه غالبية الدول الأعضاء  حاليا ترزح تحت الاستعمار المباشر الإنجليزي والفرنسي، أو ما تعلق بالميثاق التأسيسي الذي صادقت عليه  سبعة دول هي سوريا ومصر والسعودية وشرق الأردن واليمن الشمالي ولبنان والعراق سنة 1945 الذي اعتبر حصول الدول على استقلالها شرطا أساسيا لاكتساب صفة العضوية فيها دون أدنى إشارة إلى دور هذه الجامعة في مساعدة الدول الأخرى في نيل استقلالها، هذا بالإضافة إلى طابعه العرقي الذي ينص على صفة الدولة العربية كشرط  للانضمام وذلك في إقصاء تام لباقي المكونات العرقية والإثنية لشعوب شمال وشرق أفريقيا وشعوب منطقة الشرق الأوسط، هذا في الوقت الذي نعلم فيه أن التجمعات السياسية والاقتصادية الناجحة في العالم تنسب أسماءها إلى مجالاتها الترابية والجغرافية  من أجل ضمان حقوق جميع الشعوب المنضوية تحت لوائها  على اختلاف أعراقها وتنوعها الثقافي واللسني والديني، بل وتشترط في الانتماء إليها احترام الدول لقواعد الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان والشفافية بدل اعتماد العرق شرطا للانتماء.

    أستعرض هذه المقدمة من أجل فهم الوضع المأزوم الذي تتواجد عليه هذه الجامعة حاليا، والذي يعكس الحالة العامة لدولها الأعضاء ذات أنظمة الحكم الشمولية التابعة للغرب الأطلسي في مجملها، والمتسمة بالنزاعات المتوارثة فيما بينها منذ المرحلة الاستعمارية  وتأثير الأجندات الخارجية منذ التأسيس  في قرارات قممها في الغالب، بالشكل الذي يستحيل معه خدمة القضايا المصيرية المشتركة لشعوبها كالتنمية والديمقراطية، إضافة إلى  القضية الفلسطينية التي شكلت دوما نقطة مركزية في بياناتها الختامية وفي جداول أعمال مؤتمراتها دون أن يحصل الشعب الفلسطيني الذي ما يزال يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 70 سنة على حقه في إقامة دولته المستقلة.

    قراءة في الوضع الحالي للجامعة

    إذا كان هذا الوضع المأزوم قد شكل السمة الملازمة  للجامعة منذ التأسيس، فإن النشاط الأبرز لها في العشرية الأخيرة لم يبقى في حدود العجز عن اتخاذ قرارات حاسمة وملزمة لصالح القضايا المشتركة والمصيرية لشعوب المنطقة، بل هو تحول  هذه الجامعة إلى ٱلية    لتصفية الحسابات بين أعضائها وتفتيت كيانات البعض منها بتواطؤ مكشوف مع الغرب الأطلسي وإسرائيل   سواء بالانخراط المباشر في مشروع كوندوليزا رايس الذي أعلنت عنه في  لقاء صحفي سنة  2005 المسمى خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على إدعاء نشر “الديموقراطية الأمريكية  ‘ بالتشجيع على ” الفوضى الخلاقة”  في المنطقة، وذلك إحياء لنظرية قديمة تعود للمؤرخ والاستراتيجي الفريد ثاير ماهان صاحب مفهوم “قوة البحر” سنة 1902 ، وهي الفوضى التي شملت كل  من العراق وسوريا واليمن وليبيا  الخ… ولاحقا في  مشروع صفقة القرن واتفاقية أبراهام  في عهد ترامب  الهادف الى تصفية القضية الفلسطينية والدفع بعملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي لتشمل دول وازنة في الجامعة العربية.

    في ظل هذه الظروف  التي تناسلت معها الكثير من القضايا الخلافية الداخلية المفتعلة على حساب القضايا المصيرية المغيبة التي تأسست من أجلها  جامعة الدول العربية،  بعد أن عجزت عن إيجاد أي حل لها، بالاضافة للانقسامات  الحاصلة جراء الأزمات المفتعلة الجديدة  في المنطقة كما هو الشأن مع الأزمة السورية واليمنية والليبية، بالإضافة إلى الوضع الغير المستقر لكل من لبنان و العراق والسودان وتونس كنتيجة لتدخلات بعض الدول الأعضاء في شؤونها الداخلية، دون إغفال الوضع المتفجر بين المغرب والجزائر بسبب الدعم الذي تقدمه هذه الأخيرة للحركة الانفصالية في جهة  الصحراء الغربية.

    علاقة بكل ما سبق وانطلاقا من الأجواء  المتوترة التي تشهدها المنطقة المغاربية ومنطقة الشرق الأوسط التي تجد نفسها منقسمة على نفسها إما خدمة لمصالح ضيقة  وتصفية حسابات قديمة أو تنفيذا  لمشروع خارطة الشرق الأوسط  الجديد وسليلته اتفاقية ابراهام، أجد نفسي مضطرا لإعادة طرح السؤال من جديد حول جدوى القمة العربية المقبلة المزمع انعقادها بالجزائر في شهر نونبر القادم في الظرفية الحالية ؟ ، وكذا انتظارات الدولة الجزائرية من هذه القمة التي انفرط فيها عقد الاجماع بشكل لم تشهده منذ تاريخ تأسيسها؟ ، وهل الجزائر في وضع يؤهلها لتلعب دور الجامع لكل هذه التناقضات أولا، والخروج من القمة باتفاقات ومصالحات تعيد الجامعة  العربية لمبادئ التضامن التي ينص عليها ميثاقها المؤسس بالشكل الذي يؤهلها للعب دور اللوبي الضاغط في السياسة الدولية خدمة قضايا شعوب المنطقة ومصالح دولها الاستراتيجية علاقة بما تمتلكه من إمكانيات مادية ومالية؟ …

    أطرح هذه التساؤلات وغيرها ليس من باب اختبار حسن نوايا الدولة الجزائرية، بل فقط من اجل الوقوف عند بعض مؤشرات النجاح والفشل  التي تحبل بها المرحلة و التي تعيننا على وضع قراءة استباقية للقمة المقبلة ومخرجاتها  انطلاقا من الأدوار المؤثرة للدول الفاعلة فيها وفي أزماتها المتعددة .

    الجزائر كدولة مضيفة : أي رهانات على النجاح ؟

    مما لا شك فيه أن الدولة الجزائرية تراهن بشكل كبير على نجاح مؤتمر القمة المقبل لجامعة الدول العربية سواء من خلال حضور رؤساء وملوك وأمراء الدول الاعضاء أو من خلال العودة إلى وحدة العمل والمواقف التي تهم القضايا المشتركة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي اعتبرت النقطة الأساسية في جدول أعمالها بعد أن استبعدت باقي النقاط التي اقترحتها الجزائر كعودة سوريا وملف الصحراء المغربية في الاجتماعات التحضيرية سواء  الثنائية أو على مستوى وزراء الخارجية.

    لكن يبدو أن ما تطمح إليه الدولة الجزائرية يعد صعب المنال في الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة مع كل الانقسامات الحادة التي تشهدها والوضع الغير المستقر للكثير من الدول الأعضاء والتدخلات الخارجية للقوى الأطلسية التي تعمل جاهدة من أجل  الإبقاء على هذا الوضع الانقسامي بهدف  تهيئة الشروط الضرورية للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة من أجل ملء الفراغ الذي قد ينتج عن إعادة انتشار قواتها بعد أن نقلت أمريكا صراعها الاستراتيجي إلى شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا في مقابل التهويل من خطر  الدور الذي تلعبه إيران التي تحولت بمفتضاه لعدو رئيسي لكثير من الدول العربية بدل إسرائيل  الغاصبة لحقوق الشعب الفلسطيني التي   تأسست كمشروع سياسي صهيوني عنصري يجعل من  تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية واختلاق الأزمات بين الدول سبيلا للبقاء والهيمنة، بل أن  هناك دول   استنجدت بـإسرائيل في صراعها مع إيران و ذهبت بعيدا في تطبيعها مع هذا الكيان ليشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وهي دول تشهد استقرارا نسبيا ومؤثرة في قرارات جامعة الدول العربية  مثل  الإمارات والبحرين والمغرب والأردن والسعودية ومصر الخ.، وتربطها علاقات متقدمة بالكيان الإسرائيلي، بل وحليفة استراتيجية للبعض منها.

    فإذا كان الوضع كذلك فهل يمكن  للدول التي كانت مناهضة للتطبيع مع إسرائيل وللهيمنة الامريكية، بعدما  تم تدميرها بشكل ممنهج ، أن يكون لها تأثير يذكر فيما يخص القضية الفلسطينية وإعادة بوصلة الصراع  ولو بالمواقف تجاه إسرائيل كما كان الوضع سابقا، خاصة إذا استحضرنا الحالة السيئة التي تتواجد عليها هذه الدول نتيجة التخريب الذي تعرضت له كالعراق الذي يعيش على وقع صراع طائفي وعرقي وسياسي منذ الغزو الأمريكي  له بمباركة عربية، وسوريا التي تعيش على وقع الحصار والاحتلال لأجزاء واسعة من أراضيها بمؤامرة خليجية أطلسية وهي الغائبة  قسرا عن المؤتمر، واليمن التي تتعرض لحصار ظالم  وحرب مدمرة متذ سنوات من طرف ما سمي بالتحالف العربي، وليبيا التي تتقاسمها المليشيات والأجندات الخارجية بعد التدخل الأطلسي والتواطؤ العربي  الخ…

    إذا كان الوضع كذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية التي تعد النقطة الأساسية في اجتماع القمة المقبل والتي طالما اعتبرتها القمم السابقة نقطة مركزية في الصراع “العربي الإسرائيلي ” وسوقتها تاريخيا  الأنظمة الحاكمة والأحزاب السياسية كقضية وطنية مركزية لدغدغة المشاعر  القومية والإسلامية لشعوبها دون ان تجرأ على اي فعل لاسترجاع الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني رغم ما تملكه هذه الدول مجتمعة من إمكانيات مالية وعسكرية  قادرة على ردع الغطرسة الإسرائيلية، ولنا حاليا  العبرة في تجربة  حزب الله اللبناني مع هذا الكيان، وسابقا الاستثناء الذي شكله الرئيس الراحل  جمال عبد الناصر في التعاطي مع القضية الفلسطينية والكيان الاسراىيلي.

    - إشهار -

    فما بالك إذن  بباقي الأزمات التي تنخر جسم الكثير من أعضاء جامعة الدول العربية وذلك بتخطيط  من الولايات المتحدة الأمريكية و بتواطؤ ودعم  مكشوف من بعض الدول الأعضاء في الجامعة، وهي الأزمات التي تختلف  الدول  المدعوة للقمة المقبلة في شأنها باختلاف مصالحها القطرية وارتباطاتها الخارجية.

    في السياق ذاته يمكن استحضار انسحاب الوفد المصري من الاجتماع التحضيري الأخير في القاهرة لوزراء الخارجية احتجاجا على تولي نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة  عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، المقالة من طرف برلمان طبرق،   رئاسة المجلس للستة أشهر القادمة.

    إذن في ظل هذه الأوضاع الاقليمية  والدولية  الغير المستقرة والانقسامات التي تشهدها العديد من الدول الأعضاء علاقة الأزمات المفتعلة  وبموجة التطبيع على حساب القضية الفلسطينية، في مقابل تنامي العداء لإيران و لمحور المقاومة.

    هل بإمكان  الدولة الجزائرية التي تصرح كونها على نقيض كل هذا، بالاضافة الى مواقفها المعادية  للمغرب  في قضيته الوطنية ولتطبيعه مع إسرائيل، أن تراهن فعلا على إنجاح القمة المقبلة بالأهداف التي تعلنها للرأي العام الجزائري ؟ .

    وهل سيلبي الدعوة  الرؤساء والملوك والأمراء المطبعين مع إسرائيل والمعادين لإيران والمختلفون مع الجزائر في كيفية التعاطي مع الأزمات المفتعلة، وذالك فقط نزولا عند  رغبة الدولة الجزائرية ؟.وهل الجزائر تراهن فعلا على  كونها فادرة على تحقيق المصالحة وإعادة وحدة الصف” العربي ” وحل النزاعات التي تعد طرفا فيها، كما هو الشأن في الأزمة  الليبية التي أبانت عن انحيازها إلى الطرف المدعوم من قطر وتركيا على حساب الطرف الآخر المدعوم من مصر والإمارات والسعودية، دون إغفال مساندتها لاثيوبيا على حساب مصر في صراعهما على مياه نهر النيل وموقفها المعادي للمغرب في قضيته الوطنية على خلاف ما تراه دول أخرى أعضاء في الجامعة؟.

    خلاصة :

    أستحضر هذه المعطيات ليس لتبخيس مجهودات الدبلوماسية الجزائرية، بل للقول إن منطق الرغبة في لعب دور الزعامة والمنفذ لوضع مأزوم تتحمل فيه قسطا من المسؤولية ويجعل منها جزءا من الأزمة وليس من الحل هو المهيمن على العقل السياسي الحاكم في الجزائر.

    كما أن قبولها استضافة القمة المقبلة لجامعة الدول العربية في مثل هذه الأوضاع الانتقالية التي تمر بها المنطقة بصفة خاصة والعالم  بصفة عامة بما يشهده من صراع استراتيجي بين القوى الكبرى  ينذر ببداية نهاية  مرحلة الأحادية القطبية لصالح عالم جديد متعدد الأقطاب بكل ما يمكن أن يترتب عن هذه المرحلة المستجدة  من أثر عميق على التكتلات الاقتصادية والتحالفات السياسية التقليدية التي لن تبقي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منأى عنها.

    كل هذا يحيل على أن النخبة السياسية الحاكمة في الجزائر رغم ما تعبر عنه من مواقف منحازة في بعضها  لمحور مقاومة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، وتارة أخرى لأوروبا،  إلا أنها  تفتقر  للرؤية الاستراتيجية المستوحاة من فهم دقيق وموضوعي لميكانيزمات الصراع الإقليمي والدولي، وذلك من أجل تقويم علاقاتها الدولية، ابتداء من محيطها المغاربي القريب خدمة للمصالح الاستراتيجية لشعوب ودول المنطقة، بالشكل الذي يؤهل هذه الدول ذات موقع جيواستراتيجي جد حيوي  باشرافها شمالا  على شريان الملاحة الدولية وجنوبا على العمق الإفريقي    للتأثير في السياسة الدولية ويبوئها  المكانة اللازمة في العالم الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل من الآن بدل الرهان على قمة فاشلة ساهم الكثير من اعضائها في تدمير دول  وشعوب المنطقة، وانتهاء ببناء رؤية استراتيجية  جديدة  لمستقبل هذه الجامعة التي تعاني أزمة بنيوية لازمتها منذ التأسيس. رؤية تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجذرية المرتقبة في النظام الدولي.

    أمام هذه المعطيات والسياقات السياسية الإقليمية والدولية التي ستنعقد فيها القمة المقبلة لجامعة الدول العربية لا يسعني إلا القول بأن الرهانات التي وضعتها الدولة الجزائرية على هذه القمة تظل رهانات فاشلة تطغى عليها النزعة الذاتية بعيدا عن أي قراءة موضوعية لما تمر به المنطقة والعالم، ولا ينسجم بالمطلق مع مع ما تصرح به الجزائر من مواقف منحازة  للمقاومة، المناهضة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وكان من الأجدر ان تنأى بنفسها عن هذه الاستضافة لأن كل مؤشرات الفشل متوفرة ولم تتواتر  الظروف بعد لإنجاز قمة واعدة تستشرف ٱفاقا جديدة لهذا التجمع الإقليمي الأفرو – آسيوي بمضامين ومسميات جديدة.

    د.تدمري عبد الوهاب/طنجة في 2 أكتوبر 2022

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد