رئيس الحكومة عزيز أخنوش بين ارتفاع الأسعار وشح الأمطار..من غضب الشعب إلى غضب الله


مراد بورجى- اضطر عاهل البلاد الملك محمد السادس لأخذ زمام الأمور بنفسه والاستجابة لصرخات الفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين ظلوا، لعدة شهور، يستغيثون ويرفعون أصواتهم بالشكوى ويطلبون الدعم من حكومة الملياردير عزيز أخنوش، التي تركتهم لأقدارهم يواجهون الفقر والتهميش، بسبب تفاقم معاناتهم من التدهور البيئي، في ظل شح الأمطار وصعوبة الحصول على مياه الري، والارتفاعات المهولة في أسعار الأعلاف والبذور والأسمدة…
هذا التقاعس والإهمال الحكومي هو ما دفع الجالس على العرش للتدخل، حيث استدعى، يوم الأربعاء 16 فبراير 2022، كلا من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد الصديقي، اللذين ينتميان، بالمناسبة، إلى حزب التجمع الوطني لـ”الأسعار”، عفوًا لـ”لأحرار”، الذي يقود الحكومة، وأمرهما باتخاذ كافة التدابير الاستعجالية الضرورية، لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي، كما أمر بأن يساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ 3 ملايير درهم في برنامج استثنائي سيكلّف غلافا ماليا إجماليا يبلغ 10 ملايير درهم…
الأمر الملكي يستدعي منا أن نثير إشكالية الماء وقَدَر المغرب في توالي مواسم الجفاف عليه، وما هي مسؤولية عزيز أخنوش في كون الفلاحة المغربية لم تتحرّر بعد من ارتباطها القدَري بما تجود به السماء، ولماذا تَأخُّر الأمطار لأربعة أشهر فقط أوصل الفلاحين في المغرب إلى وضع كارثي؟!
لفهم كل هذا لابد أن نعود لما يقرب من 15 سنة مضت، أي إلى 15 أكتوبر 2007، تاريخ تعيين الملياردير عزيز أخنوش وزيرًا للفلاحة، الذي ظل يُمسك حقيبتها إلى غاية 10 سبتمبر 2021، تاريخ تعيينه رئيسًا للحكومة، فاقترح على الملك محمد السادس أن يُعين السيد محمد الصديقي وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الذي هو بالمناسبة ليس إلاّ كاتبه العام السابق بنفس الوزارة، وهو المنصب الذي ظل يشغله منذ سنة 2013 لغاية جلوسه على كرسي رئيسه السابق عزيز أخنوش، وبذلك تظل أسرار هذا القطاع متحكَّما فيها حتى لا يأتي شخص من خارجه فيفتح ما بداخله من ملفّات مشتعلة.
أولًا يجب أن نعرف أن عزيز أخنوش انتزع حقيبة وزارة الفلاحة سنة 2007 من امحند العنصر، الذي تفاجأ وقتها بصبغ عزيز أخنوش بلون حزبه الحركة الشعبية.
وليس العنصر عرّاب الحزب لوحده من تفاجأ بذلك، بل حتى الوزير الأول المعين آنذاك الاستقلالي عباس الفاسي تفاجأ، بدوره، بوجود اسم عزيز أخنوش بلائحة وزراء حكومته، عندما سلّمها له مستشار الملك الراحل مزيان بالفقيه، رغم أن الفاسي لم يقترحه. وراج آنذاك أن سلفه إدريس جطو هو من اقترح أخنوش على “المستشار الملكي” المعلوم.
أسابيع بعد تعيين أخنوش وزيرًا للفلاحة، راح لمكتب ماكنزي الأمريكي “بدعوى” إجراء دراسات لاستراتيجية فلاحية تنموية، وبعد أشهر قليلة، أي في شهر أبريل 2008، وبمناسبة افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، أعلن عن إطلاق مخطط المغرب الأخضر، رغم أنه لم يكن جزءا من البرنامج الحكومي لعباس الفاسي.
وعلى مدى 13 سنة، صُرفت مبالغ جد ضخمة تُقدّر بآلاف الملايير من السنتيمات على ما كان يدّعي عزيز أخنوش ومكتب دراساته الأمريكي: “جعل قطاع الفلاحة رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب”، انطلاقًا مما أسماه “مخطط المغرب الأخضر، الذي انتهى أمده سنة 2020، مرورًا بـ”استراتيجية الجيل الأخضر”، الذي عوّض المخطط وسيمتد إلى 2030، وانتهاءً بـ”صندوق التنمية القروية”، الذي هيمن على ملاييره بعدما انتزعه من رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران؟!
أما بخصوص الأمطار والتغيرات المناخية، فتلك حكاية أخرى، تلخّصها كلمة عزيز أخنوش، التي ألقاها في افتتاح المناظرة الوطنية التاسعة للفلاحة بمكناس، قبل خمس سنوات، وبالضبط بتارخ 17 أبريل 2017، إذ قال إن مخطط المغرب الأخضر طوّر منذ إطلاقه ثلاثة برامج رئيسية لملاءمة الفلاحة مع التغيرات المناخية، كما وضع الحفاظ على الموارد المائية في صلب أولوياته، وكان شعار المناظرة وقتها هو “إمدادات الماء، الفلاحة والأمن الغذائي”، وكان الأمر يتعلق بالبرنامج الوطني لاقتصاد الماء في السقي، وبرنامج توسيع السقي، وبرنامج الشراكة في القطاعين العام والخاص في مجالي الري.
�وذهب السي عزيز بعيدا للقول إن هذا البرامج سيمكّن من اقتصاد حوالي ملياري متر مكعب من المياه سنويا، ومضاعفة تثمين مياه الري، وتثمين استغلال ما يناهز 1,2 مليار مكعب إضافية من المياه، ستوفرها السدود المنجزة أو تلك التي ما زالت في طور الإنجاز.
واليوم، وبعد مرور عقد ونصف من الزمن، يتضح أن كل هذا لم يكن سوى كلام ووعود “كاذبة” شبيهة بنفس الوعود الانتخابية، التي دغدغ بها عزيز أخنوش مشاعر الناخبين لينقضّ على كرسي رئاسة الحكومة.
وهذا ما تأكد جليًا من خلال تقرير إدريس جطو وقضاته في المجلس الأعلى للحسابات، بعد إعطائهم الضوء الأخضر من القصر، فكان أن خصّصوا أكثر من 400 صفحة من تقريرهم لجلد عزيز أخنوش، حيث أكّدوا أن هناك انزلاقات بالجملة واختلالات عديدة مع ضعف ملموس في تسيير قطاع الفلاحة.
هذا الضعف، بل الفشل في التدبير، الذي أثار هذه الأيام الكثير من الجدل، والذي ساهم فيه إسحاق شارية، بارتباط مع موضوعنا، في تدوينة نشرها على حسابه بالفايسبوك، قال فيها لرئيس الحكومة إن “هذا ما أوصلتنا إليه السياسة الزراعية المتوحشة، التي نهجها عزيز أخنوش، في برنامج المغرب الأخضر، حيث استنزف، على مدى سنوات قليلة، كمية هائلة من الثروة المائية الجوفية والاحتياطية، بسبب الترخيص للزراعات المستهلِكة للماء، ومحاربة البذور المغربية الأصيلة، في مقابل البذور الأجنبية الهجينة”.

- إشهار -

وتابع أنه “بالإضافة إلى الزيادات المكوكية في أسعار المواد الأولية والبترولية خدمة لأجندات الشركات الاحتكارية، أجمع الخبراء على أن المغاربة أضحوا مهددين بقوة بالعطش وندرة حادة في المياه، وهو ما يفرض مُساءلةً حقيقيةً للمسؤول عن هذا التبديد الخطير لهذه المادة الحيوية”.
وأعتقد أن شارية مُحقٌّ، في هذا المنحى، بما أن 15 سنة مدة كافية، كما هو مفترض، لكل مسؤول يعمل، بكثير من الجدية والجدوى والإبداع، من أجل إيجاد حلول مبتكرة لمعضلة الماء وتوالي مواسم الجفاف، التي أضحت وكأنها قَدَرٌ على المغرب والمغاربة، الذين يلتجئون، بين الحين والآخر، إلى السماء لطلب الاستسقاء.
ورغم كل هذه الأوضاع الكارثية، التي ليست وليدة اليوم، خرج عزيز أخنوش “وبلا حيا بلا حشمة”، ليصوّر للمغاربة جنة موعودة في برنامجه الانتخابي، وأن المواطن المغربي سيعيش معه، خلال الخمس سنوات المقبلة لولايته الانتخابية، عيشة الرّغد، في كل مناحي الحياة، لقد استغفل المغاربة الذين اطمأنوا ولم يشُكّوا في أن المغرب قد تشُح فيه المياه، وأنهم سيتعرضون لزيادات صاروخية في الأسعار دون تدخل من أخنوش وحكومته للتخفيف عليهم بزيادة دعم المواد الأساسية، بدل الإسراع بدفع 1300 مليار الخاصة بالقيمة المضافة للشركات…
وبالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، فإن عزيز أخنوش وحواريوه، عندما كانوا يعِدون المغاربة بمستقبل أفضل “ماكانوش كيقولوا إن شاء الله”، ولم يكونوا يعلمون بقوله تعالى في سورة أهل الكهف: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَن يَشَاء اللَّه)، وهو ما يُوحي للعديدين بأنه بعد سخط السواد الأعظم من الشعب على عزيز أخنوش، ربما قد حلّ سخط الله.
أما بالنسبة لمشاريعه الخاصة، فإن كبير تجار المحروقات السي عزيز أخنوش يذكر الله لها قياما وقعودا، في ظل زواج السلطة بالمال، فيما 1700 مليار سنتيم، التي اتهمت لجنة التقصي البرلمانية تجارَ المحروقات بربحها والتحوّز عليها، سنة 2015، تضاعفت إلى 4500 مليار، اليوم، بعد خمس سنوات.
أما حكم أداء تجار المحروقات لنسبة 9% و8% من مداخيلهم، التي قررها مجلس المنافسة، فإن السي عزيز أخنوش لم يفكر في تنفيذها، وفي إرجاع تلك الأموال، التي نهبتها شركته أفريقيا ومعها باقي الشركات الأخرى…
بعد “أهل الكهف”، هناك سورة أخرى هي “الضحى”، التي يلهج بها أخنوش اليوم، والتي تقول (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، لكن الذي “تحدّث” هي مجلة “فوربس” العالمية، التي تصدر تقارير سنوية حول ثروات أغنياء العالم، والتي صنّفت عزيز أخنوش، في آخر تقرير لها عن سنة 2021، في المرتبة 13 ضمن أغنياء إفريقيا، بثروته التي بلغت، رغم أنف جائحة كورونا، نحو 2.2 مليار دولار.
لقد عرفت ثروة رجل الأعمال الأول بالمغرب، عزيز أخنوش، ارتفاعا أيضا، حتى خلال اشتداد أزمة كورونا سنة 2020، حيث سجلت ثروته، بحسب تقرير “فوربس”، نحو 1.9 مليار دولار.
وفي هذا الكثير مما يُقال، إذ ما كان الأمر ليكون كذلك لولا تضارب المصالح، واستغلال قانون تحرير الأسعار، والاحتكار، وغيرها من المزايا، التي يتنعّم بها السي عزيز، بعدما رزقه “المغرب” بما يشاء.
يُتبع…
أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد